Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 8-16)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : كما أنعمنا عليك وأعطيناك الشرع المستقيم ، والخلق العظيم { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ * وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } قال ابن عباس : لو ترخص لهم فيرخصون ، وقال مجاهد : تركن إلى آلهتهم وتترك ما أنت عليه من الحق ، ثم قال تعالى : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } وذلك أن الكاذب لضعفه ومهانته ، يجترىء على أسماء الله تعالى ، باستعمالها في كل وقت في غير محلها ، قال ابن عباس : المهين الكاذب ، وقال الحسن : { كُلَّ حَلاَّفٍ } مكابر { مَّهِينٍ } ضعيف ، وقوله تعالى : { هَمَّازٍ } يعني الاغتياب ، { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } يعني الذي يمشي بين الناس ويحرش بينهم ، وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة ، وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال : " مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستبرىء من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " " وعن همام بن الحارث قال : " مر رجل على حذيفة فقيل : إن هذا يرفع الحديث إلى الأمراء ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول : " لا يدخل الجنة قتات " " وعن أبي وائل قال : " بلغ حذيفة عن رجل أنه ينم الحديث فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة نمام " " ، وروى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد بن السكن " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم بخياركم ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " الذين إذا رؤوا ذكر الله عزَّ وجلَّ " ، ثم قال : " ألا أخبركم بشراركم ؟ المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العَنَت " " . وقوله تعالى : { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } أي يمنع ما عليه وما لديه من الخير { مُعْتَدٍ } في تناول ما أحل الله له ، يتجاوز فيها الحد المشروع ، { أَثِيمٍ } أي يتناول المحرمات ، وقوله تعالى : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } أما العتل فهو الفظ الغليظ ، الجموع المنوع . روى الإمام أحمد ، عن حارثة بن وهب قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أنبئكم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر " وفي رواية : " كل جواظ جعظري مستكبر " ، وفي أخرى لأحمد : " كل جعظري ، جواظ مستكبر ، جمّاع ، منّاع " وفي الحديث : " تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه ، وأرحب جوفه ، وأعطاه من الدنيا هضماً ، فكان للناس ظلوماً ، فذلك العتل الزنيم " ، فالعتل هو الشديد القوي في المأكل والمشرب والمنكح وغير ذلك ، وأما الزنيم في لغة العرب فهو الدعي في القوم ، ومنه قول ( حسان بن ثابت ) يذم بعض كفّار قريش : @ وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد @@ وقال ابن عباس في قوله { زَنِيمٍ } قال : الدعي الفاحش اللئيم : وأنشد : @ زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع @@ والمراد به ( الأخنس بن شريق ) ، وقال مجاهد عن ابن عباس : { الزنيم } الملحق النسب ، وقال سعيد بن المسيب : هو الملصق بالقوم ليس منهم ؛ وسئل عكرمة عن الزنيم فقال : هو ولد الزنا ، وقال سعيد بن جبير : الزنيم الذي يعرف بالشر ، كما تعرف الشاة بزنمتها ، والزنيم الملصق ، وقال الضحاك : كانت له زنمة في أصل أذنه ، ويقال : هو اللئيم الملصق في النسب ، والأقوال في هذا كثيرة ، وترجع إلى ما قلناه ، وهو أن الزنيم هو المشهور بالشر ، الذي يعرف به من بين الناس وغالباً يكون دعياً ولد زنا ، فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما لا يتسلط على غيره ، وقوله تعالى : { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } يقول تعالى هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين ، كفر بآيات الله عزَّ وجلَّ وأعرض عنها ، وزعم أنها كذب مأخوذ من أساطير الأولين ، كقوله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } [ المدثر : 11 - 16 ] . { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } ، قال ابن جرير : سنبين أمره بياناً واضحاً ، حتى يعرفوه ولا يخفى عليهم ، كما لا نخفي عليهم السمة على الخراطيم ، وقال قتادة { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } : شين لا يفارقه آخر ما عليه ، وعنه : سيما على أنفه ، وقال ابن عباس : يقاتل يوم بدر فيخطم السيف في القتال ، وقال آخرون : { سَنَسِمُهُ } سمة أهل النار ، يعني نسود وجهه يوم القيامة ، وعبر عن الوجه بالخرطوم ، ولا مانع من اجتماع الجميع عليه في الدنيا والآخرة ، وفي الحديث : " من مات همازاً لمازاً ملقباً للناس كان علامته يوم القيامة أن يسمه الله على الخرطوم من كلا الشفتين " .