Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 191-198)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان ، وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة ، لا تملك شيئاً من الأمر ، ولا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها ، بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم ، ولهذا قال : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أي أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك ، كقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } [ الحج : 73 ] أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة ، بل لو سلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت لما استطاعوا إنقاذه منها ، فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر ؟ ولهذا قال تعالى : { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [ النحل : 20 ] أي بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } [ الصافات : 95 ] الآية ، ثم قال تعالى : { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً } أي لعابديهم { وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } يعني ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء ، كما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة كما أخبر تعالى عنه في قوله : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } [ الصافات : 93 ] ، وقال تعالى : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 58 ] ، وكما كان ( معاذ بن عمرو بن الجموح ) و ( معاذ بن جبل ) رضي الله عنهما ، وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل ، ليعتبر قومهما بذلك ، ليرتأوا لأنفسهم ، فكان لعمرو بن الجموح ، وكان سيداً في قومه ، صنم يعبده ويطيبه ، فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ، ويلطخانه بالعذرة ، فيجيء ( عمرو بن الجموح ) فيرى ما صنع به ، فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له : انتصر ، ثم يعودان لمثل ذلك ويعود إلى صنيعه أيضاً ، حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت ، ودلياه في حبل في بئر هناك ، فلما جاء عمرو بن الجموح ، ورأى ذلك نظر ، فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل وقال : @ تالله لو كنت إلهاً مستدن لم تك والكلب جميعاً في قرن @@ ثم أسلم فحسن إسلامه ، وقتل يوم أحد شهيداً رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه . وقوله : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } الآية ، يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها ، وسواء لديها من دعاها ومن دحاها كما قال إبراهيم : { يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } [ مريم : 42 ] ، ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم ، بل الأناس أكمل منها ، لأنها تسمع وتبصر وتبطش ، وتلك لا تفعل شيئاً من ذلك . وقوله تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } الآية ، أي استنصروا بها عليَّ فلا تؤخروني طرفة عين واجهدوا جهدكم ، { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } أي الله حسبي وكافيني وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ ، وهو وليي في الدنيا والآخرة وهو ولي كل صالح بعدي ، وهذا كما قال هود عليه السلام : { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ هود : 56 ] ، وكقول الخليل : { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 75 - 77 ] الآيات ، وكقوله لأبيه وقومه : { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } [ الزخرف : 26 - 27 ] ، وقوله : { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ } إلى آخر الآية ؛ مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذاك بصيغة الغيبة ، ولهذا قال : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } ، وقوله : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ، كقوله تعالى : { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ } [ فاطر : 14 ] الآية ، وقوله : { وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ، إنما قال : { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد ، ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صور مصورة كالإنسان وتراهم ينظرون إليك ، فعبر عنها بضمير من يعقل ، وقال السدي : المراد بهذا المشركون ، والأول أولى ، وهو اختيار ابن جرير .