Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 1-12)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلْحَاقَّةُ } من أسماء يوم القيامة ، لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد ، ولهذا عظَّم الله أمرها فقال : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } ، ثم ذكر تعالى إهلاكه الأمم المكذبين بها فقال تعالى : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } وهي الصيحة التي أسكتتهم والزلزلة التي أسكنتهم ، هكذا قال قتادة : { ٱلطَّاغِيَةِ } الصيحة ، وهو اختيار ابن جرير وقال مجاهد : { ٱلطَّاغِيَةِ } الذنوب ، وكذا قال ابن زيد إنها الطغيان ، وقرأ : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } [ الشمس : 11 ] ، { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } أي باردة ، قال قتادة والسدي : { عَاتِيَةٍ } أي شديدة الهبوب ، عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم ، وقال الضحّاك : { صَرْصَرٍ } باردة { عَاتِيَةٍ } عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة ، وقال علي : عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب ، { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ } أي سلطها عليهم ، { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } أي كوامل متتابعات مشائيم ، قال ابن مسعود : { حُسُوماً } متتابعات ، وعن عكرمة والربيع : مشائيم عليهم كقوله تعالى : { فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } [ فصلت : 16 ] ويقال : إنها التي تسميها الناس الأعجاز ، وكأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى : { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } . وقيل : لأنها تكون في عجز الشتاء ، قال ابن عباس : { خَاوِيَةٍ } خربة ، وقال غيره : بالية ، أي جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخرّ ميتاً على أُمّ رَأسه ، فينشدخ رأسه ، وتبقى جثته هامدة ، كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نصرت بالصَّبا وأهلكت عاد بالدَّبور " وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فتح الله على عاد من الريح التي هلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم ، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم فجعلتهم بين السماء والأرض ، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عادٍ ، الريحَ وما فيها قالوا : هذا عارض ممطرنا ، فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة " { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } ؟ أي هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أو ممن ينتسب إليهم ؟ بل بادوا عن آخرهم ، ولم يجعل الله لهم خلفاً ، ثم قال تعالى : { وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ } أي ومن قبله من الأمم المشبهين له ، وقوله تعالى : { وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ } وهم الأمم المكذبون بالرسل ، { بِالْخَاطِئَةِ } وهي التكذيب بما أنزل الله ، قال الربيع { بِالْخَاطِئَةِ } أي بالمعصية ، وقال مجاهد : بالخطايا ، ولهذا قال تعالى : { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } أي كل كذب رسول الله إليهم كما قال تعالى : { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } [ ص : 14 ] ، ومن كذب برسول فقد كذب بالجميع ، كما قال تعالى : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الشعراء : 105 ] ، { كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الشعراء : 123 ] وإنما جاء إلى كل أمّة رسول واحد ، ولهذا قال هٰهنا : { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } أي عظيمة شديدة أليمة ، قال مجاهد { رَّابِيَةً } : شديدة ، وقال السدي : مهلكة . ثم قال تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ } أي ازداد على الحد ، وقال ابن عباس : { طَغَا ٱلْمَآءُ } كثر ، وذلك بسبب دعوة نوح عليه السلام ، فاستجاب الله له ، وعمَّ أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح في السفينة ، فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته ، قال علي بن أبي طالب : لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك ، فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخزان ، فطغى الماء على الخزان ، فخرج ، فذلك قوله تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ } أي زاد على الحد بإذن الله ، { حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك إلا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت ، فذلك قوله تعالى : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } ، ولهذا قال تعالى ممتناً على الناس { حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } وهي السفينة الجارية على وجه الماء ، { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً } أي وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار ، كما قال : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } [ الزخرف : 12 ] ، وقال تعالى : { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } [ يس : 41 - 42 ] وقال قتادة : أبقى الله السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة ، والأول أظهر ، ولهذا قال تعالى : { وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } أي وتفهم هذه النعمة وتذكرها أذن واعية ، قال ابن عباس : حافظة سامعة ، وقال قتادة : { أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله . وقال الضحّاك : { وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } سمعتها أذن ووعت ، أي من له سمع صحيح وعقل رجيح ، وهذا عام في كل من فهم ووعي .