Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 55-56)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أرشد تبارك وتعالى عباده إلى دعائه الذي هو صلاحهم في دنياهم وأخراهم ، فقال : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } ، قيل معناه : تذللاً واستكانة وخيفة ، كقوله : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } [ الأعراف : 205 ] الآية ، وفي " الصحيحين " عن أبي موسى الأشعري قال : رفع الناس أصواتهم بالدعاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إن الذي تدعون سميع قريب " الحديث ، وقال ابن عباس في قوله : تضرعاً وخفية قال السر ، وقال ابن جرير : { تَضَرُّعاً } تذللاً واستكانة لطاعته { وَخُفْيَةً } يقول : بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه ، لا جهاراً مراءاة . وقال الحسن البصري : إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس ، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس ، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوّر وما يشعرون به ، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر ، فيكون علانية أبداً ، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت ، إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله تعالى يقول : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } ، وذلك أن الله ذكر عبداً صالحاً رضي فعله فقال : { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } [ مريم : 3 ] ، وقال ابن جريج : يكره رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء ، ويأمر بالتضرع والاستكانة ، { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } في الدعاء ولا في غيره . وقال الإمام أحمد أن سعداً سمع ابناً له يدعو وهو يقول : اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها واستبرقها ، ونحواً من هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها ، فقال : لقد سألت الله خيراً كثيراً ، وتعوذت به من شر كثير ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء ، وقرأ هذه الآية : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً } الآية - وإن بحسبك أن تقول : اللهم أني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل " ، وسمع عبد الله بن مغفل ابنه يقول : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها ، فقال : يا بني سل الله الجنة وعُذْ به من النار ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور " ، وقوله تعالى : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض ، وما أضره بعد الإصلاح ! فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ، ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد ، فنهى تعالى عن ذلك وأمر بعبادته ودعائه والتضرع إليه والتذلل لديه ، فقال : { وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } أي خوفاً مما عنده من وبيل العقاب وطمعاً فيما عنده من جزيل الثواب ، ثم قال : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي إن رحمته مرصدة للمحسنين الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره ، كما قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [ الأعراف : 156 ] الآية ، وقال : { قَرِيبٌ } ولم يقل : ( قريبة ) لأنه ضمن الرحمة معنى الثواب ، أو لأنها مضافة إلى الله ، فلهذا قال : { قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } . وقال مطر الوراق : استنجزوا موعود الله بطاعته ، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين .