Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 1-7)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة ، بما أغنى عن إعادته هٰهنا ، وقيل : المراد بقوله { نۤ } حوت عظيم وقيل : المراد بقوله { نۤ } لوح من نور ، وقيل : المراد بقوله { نۤ } الدواة ، { وَٱلْقَلَمِ } القلم ، روي عن الحسن وقتادة في قوله { نۤ } قالا : هي الدواة ، وقوله تعالى : { وَٱلْقَلَمِ } الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به كقوله تعالى : { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ * عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [ العلق : 4 - 5 ] فهو قسم منه تعالى ، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم ، من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم ، ولهذا قال : { وَمَا يَسْطُرُونَ } قال ابن عباس : يعني وما يكتبون ، وقال أبو الضحى عنه { وَمَا يَسْطُرُونَ } أي وما يعملون ، وقال السدي { وَمَا يَسْطُرُونَ } يعني الملائكة وما تكتب من أعمال العباد ، وقال آخرون : بل المراد هٰهنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر ، حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرضين بخمسين ألف عام ، روى ابن أبي حاتم عن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : " دعاني أبي حين حضره الموت ، فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ما خلق الله القلم فقال : اكتب ، قال : يا ربّ وما أكتب ؟ قال اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد " وعن ابن عباس أنه كان يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أول شيء خلقه الله القلم فأمره فكتب كل شيء " وقال مجاهد { وَٱلْقَلَمِ } يعني الذي كتب به الذكر ، وقوله تعالى : { وَمَا يَسْطُرُونَ } أي يكتبون كما تقدم . وقوله تعالى : { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } أي لست ولله الحمد بمجنون ، كما يقوله الجهلة من قومك ، المكذبون بما جئتهم به من الهدى حيث نسبوك إلى الجنون ، { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي بل إن لك الأجر العظيم ، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد ، على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق ، وصبرك على أذاهم ، ومعنى { غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي غير مقطوع ، كقوله : { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي غير مقطوع عنهم ، وقال مجاهد { غَيْرَ مَمْنُونٍ } : أي غير محسوب ، وهو يرجع إلى ما قلناه ، وقوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } قال ابن عباس : وإنك لعلى دين عظيم وهو الإسلام ، وقال عطية : لعلى أدب عظيم ، وقال قتادة : " ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قال : بلى ، قالت : فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن " ، وروى الإمام أحمد عن الحسن قال : " سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن " ، وقال ابن جرير ، عن سعد بن هشام قال : " أتيت عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها فقلت لها : أخبريني بخلق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان خلقه القرآن ، أما تقرأ : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } " ؟ ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن سجية له وخلقاً ، وترك طبعه الجبلي ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه ، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم ، من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم ، وكل خلق جميل ، كما ثبت في الصحيحين عن أنَس ، قال : " خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي : أُفٍّ قط ، ولا قال لشيء فعلتُه لِمَ فعلتَه ؟ ولا لشيء لم أفعله أَلاَ فعلته ؟ وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً ولا مسست خزاً ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت مسكاً ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وروى البخاري ، " عن البراء قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً ، وأحسن الناس خَلقاً ليس بالطويل ولا بالقصير " ، وروى الإمام أحمد ، عن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادماً قط ، ولا ضرب امرأة ، ولا ضرب بيده شيئاً قط إلاّ أن يجاهد في سبيل الله ، ولا خير بين شيئين قط إلاّ كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثماً ، فإذا كان إِثماً كان أبعد الناس من الإثم ، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلاّ أن تنتهك حرمات الله ، فيكون هو ينتقم لله عزَّ وجلَّ . وقوله تعالى : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } أي فستعلم يا محمد وسيعلم مخالفوك ومكذبوك ، من المفتون الضال منك ومنهم . وهذا كقوله تعالى : { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } [ القمر : 26 ] ، قال ابن عباس في هذه الآية : ستعلم ويعلمون يوم القيامة ، { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } أي المجنون ، وقال قتادة : { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } أي أولى بالشيطان ، ومعنى المفتون ظاهر أي الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه ، وإنما دخلت الباء في قوله : { بِأَييِّكُمُ } لتدل على تضمين الفعل في قوله { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } وتقديره : فستعلم ويعلمون ، أي فستخبر ويخبرون بأيكم المفتون ، والله أعلم ، ثم قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي ، ويعلم الحزب الضال عن الحق .