Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 175-177)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هو رجل من بني إسرائيل ، يقال له بلعم بن باعوراء ؛ وقال قتادة عن ابن عباس : هو صيفي بن الراهب ، وقال كعب : كان رجلاً من أهل البلقاء وكان يعلم الاسم الأكبر ، وكان مقيماً ببيت المقدس مع الجبارين ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : هو رجل من أهل اليمن ، يقال له بلعم آتاه الله آياته فتركها ، وقال مالك بن دينار : كان من علماء بني إسرائيل ، وكان مجاب الدعوة يقدمونه في الشدائد ، بعثه نبي الله موسى عليه السلام إلى ملك مدين يدعوه إلى الله فأقطعه وأعطاه ، فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام . وقال سفيان بن عيينة عن ابن عباس : هو بلعم بن باعوراء ، وقال ثقيف : هو أمية بن أبي الصلت ، وقال عبد الله بن عمرو في قوله : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } الآية ، قال : هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت ، وقد روي من غير وجه عنه وهو صحيح إليه ، وكأنه إنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه ، فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة ، ولكنه لم ينتفع بعلمه ، فإنه أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته وظهرت لكل من له بصيرة ، ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه ، وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم ، ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة قبحه الله . وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه ، فإن له أشعاراً ربانية وحكماً وفصاحة ، ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام . والمشهور في سبب نزول هذه الآية الكريمة : إنما هو رجل من المتقدمين في زمن بني إسرائيل ، كما قال ابن مسعود وغيره من السلف ، وكان يعلم اسم الله الأكبر ، وكان مجاب الدعوة ، ولا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : لما نزل موسى بهم يعني بالجبارين ومن معه أتاه - يعني بلعم - بنو عمه وقومه فقالوا : إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة ، وإنه إن يظهر علينا يهكلنا ، فادع الله أن يردَّ عنا موسى ومن معه ، قال : إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياني وآخرتي ، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم فسلخه الله ما كان عليه ، فذلك قوله تعالى : { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } الآية . وقال السدي : لما انقضت الأربعون سنة التي قال الله : { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [ المائدة : 26 ] ، بعث يوشع بن نون نبياً فدعا بني إسرائيل ، فأخبرهم أنه نبي ، وأن الله أمره أن يقاتل الجبارين ، فبايعوه وصدقوه ، وانطلق رجل من بني إسرائيل يقال له : ( بلعام ) فكان عالماً يعلم الاسم الأعظم المكتوم ، فكفر - لعنه الله - وأتى الجبارين ، وقال لهم : لا ترهبوا بني إسرائيل ، فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون ، وقوله تعالى : { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } أي استحوذ عليه وعلى أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه ، ولهذا قال : { فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } أي من الهالكين الحائرين البائرين ، وقد ورد في معنى هذه الآية حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رؤيت بهجته عليه وكان رداؤه الإسلام ، اعتراه إلى ما شاء الله ، انسلخ منه ونبذه وراء ظهره ، وسعى على جاره بالسيف ، ورماه بالشرك " قال : قلت يا نبيّ الله أيها أولى بالشرك المرمي و الرامي ؟ قال : " بل الرامي " " وقوله تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } ، يقول تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } أي لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا بالآيات التي آتيناه إياها ، { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ } أي مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهرتها ، وأقبل على لذاتها ونعيمها ، وغرته كما غرت غيره من غير أولي البصائر والنهى . قال محمد بن إسحاق بن يسار عن سالم عن أبي النضر : أنه حدث أن موسى عليه السلام لما نزل في أرض بني كنعان من أرض الشام أتى قوم بلعام إليه ، فقالوا له هذا موسى بن عمران في بني إسرائيل ، قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل ، وإنا قومك ، وليس لنا منزل ، وأنت رجل مجاب الدعوة ، فأخرج فادع الله عليهم قال : ويلكم نبي الله معه الملائكة والمؤمنون ، كيف أذهب أدعو عليه وأنا أعلم من الله ما أعلم ؟ قالوا : له : ما لنا من منزل ، فلم يزالوا به يرفقونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه ، فافتتن ، فركب حمارة له متوجهاً إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل - وهو جبل حسبان - فلما سار عليها غير كثير ربضت به فنزل عنها فضربها ، حتى إذا أزلقها قامت فركبها ، فلم تسر به كثيراً حتى ربضت به فضربها ، حتى إذا أزلقها أذن لها فكلمته حجة عليه ، فقالت : ويحك يا بلعم أين تذهب ؟ أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا ؟ تذهب إلى نبي الله والمؤمنين لتدعو عليهم ، فلم ينزع عنها ، فضربها ، فخلى الله سبيلها ، حين فعل بها ذلك ، فانطلقت به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان على عسكر موسى وبني إسرائيل جعل يدعو عليهم ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف الله لسانه إلى قومه ، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل ، فقال له قومه : أتدري يا بلعم ما تصنع ؟ إنما تدعو لهم وتدعو علينا ، قال : فهذا ما لا أملك . هذا شيء قد غلب الله عليه ، قال واندلع لسانه فوقع على صدره ، فقال لهم : قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة ، ولم يبق إلا المكر والحيلة ، فسأمكر لكم وأحتال ، جملوا النساء وأعطوهن السلع ، ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها ، فإنهم إن زنى رجل منهم واحد كفيتموهم ، ففعلوا ، فلما دخل النساء العسكر مرت امرأة من الكنعنانيين برجل من عظماء بني إسرائيل وهو زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب ، فلما رآها أعجبته ، فقام فأخذ بيدها ، وأتى بها موسى وقال : إني أظنك ستقول : هذا حرام عليك لا تقربها ، قال : أجل هي حرام عليك ، قال : فوالله لا أطيعك في هذا ، فدخل بها قبتة ، فوقع عليها ، وأرسل الله عزَّ وجلَّ الطاعون في بني إسرائيل ، وكان فنحاص صاحب أمر موسى غائباً حين صنع زمري بن شلوم ما صنع ، فجاء الطاعون يجوس فيهم ، فأخبر الخبر ، فأخذ حربته ثم دخل القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء وجعل يقول : اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ، ورفع الطاعون فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص ، فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفاً ، والمقلل لهم يقول عشرون ألفاً في ساعة من النهار ، ففي بلعام بن باعوراء أنزل الله : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } إلى قوله { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } . وقوله تعالى : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } اختلف المفسرون في معناه ، فعلى سياق ابن إسحاق عن سالم عن أبي النضر أن بلعاماً اندلع لسانه على صدره فتشبيهه بالكلب في لهثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك ظاهر ، وقيل : معناه فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان وعدم الدعاء ، كالكلب في لهيثه في حالتيه إن حملت عليه ، وإن تركته هو يلهث في الحالين ، فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه ، كما قال تعالى : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ] ، { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] . وقيل : معناه أن قلب الكافر والمنافق والضال ضعيف فارغ من الهدى فهو كثير الوجيب فعبر عن هذا بهذا ، وقوله تعالى : { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } ، يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ } أي لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعام ، وما جرى له في إضلال الله إياه وإبعاده من رحمته ، بسبب أنه استعمل نعمة الله عليه في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب ، في غير طاعة ربه ، بل دعا به على حزب الرحمن ، وشعب الإيمان ، أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان ، كليم الله موسى بن عمران عليه السلام ، ولهذا قال : { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أي فيحذروا أن يكونوا مثله ، فإن الله قد أعطاهم علماً وميزهم على من عداهم من الأعراب ، وجعل بأيديهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم يعرفونها كما يعرفون أبناءهم ، فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته وموازرته كما أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به ، ولهذا من خالف منهم ما في كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد ، أحل الله به ذلاً في الدنيا موصولاً بذل الآخرة ، وقوله : { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } يقول تعالى : ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة ، فمن خرج عن حيز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه ، واتبع هواه صار شبيهاً بالكلب وبئس المثل مثله ؛ ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس منا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " وقوله : { وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } أي ما ظلمهم الله ، ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن اتباع الهوى وطاعة المولى ، إلى الركون إلى دار البلى ، والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى .