Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 42-42)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن يوم الفرقان : { إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا } أي إذ أنتم نزول بعدوة الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة { وَهُم } أي المشركون نزول { بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } أي البعيدة من المدينة إلى ناحية مكة { وَٱلرَّكْبُ } أي العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من التجارة ، { أَسْفَلَ مِنكُمْ } أي مما يلي سيف البحر { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ } أي أنتم والمشركون إلى مكان { لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ } ، قال محمد بن إسحاق في هذه الآية : ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما لقيتموهم { وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } أي ليقضي الله ما أراد بقدرته من اعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وأهله من غير ملأ منكم ، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، وقال ابن جرير : أقبل أبو سفيان في الركب من الشام ، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فالتقوا ببدر ، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء ولا هؤلاء بهؤلاء ، حتى التقى السقاة ونهد الناس بعضهم لبعض ، وقال محمد بن إسحاق وبعث أبو سفيان إلى قريش فقال : إن الله قد نجى عيركم وأموالكم ورجالكم فارجعوا ، فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نأتي بدراً - وكانت بدر سوقاً من أسواق العرب - فنقيم بها ثلاثاً فنطعم بها الطعام وننحر بها الجزر ، ونسقي بها الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا ، فلا يزالون يهابوننا ، بعدها أبداً . وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال : " هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها " قال محمد بن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما التقى الناس يوم بدر : يا رسول الله ألا نبني لك عريشاً تكون فيه وننيخ إليك ركائبك ، ونلقى عدونا ؟ فإن أظفرنا الله عليهم وأعزنا فذاك ما نحب ، وإن تكن الأخرى فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا ، فقد والله تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حباً منهم ، لو علموا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك ويوازرونك وينصرونك ، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ، ودعا له ، فبني له عريش فكان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ما معهما غيرهما ، قال ابن إسحاق : وارتحلت قريش حين أصبحت ، فلما أقبلت ورآها رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : " اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم أحنهم الغداة " وقوله : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآية والعبرة ، ويؤمن من آمن على مثل ذلك ، يقول تعالى : إنما جمعكم مع عدوكم في مكان واحد على غير ميعاد لينصركم عليهم ، ويرفع كلمة الحق على الباطل ، ليصير الأمر ظاهراً ، والحجة قاطعة والبراهين ساطعة ، ولا يبقى لأحد حجة ولا شبهة ، فحينئذ يهلك من هلك ، أي يستمر في الكفر من استمر فيه على بصيرة من أمره أنه مبطل لقيام الحجة عليه { وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ } أي يؤمن من آمن { عَن بَيِّنَةٍ } أي حجة وبصيرة ، والإيمان هو حياة القلوب ، قال الله تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [ الأنعام : 122 ] ، وقالت عائشة في قصة الإفك : فهلك فيّ من هلك ، أي قال فيها ما قال من البهتان والإفك ، وقوله : { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ } أي لدعائكم وتضرعكم واستغاثتكم به { عَلِيمٌ } أي بكم وأنكم تستحقون النصر على أعدائكم الكفرة المعاندين .