Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 172-174)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم ، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم ، وأنه لا إله إلا هو ، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه ، قال تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } [ الروم : 30 ] ، وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يود على الفطرة " وقال ابن جرير عن الأسود بن سريع من بني سعد قال : " غزوت مع رسول صلى الله عليه وسلم أربع غزوات ، قال : فتناول القوم الذرية بعدما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد عليه ، ثم قال : " ما بال أقوام يتناولون الذرية " ؟ فقال رجل : يا رسول الله أليسوا أبناء المشركين ، فقال : " إن خياركم أبناء المشركين ، ألا إنها ليست نسمة ولد تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها ، فأبواها يهودانها وينصرانها " ، قال الحسن : والله لقد قال الله في كتابه : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الآية . وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام وتمييزهم إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، وفي بعضها الاستشهاد عليهم بأن الله ربهم . قال الإمام أحمد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به ؟ قال ، فيقول : نعم ، فيقول : قد أردت أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي " . ( حديث آخر ) : قال الإمام أحمد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلاً قال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ … } إلى قوله : { ٱلْمُبْطِلُونَ } . " عن أبي مسعود عن جرير قال : مات ابن للضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام ، قال فقال : يا جابر إذا أنت وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عنه عقده ، فإن ابني مجلس ومسئول ، ففعلت به الذي أمر ، فلما فرغت قلت : يرحمك الله عم يسأل … من يسأله إياه ؟ قال : يسأل عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم ، قلت يا أبا القاسم : وما هذا الميثاق الذي أقر به في صلب آدم ؟ قال : حدثني ابن عباس : إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خلقها إلى يوم القيامة ، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وتكفل لهم بالأرزاق ، ثم أعادهم في صلبه ، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأول ، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقرَّ به لم ينفعه الميثاق الأول ، ومن مات صغيراً قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة . ( حديث آخر ) : قال الإمام أحمد عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } الآية ، فقال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها ، فقال : " إن الله خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، قال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، قال : خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون ، فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بأعمال أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال الجنة فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بأعمال أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار " . ( حديث آخر ) : قال الترمذي عند تفسيره هذه الآية عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله آدم مسح ظهره ، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور ، ثم عرضهم على آدم ، فقال أي رب من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك ، فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه ، قال أي رب من هذا ؟ قال : هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود ، قال : رب وكم جعلت عمره ؟ قال ستين سنة ، قال : أي رب قد وهبت له من عمري أربعين سنة ، فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت قال : أو لم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال : أولم تعطها ابنك داود ؟ قال : فجحد آدم ، فجحدت ذريته ، ونسي آدم فنسيت ذريته ، وخطئ آدم فخطئت ذريته " . ( حديث آخر ) : عن هشام بن حكيم رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أتبدأ بالأعمال أم قد قضى القضاء ؟ قال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم ثم أشهدهم على أنفسهم ، ثم أفاض بهم في كفيه ، ثم قال هؤلاء في الجنة ، وهؤلاء في النار ، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة ، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار " . فهذه الأحاديث دالة على أن الله عزَّ وجلَّ استخرج ذرية آدم من صلبه وميز بين أهل الجنة وأهل النار ، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم ، فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وفي حديث عبد الله بن عمرو ، وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم ، ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف : إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد ، كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي ، ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع ، وقد فسر الحسن الآية بذلك ، قالوا ، ولهذا قال : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ } ، ولم يقل من آدم ، { مِن ظُهُورِهِمْ } ولم يقل من ظهره ، { ذُرِّيَّتَهُمْ } أي جعل نسلهم جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن ، كقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } [ الأنعام : 165 ] ، وقال : { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } [ النمل : 62 ] ، وقال : { كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } [ الأنعام : 133 ] ، ثم قال : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } ، أي أوجدهم شاهدين بذلك قائلين له حالاً وقالاً ، والشهادة تارة تكون بالقول ، كقوله : { قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا } [ الأنعام : 130 ] الآية ، وتارة تكون حالاً ، كقوله تعالى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } [ التوبة : 17 ] ، أي حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك ، وكذا قوله تعالى : { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } [ العاديات : 7 ] ، كما أن السؤال تارة يكون بالقال وتارة يكون بالحال ، كقوله : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [ إبراهيم : 34 ] . قالوا : ومما يدل على أن المراد بهذا أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك ، فلو كان قد وقع هذا كما قاله من قال لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه ، فإن قيل : إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم به كاف في وجوده ؟ فالجواب أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره ، وهذا جعل حجة مستقلة عليهم فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد ، ولهذا قال : { أَن تَقُولُواْ } أي لئلا تقولوا يوم القيامة { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا } أي التوحيد { غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا } الآية .