Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 1-9)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك التزمل ، وهو التغطي ، وينهض إلى القيام لربه عزَّ وجلَّ ، كما قال تعالى : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [ الإسراء : 79 ] ، فقال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } ، قال ابن عباس { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } يعني يا أيها النائم ، وقال قتادة : المزمل في ثيابه ، وقال إبراهيم النخعي : نزلت وهو متزمل بقطيفة ، وقوله تعالى : { نِّصْفَهُ } بدل من الليل { أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } أي أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة ، أو نقصان قليل ، لا حرج عليك في ذلك ، وقوله تعالى : { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } أي اقرأه على تمهل ، فإنه يكون عوناً على فهم القرآن وتدبره ، وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه ، قالت عائشة : كان يقرأ السورة فيرتلها ، حتى تكون أطول من أطول منها ، وفي " صحيح البخاري " عن أنَس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كانت مداً ، ثم قرأ : { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } [ الفاتحة : 1 ، النمل : 30 ] يمد بسم الله ويمد الرحمٰن ويمد الرحيم ، " وعن أُمّ سلمة رضي الله عنها أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان يقطع قراءته آية آية : { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } " ، وفي الحديث : " يقال لقارىء القرآن : اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على استحباب الترتيل ، وتحسين الصوت بالقراءة ، كما جاء في الحديث : " زينوا القرآن بأصواتكم " ، و " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " وقال ابن مسعود : لا تنثروه نثر الرمل ، ولا تهذوه هذّ الشعر ، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة ، وقوله تعالى : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } قال الحسن وقتادة : أي العمل به ، وقيل : ثقيل وقت نزوله من عظمته ، كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي ، فكادت ترض فخذي ، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها " أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يأتيك الوحي ؟ فقال : " أحياناً يأتي في مثل صلصلة الجرس ، وهو أشد عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول " قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً " وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : " إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها " . وقوله تعالى : { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } قال عمر : الليل كله ناشئة ، وقال مجاهد : نشأ إذا قام من الليل ، وفي رواية عنه : بعد العشاء ، والغرض أن { نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ } هي ساعاته وأوقاته ، وكل ساعة منه تسمى ناشئة ، والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان ، وأجمع على التلاوة ، ولهذا قال تعالى : { هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } أي أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار ، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش ، ولهذا قال تعالى : { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } ، قال أبو العالية ومجاهد : فراغاً طويلاً ، وقال قتادة : فراغاً وبغية ومتقلباً ، وقال السدي : { سَبْحَاً طَوِيلاً } تطوعاً كثيراً ، وقال عبد الرحمٰن بن زيد { سَبْحَاً طَوِيلاً } قال : لحوائجك فأفرغ لدينك الليل ، وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة ، ثم إن الله تبارك وتعالى منَّ على عباده فخففها ، ووضعها . روى الإمام أحمد ، عن زرارة بن أوفى ، عن سعيد بن هشام قال : قلت : " يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى ، قالت : فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن ، فهممت أن أقوم ، ثم بدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : ألست تقرأ هذه السورة : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } ؟ قلت : بلى ، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم " ، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً ، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة . وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيراً يصلي عليه من الليل ، فتسامع الناس به فاجتمعوا فخرج كالمغضب وكان بهم رحيماً فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل فقال : " يا أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل وخير الأعمال ما ديم عليه " ونزل القرآن : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق ، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل . وقال ابن جرير : لما نزلت { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } [ المزمل : 20 ] قال : فاستراح الناس . وقوله تعالى : { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } أي أكثر من ذكره ، وانقطع إليه ، وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك ، كما قال تعالى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } [ الشرح : 7 ] أي إذا فرغت من أشغالك فانصب في طاعته ، وعبادته لتكون فارغ البال ، { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } أي أخلص له العبادة ، وقال الحسن : اجتهد وابتل إليه نفسك ، وقال ابن جرير : يقال للعابد متبتل ، ومنه الحديث المروي ( نهى عن التبتل ) يعني الانقطاع إلى العبادة وترك التزوج ، وقوله تعالى : { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } أي هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إلٰه إلا هو ، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل فاتخذه وكيلاً ، كما قال تعالى : { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [ هود : 123 ] ، وكقوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] .