Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 13-22)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم ، وما أسبغ عليهم من الفضل العظيم فقال تعالى : { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } تقدم الكلام على ذلك في سورة الصافات ، وأن الأرائك هي السرر تحت الحجال ، وقوله تعالى : { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } أي ليس عندهم حرّ مزعج ، ولا برد مؤلم ، { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا } أي قريبة إليهم أغصانها ، { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } أي متى تعاطاه دنا القطف إليه ، تدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع ، كما قال تعالى : { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } [ الحاقة : 23 ] قال مجاهد : إن قام ارتفعت معه بقدر ، وإن قعد تذلّلت له حتى ينالها ، وإن اضطجع تذلّلت له حتى ينالها فذلك قوله تعالى : { تَذْلِيلاً } ، وقال قتادة : لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد ، وقوله جلَّت عظمته : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ } أي يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام ، وهي من فضة ، وأكواب الشراب وهي التي لا عرى لها ولا خراطيم ، وقوله : { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } فالأول منصوب بخبر كان ، أي كانت قوارير ، والثاني منصوب إما على البدلية أو تمييز ، قال ابن عباس : بياض الفضة في صفاء الزجاج ، والقوارير لا تكون إلاّ من زجاج ، فهذه الأكواب هي من فضة ، وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها ، وهذا مما لا نظير له في الدنيا . قال ابن عباس : ليس في الجنة شيء إلاّ قد أعطيتهم في الدنيا شبهه إلاّ قوارير من فضة ، وقوله تعالى : { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أي على قدر ريّهم لا تزيد عنه ولا تنقص ، بل هي معدة لذلك مقدرة بحسب ري صاحبها ، وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة ، وقال ابن عباس : { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } قدرت للكف ، وقال الضحّاك : على قدر كف الخادم ، وهذا لا ينافي القول الأول ، فإنها مقدرة في القدر والري . وقوله تعالى : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } أي ويسقون - يعني الأبرار أيضاً - في هذه الأكواب { كَأْساً } أي خمراً ، { كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد ، وتارة بالزنجبيل ، وهو حار ليعتدل الأمر ، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة ، وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفاً كما قاله قتادة وغير واحد ، وقد تقدم قوله جلا وعلا : { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [ الإنسان : 6 ] ، وقال هٰهنا : { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } أي الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلاً ، قال عكرمة ، اسم عين في الجنة . وقال مجاهد : سميت بذلك لسلامة مسيلها وحدة جريها ، وقوله تعالى : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } أي يطوف على أهل الجنة ولدان من ولدان الجنة { مُّخَلَّدُونَ } أي على حالة واحدة ، مخلدون عليها لا يتغيرون عنها لا تزيد أعمارهم عن تلك السن ، وقوله تعالى : { إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } أي إذا رأيتهم في صباحة وجوههم ، وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم { حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن ، قال قتادة : ما من أهل الجنة من أحد إلاّ يسعى عليه ألف خادم كل خادم على عمل ما عليه صاحبه ، وقوله جلا وعلا : { وَإِذَا رَأَيْتَ } أي وإذا رأيت يا محمد { ثَمَّ } أي هناك يعني في الجنة ونعيمها ، وسعتها وارتفاعها ، وما فيها من الحبرة والسرور { رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } أي مملكة لله هناك عظيمة ، وسلطاناً باهراً ، وثبت في الصحيح " أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجاً منها ، وآخر أهل الجنة دخولاً إليها : " إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها " " ، وفي الحديث عن ابن عمر مرفوعاً : " إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه " فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة ، فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى ؟ . وقوله جلَّ جلاله : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ } أي لباس أهل الجنة فيها الحرير ( السندس ) وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم ، و ( الاستبرق ) وهو ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر ، كما هو المعهود في اللباس ، { وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } وهذه صفة الأبرار ، وأما المقربون فكما قال تعالى : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [ الحج : 23 ، فاطر : 33 ] ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد ، والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة ، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هنالك عينين فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما ، فأذهب الله ما في بطونهم من أذى ، ثم اغتسلوا من الأُخرى ، فجرت عليهم نضرة النعيم ، فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن ، وقوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } أي يقال لهم ذلك تكريماً لهم وإحساناً إليهم كما قال تعالى : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] ، وكقوله تعالى : { وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 43 ] وقوله تعالى : { وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } أي جزاكم الله تعالى على القليل بالكثير .