Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-63)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم عهدهم على سواء ، فإن استمروا على حربك ومنابذتك فقاتلهم { وَإِن جَنَحُواْ } أي مالوا { لِلسَّلْمِ } أي المسالمة والمصالحة والمهادنة { فَٱجْنَحْ لَهَا } أي فمل إليها ، واقبل منهم ذلك ، ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ، أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الآخر . قال ابن عباس ومجاهد : إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِر } [ التوبة : 29 ] الآية ، وفيه نظر ، لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك ، فأما إن كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم ، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص والله أعلم . وقوله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي صالحهم وتوكل على الله ، فإن الله كافيك وناصرك ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا { فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ } أي كافيك وحده ، ثم ذكر نعمته عليه بما أيده من المؤمنين المهاجرين والأنصار ، فقال : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي جمعها على الإيمان بك وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك ، { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي لما كان بينهم من العداوة والبغضاء ، فإن الأنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية بين الأوس والخزرج ، حتى قطع الله ذلك بنور الإيمان ، كما قال تعالى : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [ آل عمران : 103 ] . وفي " الصحيحين " " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الأنصار في شأن غنائم حنين قال لهم : " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي ، وعالة فأغناكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي " كلما قال شيئاً قالوا : الله ورسوله أمنّ " ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي عزيز الجناب فلا يخيب رجاء من توكل عليه { حَكِيمٌ } في أفعاله وأحكامه ، عن ابن عباس قال : إن الرحم لتقطع ، وإن النعمة لتكفر ، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء ، ثم قرأ : { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } ، وعن مجاهد قال : إذا التقى المتحابان في الله فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه ، تحاتت خطاياهما كما تحات ورق الشجر ، قال عبدة : فقلت له : إن هذا ليسير فقال : لا تقل ذلك ، فإن الله يقول : { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } قال عبدة : فعرفت أنه أفقه مني . عن سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما تحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف ، وإلا غفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحار " .