Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 81, Ayat: 1-14)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن عباس : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } يعني أظلمت ، وقال العوفي عنه : ذهبت ، وقال مجاهد : اضمحلت وذهبت ، وقال قتادة : ذهب ضوءها ، وقال سعيد بن جبير : { كُوِّرَتْ } غورت ، وقال زيد بن أسلم : تقع في الأرض ، قال ابن جرير : والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشيء بعضه على بعض ، ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض ، فمعنى قوله تعالى : { كُوِّرَتْ } جمع بعضها إلى بعض ، ثم لفت فرمى بها ، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها ، روي عن ابن عباس أنه قال : " يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله ريحاً دبوراً فتضرمها ناراً " ، وروى البخاري ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " الشمس والقمر يكوران يوم القيامة " وقوله تعالى : { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } أي انتثرت كما قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } [ الإنفطار : 2 ] . وأصل الانكدار الانصباب ، قال أبي بن كعب : ست آيات قبل يوم القيامة ، بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس ، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم ، فبينما هم كذلك إذا وقعت الجبال على وجه الأرض ، فتحركت واضطربت واختلطت ، ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن ، واختلطت الدواب والطير والوحوش ، فماجوا بعضهم في بعض ، { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال : اختلطت ، { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } قال : أهملها أهلها ، { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } قال ، قالت الجن : نحن نأتيكم بالخبر ، قال : فانطلقوا إلى البحر ، فإذا هو نار تتأجج ، قال : فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا ، قال : فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم . وقال ابن عباس : { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } أي تغيرت ، وعن يزيد بن أبي مريم مرفوعاً : " انكدرت في جهنم ، وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم ، إلاّ ما كان من عيسى وأمه ، ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها " . وقوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } أي زالت عن أماكنها ونسفت فتركت الأرض قاعاً صفصفاً ، وقوله : { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } عشار الإبل ، قال مجاهد : { عُطِّلَتْ } تركت وسيّبت ، وقال أُبّي بن كعب ، أهملها أهلها ، وقال الربيع بن خيثم : لم تحلب وتخلى عنها أربابها ، والمعنى في هذا كله متقارب ، والمقصود أن العشار من الإبل وهي خيارها والحوامل منها ، واحدتها عشراء قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها ، بما دهمهم من الأمر العظيم الهائل ، وهو أمر يوم القيامة ووقوع مقدماتها ، وقيل : بل يكون ذلك يوم القيامة يراها أصحابها ، كذلك لا سبيل لهم إليها ، وقد قيل في العشار : إنها السحاب تعطل عن المسير بين السماء والأرض لخراب الدنيا ، والراجح أنها الإبل ، والله أعلم . وقوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } أي جمعت كما قال تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] قال ابن عباس : يحشر كل شيء حتى الذباب ، وقال عكرمة : حشرها موتها ، وعن ابن عباس قال : حشر البهائم موتها وحشر كل شيء الموت غير الجن والإنس . وعن الربيع بن خيثم { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال : أتى عليها أمر الله ، وعن أُبيّ بن كعب أنه قال : { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } اختلطت ، قال ابن جرير : والأولى قول من قال حشرت جمعت ، قال الله تعالى : { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً } [ ص : 19 ] أي مجموعة ، وقوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } قال ابن عباس : يرسل الله عليها الرياح الدبور فتسعرها وتصير ناراً تأجج ، وفي " سنن أبي داود " : " لا يركب البحر إلاّ حاج أو معتمر أو غاز ، فإن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً " الحديث ، وقال مجاهد : { سُجِّرَتْ } : أوقدت ، وقال الحسن : يبست ، وقال الضحّاك وقتادة : غاض ماؤها فذهب فلم يبق فيها قطرة ، وقال الضحّاك أيضاً : { سُجِّرَتْ } فجّرت ، وقال السدي : فتحت وصيرت ، وقوله تعالى : { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } أي جمع كل شكل إلى نظيره كقوله تعالى : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] أي الضرباء كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله ، روى النعمان بن بشير أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقرأ : { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } فقال : تزوجها أن تؤلف كل شيعة إلى شيعتهم ، يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح ، ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار ، فذلك تزويج الأنفس ، وعن ابن عباس في قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال : ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة ، وقال مجاهد : { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال : الأمثال من الناس جمع بينهم ، واختاره ابن جرير ، وقال الحسن البصري وعكرمة : زوجت الأرواح بالأبدان ، وقيل : زوج المؤمنون بالحور العين ، وزوج الكافرون بالشياطين . وقوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } المؤودة هي التي كانت أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية البنات ، فيوم القيامة تسأل الموءُودة على أي ذنب قُتلت ليكون ذلك تهديداً لقاتلها ، فإنه إذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذاً ؟ وقال ابن عباس : { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } أي سألت أي طالبت بدمها . وقد وردت أحاديث تتعلق بالموءُودة فقال الإمام أحمد عن جذامة بنت وهب أخت عكاشة قالت : " حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس وهو يقول : لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس ، فإذا هم يغيلون أولادهم ، ولا يضر أولادهم ذلك شيئاً " ، ثم سألوه عن العزل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك الوأد الخفي وهو الموءُودة سئلت " وروى الإمام أحمد عن سلمة بن يزيد الجعفي قال : " انطلقت أنا وأخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم ، وتقري الضيف ، وتفعل ، هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً ؟ قال : " لا " ، قلنا : فإنها كانت وأدت أُختاً لنا في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً ؟ قال : " الوائدة والموءُودة في النار ، إلاّ أن يدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها " " وفي الحديث : " النبي في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، والموءُودة في الجنة " وعن قرة قال : سمعت الحسن يقول : " قيل ، يا رسول الله مَن في الجنة ؟ قال : " الموءُودة في الجنة " " وقال ابن عباس : أطفال المشركين في الجنة ، فمن زعم أنهم في النار فقد كذب ؛ يقول الله تعالى : { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } ، قال ابن عباس : هي المدفونة ، وقال عبد الرزاق : " جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني وأدت بنات لي في الجاهلية ، قال : " أعتق عن كل واحدة منهن رقبة " قال : يا رسول الله إني صاحب إبل ، قال فانحر عن كل واحدة منهن بدنة " وقوله تعالى : { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } قال الضحّاك : أعطى كل إنسان صحيفته بيمينه أو بشماله ، وقال قتادة : يا ابن آدم تملي فيها ثم تطوى ، ثم تنشر عليك يوم القيامة ، فلينظر رجل ماذا يملي في صحيفته ، قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } قال مجاهد : اجتذبت ؛ وقال السدي : كشفت ، وقال الضحّاك : تنكشط فتذهب ، وقوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } قال السدي : أحميت ، وقال قتادة : أوقدت ، قال : وإنما يسعرها غضب الله وخطايا بني آدم ، وقوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } قال الضحّاك : أي قربت إلى أهلها ، وقوله تعالى : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } هذا هو الجواب أي إذا وقعت هذه الأمور حينئذٍ تعلم كل نفس ما عملت ، وأحضر ذلك لها كما قال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً } [ آل عمران : 30 ] ، وقال تعالى : { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] . عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : لما نزلت : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } قال عمر : لما بلغ { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } قال : لهذا أجري الحديث .