Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-1)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال البخاري : الأنفال المغانم ، عن سعيد بن جبير قال ، قلت لابن عباس رضي الله عنهما سورة الأنفال ، قال : نزلت في بدر ، وروي عن ابن عباس أنه قال : الأنفال الغنائم ، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء ؛ قال فيها لبيد : @ إن تقوى ربنا خير نَفَلْ وبإذن الله رَيْثى والعجل @@ وقال ابن جرير عن القاسم بن محمد قال : سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن الأنفال ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما : الفرس من النفل والسلب من النفل ، ثم عاد لمسألته ، فقال ابن عباس أيضاً ، ثم قال الرجل : الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي ؟ قال القاسم : فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه ، فقال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا ؟ … مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب . وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس أنه فسر النفل بما ينفله الإمام لبعض الأشخاص من سلب أو نحوه بعد قسم أصل المغنم ، وهو المتبادر إلى فهم كثير من الفقهاء من لفظ النفل ، والله أعلم . وقال مجاهد : إنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة من الأخماس ، فنزلت : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } ، وقال ابن مسعود : لا نفل يوم الزحف ، إنما النفل قبل التقاء الصفوف ، وقال ابن المبارك عن عطاء بن أبي رباح في الآية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } قال : يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال من دابة أو عبد أو أمة أو متاع ، فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يشاء ، قال ابن جرير وقال آخرون : هي أنفال السرايا ، بلغني في قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } قال : السرايا ، ومعنى هذا ما ينفله الإمام لبعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش ، وقد صرح بذلك الشعبي ، واختار ابن جرير أنها الزيادة على القسم ويشهد بذلك ما ورد في سبب نزول الآية وهو ما روي عن سعد بن أبي وقاص قال : " لما كان يوم بدر قتل أخي ( عمير ) وقتلت ( سعيد بن العاص ) وأخذت سيفه ، وكان يسمى ذا الكتيفة ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اذهب فاطرحه في القبض " ، قال : فرجعت وبي ما لا يعلمه الله من قتل أخي وأخذ سلبي ، قال : فما جاوزت إلا يسيراً ، حتى نزلت سورة الأنفال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهب فخذ سلبك " " . ( سبب آخر في نزول الآية ) وقال الإمام أحمد عن أبي أمامة قال : سألت ( عبادة ) عن الأنفال ، فقال : فينا أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا ، فانتزعه الله من أيدينا ، وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء ، يقول : عن سواء ، وقال الإمام أحمد أيضاً عن عبادة بن الصامت قال : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدراً ، فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدو ، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون ، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل ، وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم : نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب ، وقال الذين خرجوا في طلب العدو : لستم بأحق به منا ، نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم ، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم : خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به ، فنزلت { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين " ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع ، فإذا أقبل راجعاً نفل الثلث ، وكان يكره الأنفال . وروى أبو داود والنسائي وابن مردويه واللفظ له ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : " لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا " فتسارع في ذلك شبان القوم وبقي الشيوخ تحت الرايات ، فلما كانت المغانم جاءوا يطلبون الذي جعل لهم ، فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءاً لكم لو انكشفتم لفئتم إلينا ؛ فتنازعوا " ، فأنزل الله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ … } إلى قوله { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ، وقال الإمام القاسم بن سلام رحمه الله في كتاب ( الأموال الشرعية ) : أما الأنفال فهي المغانم ، وكل نيل ناله المسلمون من أموال أهل الحرب ، فكانت الأنفال الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ } فقسمها يوم بدر على ما أراه الله من غير أن يخمسها ، ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس فنسخت الأولى ، قلت : هكذا روي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي ، وقال ابن زيد : ليست منسوخة بل هي محكمة ، والأنفال أصلها جماع الغنائم إلا أن الخمس منها مخصوص لأهله على ما نزل به الكتاب وجرت به السنّة . ومعنى الأنفال في كلام العرب : كل إحسان فعله فاعل تفضلاً من غير أن يجب ذلك عليه ، فذلك النفل الذي أحله الله للمؤمنين من أموال عدوهم ، وإنما هو شيء خصهم الله به تفضلاً منه عليهم ، بعد أن كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلهم ، فنفلها الله تعالى هذه الأمة فهذا أصل النفل . وشاهد هذا ما في " الصحيحين " " وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي " وذكر تمام الحديث . وقوله تعالى : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } أي اتقوا الله في أموركم وأصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا ، فما آتاكم الله من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه ، { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي في قسمه بينكم على ما أراده الله ، فإنه إنما يقسمه كما أمره الله من العدل والإنصاف ، وقال ابن عباس : هذا تحريج من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم ، وقال السدي { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } أي لا تستبوا ، ولنذكر هٰهنا حديثاً أورده الحافظ أبو يعلى الموصلي رحمه الله في " مسنده " عن أنس رضي الله عنه قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه ، فقال عمر : ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ؟ فقال : " رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك وتعالى ، فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي ، قال الله تعالى : أعط أخاك مظلمته ، قال : يا رب لم يبق من حسناتي شيء ، قال : رب فليحمل عني من أوزاري " ، قال : ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ، ثم قال : " إن ذلك ليوم عظيم ، يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم من أوزارهم ، فقال الله تعالى للطالب : ارفع بصرك وانظر في الجنان فرفع رأسه فقال : يا رب أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ ، لأي نبي هذا ؟ لأي صديق هذا ؟ لأي شهيد هذا ؟ قال : هذا لمن أعطى ثمنه ؟ قال : رب ومن يملك ثمنه ؟ قال : أنت تملكه ، قال : ماذا يا رب ؟ قال تعفو عن أخيك ، قال : يا رب فإني قد عفوت عنه . قال الله تعالى : خذ بيد أخيك فادخلا الجنة " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } ، فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة " .