Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 41-41)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصاً لهذه الآمة الشريفة من بين سائر الأمم المتقدمة إحلال الغنائم ، والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب ، والفيء ما أخذ منهم بغير ذلك ، كالأموال التي يصالحون عليها أو يتوفون عنها ولا وارث لهم ، والجزية والخراج ونحو ذلك ؛ هذا مذهب الإمام الشافعي ، ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة والعكس أيضاً ، { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط ، قال الله تعالى : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 161 ] الآية ، وقوله : { فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } اختلف المفسرون هٰهنا ، فقال بعضهم لله نصيب من الخمس يجعل في الكعبة . وقال آخرون : ذكر الله هٰهنا استفتاح كلام للتبرك ، وسهم لرسوله صلى الله عليه وسلم . قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمَّس الغنيمة ، فضرب ذلك الخمس في خمسة ، ثم قرأ : { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } ، فأن لله خمسة : مفتاح كلام : { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ آل عمران : 109 ] ، فجعل سهم الله وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم واحداً ، ويؤيد هذا ما رواه الحافظ البيهقي بإسناد صحيح عن عبد الله بن شقيق عن رجل قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى ، وهو يعرض فرساً ، فقلت : يا رسول الله ما تقول في الغنيمة ؟ فقال : " لله خمسها وأربعة أخماسها للجيش " قلت فما أحد أولى به من أحد ؟ قال : " لا ولا السهم تستخرجه من جيبك ليس أنت أحق به من أخيك المسلم " " . وقال ابن جرير عن الحسن قال : أوصى الحسن بالخمس من ماله ، وقال : ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه ؛ وعن عطاء قال : خمس الله والرسول واحد يحمل منه ويصنع فيه ما شاء ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا أعم وأشمل ، وهو أنه صلى الله عليه وسلم يتصرف في الخمس الذي جعله الله له بما شاء ويرده في أمته كيف شاء . ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد عن المقدام بن معد يكرب الكندي : أنه جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء والحارث ابن معاوية الكندي رضي الله عنهم ، فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو الدرداء لعبادة : " يا عبادة كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس ، فقال عبادة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المغنم ، فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال : " إن هذه من غنائمكم ، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم الخمس ، والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخيط والمخيط ، وأكبر من ذلك وأصغر ، ولا تغلوا ، فإن الغلول عار ونار على أصحابه في الدنيا والآخرة ، وجاهدوا الناس في الله القريب والبعيد ، ولا تبالوا في الله لومة لائم ، وأقيموا حدود الله في السفر والحضر ، وجاهدوا في الله ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم ينجي الله به من الهم والغم " وعن عمرو بن عنبسة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم إلى بعير من المغنم ، فلما سلم أخذ وبرة من هذا البعير ثم قال : " ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم " وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم شيء يصطفيه لنفسه عبد أو أمة أو فرس أو سيف أو نحو ذلك ، كما نص عليه محمد بن سيرين وعامر الشعبي ، وتبعهما على ذلك أكثر العلماء . وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر ، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أُحد ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت صفية من الصفي ، وعن يزيد بن عبد الله قال : كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم فقرأناها فإذا فيها : " من محمد رسول الله إلى بني زهير بن أقيش ، إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأديتم الخمس من المغنم ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم الصفي ، أنتم آمنون بأمان الله ورسوله " ، فقلنا : من كتب لك هذا ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم . فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرير هذا وثبوته ؛ ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات الله وسلامه عليه ، وقال آخرون : إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين كما يتصرف في مال الفيء . وقال شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية رحمه الله : وهذا قول مالك وأكثر السلف وهو أصح الأقوال ، فإذا ثبت هذا وعلم فقد اختلف أيضاً في الذي كان يناله عليه السلام من الخمس ماذا يصنع به من بعده ؟ فقال قائلون : يكون لمن يلي الأمر من بعده ، وقال آخرون : يصرف في مصالح المسلمين ؛ وقال آخرون : بل هو مردود على بقية الأصناف ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، اختاره ابن جرير . وقال آخرون : بل سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى مردودان على اليتامى والمساكين وابن السبيل ، قال ابن جرير : وذلك قول جماعة من أهل العراق ، وقيل : إن الخمس جميعه لذوي القربى ، ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قائلون : سهم النبي صلى الله عليه وسلم يُسلّم للخليفة من بعده ، وقال آخرون : لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال آخرون : سهم القرابة لقرابة الخليفة ، واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله ، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . قال الأعمش عن إبراهيم : كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح ، فقلت لإبراهيم : ما كان عليٌّ يقول فيه ؟ قال : كان أشدهم فيه ، وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء رحمهم الله ، وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى ( بني هاشم ) و ( بني المطلب ) لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي أول الإسلام ، ودخلوا معهم في الشعب غضباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية له ، مسلمهم طاعة لله ولرسوله ، وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل ، وإن كانوا بني عمهم فلم يوافقوهم على ذلك ، بل حاربوهم ونابذوهم ، ومالأوا بطون قريش على حرب الرسول . وقال جبير بن مطعم : " مشيت أنا وعثمان بن عفان ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال : " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد " وفي بعض روايات هذه الحديث : " إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام " ؛ وهذا قول جمهور العلماء أنهم بنو هاشم وبنو المطلب . قال ابن جرير : وقال آخرون : هم بنو هاشم ، ثم روى عن مجاهد قال : علم الله أن في بني هاشم فقراء ، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة ، وفي رواية عنه قال : هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة ؛ عن ابن عباس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رغبت لكم عن غسالة الأيدي ، لأن لكم من خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم " ، وقوله : { وَٱلْيَتَامَىٰ } أي أيتام المسلمين ، واختلف العلماء هل يختص بالأيتام الفقراء أو يعم الأغنياء والفقراء ؟ على قولين ، والمساكين هم المحاويج الذين لا يجدون ما يسد خلتهم ومسكنتهم { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } هو المسافر أو المريد للسفر إلى مسافة تقصر فيها الصلاة وليس له ما ينفقه في سفره ذلك ، وسيأتي تفسير ذلك في آية الصدقات من سورة براءة إن شاء الله تعالى . وقوله تعالى : { إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } أي امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس في الغنائم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وما أنزل على رسوله ، ولهذا جاء في " الصحيحين " من حديث عبد الله بن عباس في وفد عبد القيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : " وآمركم بأربع وأنهاكم عن أربع : آمركم بالإيمان بالله ، ثم قال : هل تدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأن تؤدوا الخمس من المغنم " الحديث فجعل أداء الخمس من جملة الإيمان ، وقوله : { يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } ينبه تعالى على نعمته وإحسانه إلى خلقه بما فرق بين الحق والباطل ببدر ، ويسمى الفرقان ، لأن الله أعلى فيه كلمة الإيمان على كلمة الباطل ، وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه ، قال ابن عباس : يوم الفرقان يوم بدر ، فرق الله فيه بين الحق والباطل . وقال عروة بن الزبير : { يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } يوم فرق الله بين الحق والباطل ، وهو يوم بدر ، وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رأس المشركين ( عتبة بن ربيعة ) فالتقوا يوم الجمعان لتسع عشرة أو سبع عشرة مضت من رمضان وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً ، والمشركون ما بين الألف والتسعمائة ، فهزم الله المشركين ، وقتل منهم زيادة على السبعين وأسر منهم مثل ذلك ، وكانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من رمضان . روى ابن مردويه عن علي قال : كانت ليلة الفرقان ليلة التقى الجمعان في صبحيتها ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان ، وهو الصحيح عند أهل المغازي والسير .