Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 88, Ayat: 17-26)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى آمراً عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } ؟ فإنها خلق عجيب وتركيبها غريب ، فإنها في غاية القوة والشدة ، وهي مع ذلك تنقاد للقائد الضعيف ، وتؤكل وينتفع بوبرها ويشرب لبنها ، ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل ، وكان شريح القاضي يقول : اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت ، وإلى السماء كيف رفعت ! أي كيف رفعها لله عزَّ وجلَّ عن الأرض هذا الرفع العظيم ، كما قال تعالى : { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } [ ق : 6 ] ، { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } أي جعلت منصوبة فإنها ثابتة راسية لئلا تميد الأرض بأهلها : " وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن ، { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } ! أي كيف بسطت ومدت ومهدت ، فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه ، والسماء التي فوق رأسه ، والجبل الذي تجاهه ، والأرض التي تحته ، على قدرة خالق ذلك وصانعه ، وأنه الرب العظيم الخالق المالك المتصرف ، وأنه الإلٰه الذي لا يستحق العبادة سواه ، عن أنَس قال : " كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ، ونحن نسمع ، فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد إنا أتانا رسولك ، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك ، قال : " صدق " قال : فمن خلق السماء ؟ قال : " الله " ، قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : " الله " ، قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : " الله " ، قال : فبالذي خلق السماء والأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك ؟ قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ؟ قال : " صدق " ، قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ، قال : " نعم " ، قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ؟ قال : " صدق " ، قال : ثم ولى ، فقال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئاً ولا أنقص منهن شيئاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن صدق ليدخلن الجنة " " . وقوله تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } أي فذكر يا محمد الناس بما أرسلت به إليهم { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } [ الرعد : 40 ] ، ولهذا قال : { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } ؛ قال ابن عباس ومجاهد : لست عليهم بجبار ، أي لست تخلق الإيمان في قلوبهم ، وقال ابن زيد : لست بالذي تكرههم على الإيمان ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا : لا إلٰه إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عزَّ وجلَّ " ، ثم قرأَ : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } " وقوله تعالى : { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ } أي تولى عن العمل بأركانه ، وكفر بالحق بجنانه ولسانه ، وهذه كقوله تعالى : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ * وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } [ القيامة : 31 - 32 ] ، ولهذا قال : { فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } ، روى الإمام أحمد : " أن أبا أمامة الباهلي مرَّ على خالد بن يزيد بن معاوية ، فسأله عن أَلين كلمة سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير عن أهله " " وقوله تعالى : { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } أي مرجعهم ومنقلبهم ، { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } أي نحن نحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشرّ .