Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 14-19)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } أي طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة ، واتبع ما أنزل الله على الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } أي أقام الصلاة في أوقاتها ابتغاء رضوان الله وامتثالاً لشرع الله ، روي عن جابر بن عبد الله يرفعه { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } قال : " من شهد أن لا إلٰه إلاّ الله ، وخلع الأنداد . وشهد أني رسول الله { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } قال : " هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها " " ، وكذا قال ابن عباس إن المراد بذلك الصلوات الخمس ، واختاره ابن جرير ، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر ، ويتلو هذه الآية : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } ، وقال قتادة في هذه الآية : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } زكى ماله وأرضى خالقه ، ثم قال تعالى : { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي تقدمونها على أمر الآخرة ، وتبدّونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم ، { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي ثواب الله في الدار الآخرة ، خير من الدنيا وأبقى ، فإن الدنيا دانية فانية ، والآخرة شريفة باقية ، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى ، ويهتم بما يزول عنه قريباً ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له " عن عرفجة الثقفي قال : استقرأت ابن مسعود : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } فلما بلغ { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال : آثرنا الدنيا على الآخرة ، فسكت القوم ، فقال : آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها ، وزويت عنا الآخرة ، فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل ، وهذا منه على وجه التواضع والهضم ، وفي الحديث : " من أحب دنياه أضر بآخرته ، ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى " وقوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } كقوله في سورة النجم : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ * أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ * وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ * وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [ النجم : 36 - 42 ] الآيات إلى آخرهن ؛ وهكذا قال عكرمة في قوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } يقول : الآيات التي في { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } ، وقال أبو العالية : قصة هذه السورة في الصحف الأولى ، واختار ابن جرير أن المراد بقوله : { إِنَّ هَـٰذَا } إشارة إلى قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ * بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } ، ثم قال تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا } أي مضمون هذا الكلام { لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } وهذا الذي اختاره حسن قوي ، وقد روي عن قتادة وابن زيد نحوه ، والله أعلم .