Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 1-10)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقسم تعالى بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام ، قال ابن عباس : البروج النجوم ، وقال يحيى بن رافع : البروج قصور في السماء ، وقال المنهال بن عمرو : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } الخلق الحسن ، واختار ابن جرير أنها منازل الشمس والقمر ، وهي اثنا عشر برجاً تسير الشمس في كل واحد منها شهراً ، ويسير القمر في كل واحد منها يومين وثلثا ، فذلك ثمانية وعشرون منزلة ويستسر ليلتين ، وقوله تعالى : { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } اختلف المفسرون في ذلك فروي عن أبي هريرة مرفوعاً { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } يوم القيامة ، { وَشَاهِدٍ } يوم الجمعة ، { وَمَشْهُودٍ } يوم عرفة . روى الإمام أحمد ، عن أبي هريرة أنه قال في هذه الآية { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قال : " الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة ، والموعود يوم القيامة " وعن سعيد بن المسيب أنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن سيد الأيام يوم الجمعة ، وهو الشاهد ، والمشهود يوم عرفة " ، وروى ابن جرير عن ابن عباس قال : الشاهد هو محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود يوم القيامة . ثم قرأ : { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [ هود : 103 ] . وسأل رجل الحسن بن علي عن { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } فقال : سألت أحداً قبلي ؟ قال : نعم ، سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة ، فقال : لا ، ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قرأ : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] والمشهود يوم القايمة ، ثم قرأ : { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [ هود : 103 ] وهكذا قال الحسن البصري ، وقال مجاهد والضحّاك : الشاهد ابن آدم ، والمشهود يوم القيامة ؛ وعن عكرمة : الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود يوم الجمعة ، وقال ابن عباس : الشاهد الله ، والمشهود يوم القيامة ، وقال ابن أبي حاتم عن مجاهد عن ابن عباس { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قال : الشاهد الإنسان ، والمشهود يوم الجمعة ، وقال ابن جرير ، عن ابن عباس : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } الشاهد يوم عرفة ، والمشهود يوم القيامة ، قال ابن جرير : وقال آخرون : { المشهود } يوم الجمعة ، لحديث أبي الدرداء قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا من الصلاة يوم الجمعة ، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة " ، وعن سعيد بن جبير : الشاهد الله ، وتلا : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [ النساء : 79 ، 116 ، الفتح : 28 ] والمشهود نحن ، وقال الأكثرون على أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة . وقوله تعالى : { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } أي لعن أصحاب الأُخدود ، وجمعه أخاديد وهي الحفر في الأرض ، وهذا خبر عن قوم من الكفار عمدوا إلى من عندهم من المؤمنين بالله عزَّ وجلَّ فقهروهم ، وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا عليهم ، فحفروا لهم في الأرض أُخدوداً ، وأججوا فيه ناراً ، وأعدوا لها وقوداً يسعرونها به ، ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم ، فقذفوهم فيها ، ولهذا قال تعالى : { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ * ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } أي مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين * قال الله تعالى : { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } أي وما كان لهم عندهم ذنب إلاّ إيمانهم بالله { ٱلْعَزِيزِ } الذي لا يضام من لاذ بجنابه ، { ٱلْحَمِيدِ } في جميع أقواله وأفعاله وشرعه وقدره ، ثم قال تعالى : { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } من تمام الصفة أنه المالك لجميع السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما ، { وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي لا يغيب عنه شيء في جميع السماوات والأرض ، ولا تخفى عليه خافية ، وقد اختلف أهل التفسير في أهل هذه القصة من هم ؟ فعن علي أنهم أهل فارس ، حين أراد ملكهم تحليل تزويج المحارم فامتنع عليه علماؤهم ، فعمد إلى حفر أُخدود ، فقذف فيه من أنكر عليه منهم ، واستمر فيهم تحليل المحارم إلى اليوم . وعن ابن عباس قال : ناس من بني إسرائيل خدوا أُخدوداً في الأرض ، ثم أوقدوا فيه ناراً ، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء ، فعرضوا عليها ، وزعموا أنه دانيال وأصحابه ، وقيل غير ذلك . وقد روى الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمٰن بن أبي ليلى عن صهيب الرومي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان فيمن كان قبلكم ملك ، وكان له ساحر ، فلما كبر الساحر قال للملك : إني قد كبر سني وحضر أجلي ، فادفع إليّ غلاماً لأعلمه السحر ، فدفع إليه غلاماً كان يعلمه السحر ، وكان بين الساحر وبين الملك راهب ، فأتى الغلام على الراهب ، فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه ، وكان إذا أتى الساحر ضربه ، وقال : ما حبسك ؟ وإذا أتى أهله ضربوه ، وقالوا ما حبسك ؟ فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا أراد الساحر أن يضربك فقل : حبسني أهلي ، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل : حبسني الساحر ، قال : فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا ، فقال : اليوم أعلم : أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر ؟ قال : فأخذ حجراً ، فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس ، ورماها فقتلها ، ومضى الناس ، فأخبر الراهب بذلك ، فقال : أي بني أنت أفضل مني ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ ، فكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم ، وكان للملك جليس ، فعمي ، فسمع به ، فأتاه بهدايا كثيرة فقال : اشفني ولك ما هٰهنا أجمع ، فقال : ما أنا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله عزَّ وجلَّ ، فإن آمنت به دعوت الله فشفاك ، فآمن فدعا الله فشفاه ، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس ، فقال الملك : يا فلان من رد عليك بصرك ؟ فقال : ربي ؟ فقال : أنا ! قال : لا ، ربي وربك الله ، قال : ولك رب غيري ؟ قال : نعم ، ربي وربك الله ، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام ، فبعث إليه فقال : أي بني بلغ من سحرك أن تبرىء الأكمه والأبرص وهذه الأدواء ؟ قال : ما أشفي أحداً إنما يشفي الله عزَّ وجلَّ . قال : أنا ؟ قال : لا ، قال : أولك رب غيري ؟ قال : ربي وربك الله ، فأخذه أيضاً بالعذاب ، فلم يزل به حتى دل على الراهب ، فأتى بالراهب ، فقال : ارجع عن دينك ، فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه ، وقال للأعمى : ارجع عن دينك فأبى ، فوضع المنشار في مفرق رأسه ، حتى وقع شقاه إلى الأرض ، وقال للغلام : ارجع عن دينك فأبى ، فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا ، وقال : إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلاّ فدهدهوه ، فذهبوا به فلما علوا به الجبل قال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فرجف بهم الجبل ، فدهدهوا أجمعون ، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك ، فقال : ما فعل أصحابك ؟ فقال : كفانيهم الله تعالى : فبعث به مع نفر في قرقور ، فقال : إذا لججتم به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلاّ فغرقوه في البحر ، فلججوا به البحر ، فقال الغلام : اللهم اكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعون ، وجاء الغلام حتى دخل الملك ، فقال : ما فعل أصحابك ؟ فقال : كفانيهم الله تعالى ، ثم قال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني ، وإلاّ فإنك لا تستطيع قتلي ، قال : وما هو ، قال : تجمع الناس في صعيد واحد ، ثم تصلبني على جذع ، وتأخذ سهماً من كنانتي ، ثم قل : باسم الله رب الغلام ، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني ، ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ، ثم رماه وقال : باسم الله رب الغلام ، فوقع السهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم ، ومات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام . فقيل للملك : أرأيت ما كنت تحذر ؟ فقد والله نزل بك ؛ قد آمن الناس كلهم ، فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد ، وأضرمت فيها النيران ، وقال : من رجع عن دينه فدعوه وإلاّ فأقحموه فيها ، قال : فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون ، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه ، فكأنها تقاعست أن تقع في النار ، فقال الصبي : اصبري يا أُماه فإنك على الحق " . وروى ابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس في قوله تعالى : { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } قال : سمعنا أنهم كانوا قوماً في زمان الفترة ، فلما رأوا ما وقع في الناس من الفتنة والشر ، وصاروا أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون ، اعتزلوا إلى قرية سكنوها وأقاموا على عبادة الله مخلصين له الدين ، فكان هذا أمرهم حتى سمع بهم جبار من الجبارين وحدث حديثهم فأرسل إليهم ، فأمرهم أن يعبدوا الأوثان التي اتخذوا وأنهم أبوا عليه كلهم ، وقالوا : لا نعبد إلاّ الله وحده لا شريك له ، فقال لهم : إن لم تعبدوا هذه الآلهة التي عبدت فإني قاتلكم ، فأبوا عليه ، فخد أخدوداً من نار ، وقال لهم الجبار بعد أن وقفهم عليها ، اختاروا هذه أو الذي نحن فيه ، فقالوا : هذه أحب إلينا وفيهم نساء وذرية ، ففزعت الذرية ، فقالوا لهم - أي آباؤهم : لا نار من بعد اليوم ، فوقعوا فيها ، فقبضت أرواحهم ، من قبل أن يمسهم حرها ، وخرجت النار من مكانها فأحاطت بالجبارين ، فأحرقهم الله بها ، ففي ذلك أنزل الله عزَّ وجلَّ : { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ * ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ * ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ، وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي حرقوا ، قاله ابن عباس ومجاهد { ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ } أي لم يقلعوا عما فعلوا ويندموا على ما أسلفوا { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } وذلك أن الجزاء من جنس العمل ، قال الحسن البصري : انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة .