Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 2-4)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال مجاهد : { وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } فرقت أي فزعت وخافت ، وهذه صفة المؤمن حق المؤمن الذي إذا ذكر الله وجل قلبه أي أخاف منه ، ففعل أوامره ، وترك زواجره ، كقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } [ آل عمران : 135 ] الآية ، وكقوله تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النازعات : 40 - 41 ] ولهذا قال سفيان الثوري ، سمعت السدي يقول في قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } قال : هو الرجل يريد أن يظلم ، أو قال يهم بمعصية ، فيقال له : اتق الله فيجل قلبه ؛ وعن أم الدرداء في قوله : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } قالت : الوجل في القلب كاحتراق السَّعْفة . أما تجد له قشعريرة ؟ قال : بلى ، قالت : إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك فإن الدعاء يذهب ذلك ، وقوله : { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً } ، كقوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ التوبة : 124 ] ، وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب ، كما هو مذهب جمهور الأمة ، بل قد حكى الإجماع عليه غير واحد من الأئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد كما بينا ذلك مستقصى في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة . { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي لا يرجون سواه ، ولا يقصدون إلا إياه ، ولا يلوذون إلا بجنابه ، ولا يطلبون الحوائج إلا منه ، ولا يرغبون إلا إليه ، ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له ، ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ، ولهذا قال سعيد بن جبير : التوكل على الله جماع الإيمان ، وقوله : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } ، ينبه تعالى بذلك على أعمالهم بعدما ذكر اعتقادهم ، وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلها ، وهو إقامة الصلاة وهو حق الله تعالى ، وقال قتادة : إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها ، وقال مقاتل : إقامتها المحافظة على مواقيتها ، وإسباغ الطهور فيها ، وتمام ركوعها وسجودها ، وتلاوة القرآن فيها ، والتشهد ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا إقامتها ، والإنفاق مما رزقهم الله يشمل إخراج الزكاة وسائر الحقوق للعباد من واجب ومستحب ، والخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه . قال قتادة في قوله : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } فأنفقوا مما رزقكم الله ، فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها . وقوله تعالى : { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } أي المتصفون بهذه الصفات هم المؤمنون حق الإيمان ، " عن الحارث بن مالك الأنصاري : أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : " كيف أصبحت يا حارث " ؟ قال : أصبحت مؤمناً حقاً ، قال : " انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك " ؟ فقال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي ، وأظمأتُ نهاري ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها ، فقال : " يا حارث عرفت فالزم " ثلاثاً " وقال عمرو بن مروة في قوله تعالى : { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } إنما أنزل القرآن بلسان العرب كقولك : فلان سيد حقاً ، وفي القوم سادة ؛ وفلان تاجر حقاً وفي القوم تجار ؛ وفلان شاعر حقاً وفي القوم شعراء . وقوله : { لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ } أي منازل ومقامات ودرجات في الجنات ، كما قال تعالى : { هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } [ آل عمران : 163 ] ، { وَمَغْفِرَةٌ } أي يغفر لهم السيئات ويشكر لهم الحسنات ، وقال الضحاك : أهل الجنة بعضهم فوق بعض ، فيرى الذي هو فوق فضله عن الذي هو أسفل منه ، ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضّل عليه أحد ، ولهذا جاء في " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " إن أهل عليين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغائر في أفق من آفاق السماء " قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا ينالها غيرهم ؟ فقال : " بلى ، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " ، وفي الحديث الآخر : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العلى كما تراءون الكوكب الغائر في أفق السماء ؛ وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما " .