Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 81, Ayat: 15-29)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } قال علي : هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل . وروى ابن جرير عن خالد بن عرعرة سمعت علياً ، وسئل عن { لاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } فقال : هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل ، وكذا روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن : أنها النجوم ، وقال بعض الأئمة : إنما قيل للنجوم الخنس ، أي في حال طلوعها ، ثم هي جوار في فلكها ، وفي حال غيبوبتها يقال لها كنّس ، من قول العرب : أوى الظبي إلى كناسه ، إذا تغيب فيه ، وروى الأعمش عن عبد الله { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } قال : بقر الوحش ، وقال ابن عباس { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } البقر تكنس إلى الظل ، وقال العوفي عن ابن عباس : هي الظباء ، وقال أبو الشعثاء : هي الظباء والبقر ، وتوقف ابن جرير في المراد بقوله : { ٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } هل هو النجوم أو الظباء وبقر الوحش ؟ قال : ويحتمل أن يكون الجميع مراداً ، وقوله تعالى : { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } فيه قولان ( أحدهما ) : إقباله بظلامه ، قال مجاهد : أظلم : وقال سعيد بن جبير : إذا نشأ ، وقال الحسن البصري : إذا غشي الناس ، ( والثاني ) : إدباره ، قال ابن عباس : { إِذَا عَسْعَسَ } إذا أدبر ، وكذا قال مجاهد وقتادة والضحّاك ( إذا عسعس ) أي إذا ذهب فتولى ، وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله : { إِذَا عَسْعَسَ } إذا أدبر ، قال : لقوله تعالى : { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } أي أضاء ، واستشهد بقول الشاعر أيضاً : @ حتى إذا الصبح له تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا @@ أي أدبر ، وعندي أن المراد بقوله : { إِذَا عَسْعَسَ } إذا أقبل ، وإن كان يصح استعماله في الإدبار أيضاً ، لكن الإقبال هٰهنا أنسب ، كأنه أقسم بالليل وظلامه إذا أقبل ، وبالفجر وضيائه إذا أشرق ، كما قال تعالى : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [ الليل : 1 - 2 ] ، وقال تعالى : { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [ الضحى : 1 - 2 ] ، وقال تعالى : { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً } [ الأنعام : 96 ] وغير ذلك من الآيات ، وقوله تعالى : { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } قال الضحّاك : إذا طلع ، وقال قتادة : إذا أضاء وأقبل ، وقال سعيد بن جبير : إذا نشأ ، وقال ابن جرير : يعني ضوء النهار إذا أقبل وتبيّن . وقوله تعالى : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } يعني إن هذا القرآن لتبليغ رسول كريم ، أي ملك شريف حسن الخلق بهي المنظر ، وهو ( جبريل ) عليه الصلاة والسلام ، { ذِي قُوَّةٍ } كقوله تعالى : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ } [ النجم : 5 - 6 ] أي شديد الخلق شديد البطش والفعل ، { عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } أي له مكانة عند الله عزَّ وجلَّ ومنزلة رفيعة ، { مُّطَاعٍ ثَمَّ } أي له وجاهة وهو مسموع القول مطاع في الملأ الأعلى ، قال قتادة : { مُّطَاعٍ ثَمَّ } أي في السماوات ، يعني ليس هو من أفناد الملائكة ، بل هو من السادة والأشراف ، معتنى به انتخب لهذه الرسالة العظيمة ، وقوله تعالى : { أَمِينٍ } صفة لجبريل بالأمانة ، وهذا عظيم جداً ، أن الرب عزَّ وجلَّ يزكي عبده ورسوله الملكي جبريل كما زكى عبده ورسوله البشري محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } قال الشعبي وميمون : المراد بقوله { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقوله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } يعني ولقد رأى محمد ( جبريل ) ، الذي يأتيه بالرسالة عن الله عزَّ وجلَّ ، على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح ، { بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } أي البين ، وهي الرؤية الأولى كانت بالبطحاء ، وهي المذكورة في قوله : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } [ النجم : 5 - 7 ] ، والظاهر أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الإسراء ، لأنه لم يذكر فيها إلاّ هذه الرؤية وهي الأولى ، وأما الثانية وهي المذكورة في قوله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } [ النجم : 13 - 16 ] فتلك إنما ذكرت في سورة النجم ، وقد نزلت بعد سورة الإسراء . وقوله تعالى : { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي بمتهم ، ومنهم من قرأ ذلك بالضاد ، أي ببخيل ، بل يبذله لكل أحد . قال سفيان بن عيينة : ( ظنين ) و ( ضنين ) سواء ، أي ما هو بفاجر ، و ( الظنين ) المتهم ، و ( الضنين ) البخيل ، وقال قتادة : كان القرآن غيباً فأنزله الله على محمد ، فما ضنّ به على الناس بل نشره وبلغه وبذله لكل من أراده ، واختار ابن جرير قراءة الضاد . ( قلت ) : وكلاهما متواتر ومعناه صحيح كما تقدَّم ، وقوله تعالى : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } أي وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم ، أي لا يقدر على حمله ولا يريده ولا ينبغي له ، كما قال تعالى : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [ الشعراء : 210 - 212 ] . وقوله تعالى : { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } ؟ فأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن ، مع ظهوره ووضوحه وبيان كونه حقاً من عند الله عزَّ وجلَّ ! كما قال الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين ، وأمرهم فتلوا عليه شيئاً من قرآن مسيلمة الكذّاب الذي هو في غاية الهذيان والركاكة فقال : ويحكم أين تذهب عقولكم ؟ والله إن هذا الكلام لم يخرج من إل " أي من إلٰه ، وقال قتادة : { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } أي عن كتاب الله وعن طاعته ، وقوله تعالى : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أي هذا القرآن ذكر لجميع الناس يتذكرون به ويتعظون { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } أي لمن أراد الهداية فعليه بهذا القرآن فإنه مناجاة له وهداية ، ولا هداية فيما سواه ، { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي ليست المشيئة موكولة إليكم ، بل ذلك كله تابع لمشيئة الله تعالى رب العالمين ، قال سفيان الثوري : لما نزلت هذه الآية : { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } قال أبو جهل : الأمر إلينا إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله تعالى : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } .