Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 7-17)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى حقاً : { إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } أي إن مصيرهم ومأواهم { لَفِي سِجِّينٍ } فعّيل من السجن ، وهو الضيق كما يقال : فسّيق وخمّير وسكّير ونحو ذلك ، ولهذا عظّم أمره فقال تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } ؟ أي هو أمر عظيم ، وسجين مقيم ، وعذاب أليم ، ثم قال قائلون : هي تحت الأرض السابعة ، وقد تقدم في حديث البراء بن عازب " يقول الله عزَّ وجلَّ في روح الكافر " اكتبوا كتابه في سجين " " ، وقيل : بئر في جهنم ، والصحيح أن سجيناً مأخوذ من السجن وهو الضيق ، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتسع ، ولما كان مصير الفجار إلى جهنم وهي أسفل السافلين ، كما قال تعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ التين : 5 - 6 ] وقال هٰهنا : { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } وهو يجمع الضيق والسفول كما قال تعالى : { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } [ الفرقان : 13 ] ، وقوله تعالى : { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } ليس تفسيراً لقوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } ، وإنما هو تفسير لما كتاب لهم من المصير إلى سجين ، أي مرقوم مكتوب مفروغ منه ، لا يزاد فيه أحد ولا ينقص منه أحد ، ثم قال تعالى : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أي إذا صاروا يوم القيامة إلى ما أوعدهم الله من السجن والعذاب المهين ، { وَيْلٌ } لهم والمراد من ذلك الهلاك والدمار كما يقال : ويل لفلان ، ثم قال تعالى : مفسراً للمكذبين الفجّار الكفرة : { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } أي لا يصدقون بوقوعه ، ولا يعتقدون كونه ، ويستبعدون أمره ، قال الله تعالى : { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } أي معتد في أفعاله من تعاطي الحرام ، والمجاوزة في تناول المباح ، والأثيم في أقواله إن حدث كذب ، وإن وعد أخلف وإن خاصم فجر . وقوله تعالى : { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي إذا سمع كلام الله تعالى من الرسول يكذب به ، ويظن به ظن السوء ، فيعتقد أنه مفتعل مجموع من كتب الأوائل ، كما قال تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ النحل : 24 ] ، وقال تعالى : { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفرقان : 5 ] قال الله تعالى : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي ليس الأمر كما زعموا ، ولا كما قالوا : إن هذا القرآن أساطير الأولين ، بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ، ما عليها من الرين الذي قد لبس قلوبهم ، من كثرة الذنوب والخطايا ، ولهذا قال تعالى : { مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } والرين يعتري قلوب الكافرين ، والغَيْن للمقربين ، وقد روى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب منها صقل قلبه ، وإن زاد زادت ، فذلك قول الله تعالى : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } " ولفظ النسائي : " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه ، فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه ، فهو الران الذي قال الله تعالى : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } " وقال الحسن البصري : هو الذنب حتى يعمى القلب فيموت ، وقوله تعالى : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } أي ثم هم يوم القيامة محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم ، قال الإمام الشافعي : وفي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عزَّ وجلَّ يومئذٍ ، وهذا الذي قاله في غاية الحسن ، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية ، كما دل عليه منطوق قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 - 23 ] ، وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة ، في رؤية المؤمنين ربهم عزَّ وجلَّ في الدار الآخرة ، قال الحسن : يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون والكافرون ، ثم يحجب عنه الكافرون ، وينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية ، وقوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } أي ثم هم مع هذا الحرمان عن رؤية الرحمٰن ، من أهل النيران ، { ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } أي يقال لهم ذلك ، على وجه التقريع والتوبيخ ، والتصغير والتحقير .