Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 199-200)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن عباس : { خُذِ ٱلْعَفْوَ } يعني خذ ما عفا لك من أموالهم وما أتوك به من شيء فخذه ، وكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت إليه الصدقات ، وقال الضحاك عن ابن عباس : أنفق الفضل ، وقال عبد الرحمن بن أسلم : أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين ، ثم أمره بالغلظة عليهم ، واختار هذا القول ابن جرير ، وقال غير واحد عن مجاهد في قوله تعالى : { خُذِ ٱلْعَفْوَ } قال : من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس ، وفي " صحيح البخاري " عن عبد الله بن الزبير قال : إنما أنزل { خُذِ ٱلْعَفْوَ } من أخلاق الناس ، وفي رواية عن أبي الزبير : { خُذِ ٱلْعَفْوَ } قال : من أخلاق الناس والله لآخذنه منهم ما صحبتهم وهذا أشهر الأقوال ، ويشهد له ما روي عن أبيّ قال : " لما أنزل الله عزَّ وجلَّ على نبيه صلى الله عليه وسلم { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما هذا يا جبريل " ؟ قال : إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك " وقال الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : " لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته ، فأخذت بيده فقلت : يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال ، فقال : " يا عقبة صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، وأعرض عمن ظلمك " " . وقال البخاري قوله : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } العرف : المعروف . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم ( عيينة بن حصن بن حذيفة ) فنزل على ابن أخيه ( الحر بن قيس ) وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاوراته كهولاً كانوا أو شباناً ، فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير ، فاستأذن لي عليه ، قال سأستأذن لك عليه ، قال ابن عباس : فاستأذن الحر لعيينة ، فأذن له عمر ، فلما دخل عليه قال : هي يا ابن الخطاب ! فوالله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به ، فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقّافاً عند كتاب الله عزَّ وجلَّ . وقال ابن أبي حاتم عن عبد الله بن نافع : أن ( سالم بن عبد الله بن عمر ) مرّ على عير لأهل الشام وفيها جرس فقال : إن هذا منهي عنه ، فقالوا : نحن أعلم بهذا منك ، إنما يكره الجلجل الكبير ، فأما مثل هذا فلا بأس به ، فسكت سالم وقال : { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } ، وقال ابن جرير : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف ، ويدخل في ذلك جميع الطاعات ، وبالإعراض عن الجاهلين ، وذلك وإن كان أمراً لنبيه صلى الله عليه وسلم فإنه تأديب لخلقه باحتمال من ظلمهم واعتدى عليهم ، لا بالإعراض عمن جهل الحق الواجب من حق الله ولا بالصفح عمن كفر بالله وجهل وحدانيته ، وهو للمسليمن حرب . وقال قتادة في الآية : هذه أخلاق أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ودله عليها . وقد أخذ بعض الحكماء هذا المعنى ؛ فسبكه في بيتين فيهما جناس فقال : @ خذ العفو وأمر بعرف كما أمرت وأعرض عن الجاهلين ولن في الكلام لكل الأنام فمستحسن من ذوي الجاه لين @@ وقال بعض العلماء : الناس رجلان : فرجل محسن فخذ ما عفا لك من إحسانه ، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه ، وإما مسيء فمره بالمعروف فإن تمادى على ضلاله واستعصى عليك واستمر في جهله فأعرض عنه فلعل ذلك أن يرد كيده ، كما قال تعالى : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 96 ] ، وقال تعالى : { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [ فصلت : 34 ] ، وقال في هذه السورة الكريمة أيضاً : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، فهذه الآيات الثلاث في الأعراف والمؤمنون وحم السجدة لا رابع لهن ، فإنه تعالى يرشد فيهن إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف بالتي هي أحسن ، فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى ، ولهذا قال : { فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [ فصلت : 34 ] ، ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجان ، فإنه لا يكفه عنك الإحسان ، وإنما يريد هلاكك ودمارك بالكلية ، فإنه عدو مبين لك ولأبيك من قبلك . قال ابن جرير في تفسير قوله : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ } وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدك عن الإعراض عن الجاهل ويحملك على مجازاته { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } يقول : فاستجر بالله من نزغه ، { إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } سميع لجهل الجاهل عليك والاستعاذة به من نزغه ولغير ذلك من كلام خلقه لا يخفى عليه منه شيء ، عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان وغير ذلك من أمور خلقه ، وقد تقدم في أول الاستعاذة حديث " الرجلين اللذين تسابا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب أحدهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " الحديث . وأصل النزغ : الفساد إما بالغضب أو غيره ، قال الله تعالى : { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } [ الإسراء : 53 ] ، والعياذ : الالتجاء والاستناد والاستجارة من الشر ، وأما الملاذ ففي طلب الخير ، كما قال الحسن بن هانئ : @ يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره @@ وقد قدمنا أحاديث الاستعاذة في أول التفسير بما أغنى عن إعادته هٰهنا .