Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 5-8)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الطبري : اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف في قوله : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ } فقال بعضهم شبه به في الصلاح للمؤمنين ؛ والمعنى : أن الله تعالى يقول : كما أنكم لما اختلفتم في المغانم وتشاححتم فيها ، فانتزعها الله منكم ، فكان هذه هو المصلحة التامة لكم ، كذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء وهم النفير الذين خرجوا لإحراز عيرهم ، فكان عاقبة كراهتكم للقتال بأن قدره لكم على غير ميعاد رشداً وهدى ، ونصراً وفتحاً ، كما قال تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 216 ] ، وقال آخرون : معنى ذلك { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ } على كره من فريق من المؤمنين ، كذلك هم كارهون للقتال ، فهم يجادلونك فيه بعدما تبين لهم ، قال مجاهد : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ } كذلك يجادلونك في الحق . وقال بعضهم : يسألونك عن الأنفال مجادلة كما جادلوك يوم بدر ، فقالوا : أخرجتنا للعير ولم تعلمنا قتالاً فنستعد له . قلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج من المدينة طالباً لعير أبي سفيان التي بلغه خبرها أنها صادرة من الشام فيها أموال جزيلة لقريش ، فاستنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين ، فخرج في ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً وجمع الله بين المسلمين والكافرين على غير ميعاد ، لما يريد الله تعالى من إعلاء كلمة المسلمين ونصرهم على عدوهم والتفرقة بين الحق والباطل ، والغرض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه خروج النفير أوحى الله إليه ، يعده إحدى الطائفتين إما العير وإما النفير ، ورغب كثير من المسلمين إلى العير ، لأنه كسب بلا قتال ، كما قال تعالى : { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } . روى ابن أبي حاتم قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ، حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال : " كيف ترون " ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله بلغنا أنهم بمكان كذا وكذا ، قال : ثم خطب الناس فقال : " كيف ترون " ؟ فقال عمر : مثل قول أبي بكر ، ثم خطب الناس فقال : " كيف ترون " ؟ فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله إيانا تريد ؟ فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ، ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ، ولا نكون كالذين قالوا لموسى : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، ولعلك أن تكون خرجت لأمر ، وأحدث الله إليك غيره ، فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له ، فصل حبال من شئت ، واقطع حبال من شئت ، وعاد من شئت ، وسالم من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، فنزل القرآن على قول سعد : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } " الآيات ، وقال ابن عباس : لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء العدو ، وقال له سعد بن عبادة ما قال ، وذلك يوم بدر أمر الناس أن يتهيأوا للقتال وأمرهم بالشوكة ، فكره ذلك أهل الإيمان ، فأنزل الله : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } ، وقال مجاهد : يجادلونك في الحق : في القتال للقاء المشركين . عن عكرمة عن ابن عباس قال ، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر : عليك بالعير ليس دونها شيء ، فناداه العباس بن عبد المطلب وهو أسير في وثاقه : إنه لا يصلح لك ، قال : ولم ؟ قال : لأن الله عزَّ وجلَّ إنما وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك الله ما وعدك . ومعنى قوله تعالى : { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } أي يحبون أن الطائفة التي لا منعة ولا قتال تكون لهم وهي العير ، { وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } أي هو يريد أن يجمع بينكم وبين الطائفة التي لها الشوكة والقتال ليظفركم بهم وينصركم عليهم ، ويظهر دينه ، ويرفع كلمة الإسلام ، ويجعله غالباً على الأديان ، وهو أعلم بعواقب الأمور ، وهو الذي يدبركم بحسن تدبيره ، وإن كان العباد يحبون خلاف ذلك فيما يظهر لهم . وقال محمد بن إسحاق رحمه الله : " لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم ، وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها ، فانتدب الناس فخف بعضهم ، وثقل بعضهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً ، وكان أبو سفيان قد استنفر حين دنا من الحجاز ، يتجسس الأخبار ، ويسأل من لقي من الركبان تخوفاً على أمر الناس حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك ، فاستأجر ( ضمضم بن عمرو الغفاري ) فبعثه إلى أهل مكة وأمره أن يأتي قريشاً ، فيستنفرهم إلى أموالهم ، ويخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه ، فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى بلغ وادياً يقال له ذفران ، فخرج منه ، حتى إذا كان ببعضه نزل ، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم ، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، وأخبرهم عن قريش ، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن ، ثم قام عمر رضي الله عنه ، فقال فأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امض لما أمرك الله به فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ، ودعا له بخير ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشيروا علي أيها الناس " وإنما يريد الأنصار ، وذلك أنهم كانوا عدد الناس ، وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله ، إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا ، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ، ونساءنا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم ، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، قال له سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : " أجل " ، فقال : قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أمرك الله ، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما يتخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا الصبر لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ، ونشطه ذلك ، ثم قال : " سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم " ، وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا ، وكذلك قال السدي وقتادة وعبد الرحمٰن بن أسلم وغير واحد من علماء السلف والخلف ، اختصرنا أقوالهم اكتفاء بسياق محمد بن إسحاق .