Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 9-10)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيف ، ونظر إلى المشركين ، فإذا هم ألف وزيادة ، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة وعليه رداؤه وإزاره ، ثم قال : " اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً " قال : فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّاه ثم التزمه من ورائه ثم قال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } ، فلما كان يؤمئذ التقوا فهزم الله المشركين ، فقتل منهم سبعون رجلاً ، وأسر منهم سبعون رجلاً ، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً فقال أبو بكر : يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار ، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ترى يا ابن الخطاب " ؟ قلت : والله ما أرى ما رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه ، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان - أخيه - فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم ، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت ، وأخذ منهم الفداء ، فلما كان من الغد قال عمر : فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان ، فقلت : يا رسول الله ما يبكيك أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة " لشجرة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله عزَّ وجلَّ : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 67 ] إلى قوله { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً } [ الأنفال : 69 ] ، فأحل لهم الغنائم ، فلما كان يوم أُحُد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ، فقتل منهم سبعون ، وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، فأنزل الله : { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران : 165 ] بأخذكم الفداء . قال البخاري في كتاب " المغازي " باب قول الله تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } الآية ، عن طارق بن شهاب قال : سمعت ابن مسعود يقول : شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إليَّ مما عدل به ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال : لا نقول كما قال قوم موسى { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ } [ المائدة : 24 ] ، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره ، يعني قوله ، وعن ابن عباس قال ، " قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر : " اللهم أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تعبد " فأخذ أبو بكر بيده فقال : حسبك ، فخرج وهو يقول : " سيهزم الجمع ويولون الدبر " وقوله تعالى : { بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } أي يردف بعضهم بعضاً ، كما قال ابن عباس { مُرْدِفِينَ } : متتابعين ، ويحتمل أن المراد { مُرْدِفِينَ } لكم أي نجدة لكم ، كما قال العوفي عن ابن عباس { مُرْدِفِينَ } يقول : المدد ، كما تقول أنت للرجل زده كذا وكذا . وفي رواية { مُرْدِفِينَ } قال : بعضهم على أثر بعض ، وقال ابن جرير : نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر ، ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة عن مسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يقتضي - إن صح إسناده - أن الألف مردفة بمثلها ، ولهذا قرأ بعضهم : { مُرْدِفِينَ } بفتح الدال والله أعلم ، والمشهور ما روي عن ابن عباس قال : وأمد الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة ، فكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة ، ومكائيل في خمسمائة مجنبة ، وروي عن ابن عباس قال : " بينا رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه ، وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم ، إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً ، قال : فنظر إليه ، فإذا هو قد حطم وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع ، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صدقت ، ذلك من مدد السماء الثالثة ، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين . وفي " البخاري " قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : " من أفضل المسلمين " أو كلمة نحوها قال : وكذلك من شهد بدراً من الملائكة ، " وفي الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر لما شاوره في قتل ( حاطب بن أبي بلتعة ) " إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " ؟ " ، وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ } الآية ، أي وما جعل الله بعث الملائكة إلا بشرى { وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ } ، وإلا فهو تعالى قادر على نصركم على أعدائكم { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي بدون ذلك ، ولهذا قال : { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } كما قال تعالى : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } [ محمد : 4 ] ، وقال تعالى : { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [ آل عمران : 140 ] ، فهذه حكم شرع الله جهاد الكفار بأيدي المؤمنين لأجلها ، وقد كان تعالى إنما يعاقب الأمم السالفة المكذبة للأنبياء بالقوارع التي تعم تلك الأمم المكذبة ، كما أهلك قوم نوح بالطوفان ، وعادا الأولى بالدبور ، وثمود بالصيحة ، وقوم لوط بالخسف والقلب وحجارة السجيل ، وقوم شعيب بيوم الظلة ، فلما بعث الله تعالى موسى وأهلك عدوه وأنزل على موسى التوراة شرع فيها قتال الكفار واستمر الحكم في بقية الشرائع بعده على ذلك ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ } [ القصص : 43 ] ، وقتل المؤمنين للكافرين أشد إهانة للكافرين ، وأشفى لصدور المؤمنين ، كما قال تعالى للمؤمنين : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة : 14 ] ، ولهذا كان قتل صناديد قريش بأيدي أعدائهم ، أنكى لهم وأشفى لصدور حزب الإيمان ، وقتل أبي جهل في معركة القتال أشد إهانة له من موته على فراشه بقارعة أو صاعقة أو نحو ذلك ، ولهذا قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } أي له العزة ولرسوله وللمؤمنين بهما في الدنيا والآخرة ، { حَكِيمٌ } فيما شرعه من قتال الكفار مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته سبحانه وتعالى .