Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 73-78)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال علماء التفسير والنسب : ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح ، أحياء من العرب العاربة قبل إبراهيم الخليل عليه السلام ، وكانت ثمود بعد عاد ، ومساكنهم مشهورة بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله ، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديارهم ومساكنهم وهو ذاهب إلى تبوك في سنة تسع ، قال الإمام أحمد عن ابن عمر قال : " لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك ، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود ، فعجنو منها ، ونصبوا لها القدور ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فأهراقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا ، وقال : " إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم " وقال أحمد أيضاً عن عبد الله بن عمر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر : " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم " قوله تعالى : { وَإِلَىٰ ثَمُودَ } أي ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحاً { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } ، فجميع الرسل يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 25 ] ، وقوله : { قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } ، أي قد جاءتكم حجة من الله على صدق ما جئتكم به ، وكانوا هم الذين سألوا صالحاً أن يأتيهم بآية ، واقترحوا عليه بأن تخرج لهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم ، وهي صخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها الكاتبة ، فطلبوا منه أن يخرج لهم منها ناقة عشراء تمخض ، فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق ، لئن أجابهم الله إلى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه ، فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم ، قام صالح عليه السلام إلى صلاته ودعا الله عزَّ وجلَّ ، فتحركت تلك الصخرة ، ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء ، يتحرك جنينها بين جنبيها ، كما سألوا ، فعند ذلك آمن رئيسهم ( جندع بن عمرو ) ومن كان معه على أمره ، وأقامت الناقة وفصيلها بعدما وضعته بين أظهرهم مدة تشرب من بئرها يوماً ، وتدعه لهم يوماً ، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها ، يحتلبونها ، فيملأون ما شاءوا من أوعيتهم وأوانيهم ، كما قال في الآية الأخرة : { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } [ القمر : 28 ] ، وقال تعالى : { هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الشعراء : 155 ] ، وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ترد من فج وتصدر من غيره ليسعها لأنها كانت تتضلع من الماء ، وكانت على ما ذكر خلقاً هائلاً ومنظراً رائعاً ، إذا مرت بأنعامهم نفرت منها ، فلما طال عليهم ذلك واشتد تكذيبهم لصالح النبي عليه السلام عزموا على قتلها ليستأثروا بالماء كل يوم ، فيقال : إنهم اتفقوا كلهم على قتلها قال قتادة : بلغني أن الذي قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضون بقتلها ، حتى على النساء في خدورهن وعلى الصبيان ، قلت : وهذا هو الظاهر لقوله تعالى : { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } [ الشمس : 14 ] ، وقال : { وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا } [ الإسراء : 59 ] ، وقال : { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ } ، فأسند ذلك على مجموع القبيلة ، فدل على رضى جميعهم بذلك ، والله أعلم . وذكر ابن جرير وغيره من علماء التفسير : أن سبب قتلها أن امرأة منهم يقال لها ( عنيزة ) وتكنى أم عثمان ، كانت عجوزاً كافرة ، وكانت أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام ، وكانت لها بنات حسان ومال جزيل ، وكان زوجها ( ذؤاب بن عمرو ) أحد رؤساء ثمود ، وامرأة أخرى يقال لها ( صدقة ) ذات حسب ومال وجمال ، وكانت تحت رجل مسلم من ثمود ففارقته ، فكانتا تجعلان جعلاً لمن التزم لهما بقتل الناقة فدعت صدقة رجلاً يقال له : الحباب ، فعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة ، فأبى عليها ، فدعت ابن عم لها يقال له : ( مصدع بن المحيا ) فأجابها إلى ذلك ، ودعت عنيزة بنت غنم ( قدار بن سالف ) وكان رجلاً أحمر أزرق قصيراً يزعمون أنه كان ولد زانية ، وقالت له : أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة ، فعند ذلك انطلق ( قدار بن سالف ) و ( مصدع بن المحيا ) فاستغويا غواة من ثمود ، فاتبعهما سبعة نفر ، فصاروا تسعة رهط ، وهم الذين قال فيهم الله تعالى : { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } [ النمل : 48 ] وكانوا رؤساء في قومهم ، فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها ، فطاوعتهم على ذلك ، فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها ( قدار بن سالف ) في أصل صخرة على طريقها ، وكمن لها مصدع في أصل أخرى ، فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ، وخرجت بنت غنم عنيزة ، وأمرت ابنتها - وكانت من أحسن الناس وجهاً - فسفرت عن وجهها لقدار وزمرته ، وشد عليها قدار بالسيف فكشف عن عرقوبها ، فخرت ساقطة إلى الأرض ، ورغت رغاة واحدة تحذر سقبها ، ثم طعن في لبتها فنحرها ، وانطلق سقبها وهو فصيلها حتى أتى جبلاً منيعاً ، فصعد أعلى صخرة فيه ورغا . فلما فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة وبلغ الخبر صالحاً عليه السلام جاءهم وهم مجتمعون ، فلما رأى الناقة بكى وقال : { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } [ هود : 65 ] الآية ، وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء ، فلما أمسى أولئك التسعة الرهط عزموا على قتل صالح ، وقالوا : إن كان صادقاً عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذباً ألحقناه بناقته { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } [ النمل : 49 ] ، فلما عزموا على ذلك وتواطأوا عليه وجاؤوا من الليل ليفتكوا بنبي الله ، فأرسل الله سبحانه وتعالى - وله العزة ولرسوله - عليهم حجارة فرضختهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم ، وأصبح ثمود يوم الخميس - وهو اليوم الأول من أيام النظرة - ووجوههم مصفرة ، كما وعدهم صالح عليه السلام ، وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل - وهو يوم الجمعة - ووجوههم محمرة ، وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع - وهو يوم السبت - ووجوههم مسودة ، فلما أصبحوا من يوم الأحد ، وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه - عياذاً بالله من ذلك - لا يدرون ماذا يفعل بهم ، ولا كيف يأتيهم العذاب ، وأشرقت الشمس ، جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم ، ففاضت الأرواح . وزهقت النفوس في ساعة واحدة . { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } أي صرعى لا أرواح فيهم ، ولم يفلت منهم أحد لا صغير ولا كبير ، لا ذكر ولا أنثى ، ولم يبق من ذرية ثمود أحد سوى صالح عليه السلام ومن تبعه رضي الله عنهم ، إلا أن رجلاً يقال له ( أبو رغال ) كان لما وقعت النقمة بقومه مقيماً إذ ذاك في الحرم فلم يصبه شيء ، فلما خرج في بعض الأيام إلى الحل جاءه حجر من السماء فقتله .