Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-10)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا قسم من الله تبارك وتعالى بمكة ( أُم القرى ) في حال كون الساكن فيها حلالاً ، لينبّه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها ، قال مجاهد : { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } لا ، رد عليهم . أقسم بهذا البلد ، وقال ابن عباس : { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } يعني مكة { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } قال : أنت يا محمد يحل لك أن تقاتل به ، وقال مجاهد : ما أصبت فيه فهو حلال لك ، وقال الحسن البصري : أحلها الله له ساعة من نهار ، وهذا المعنى قد ورد به الحديث المتفق على صحته : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب " وفي لفظ آخر : " فإن أحد ترخّص بقتال رسول الله فقولوا : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم " ، وقوله تعالى : { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } قال ابن عباس : الوالد الذي يلد { وَمَا وَلَدَ } العاقر الذي لا يولد له ، وقال مجاهد وقتادة والضحّاك : يعني بالوالد آدم { وَمَا وَلَدَ } ولده ، وهذا الذي ذهب إليه مجاهد وأصحابه حسن قوي ، لأنه تعالى لما أقسم بأُم القرى وهي المساكن ، أقسم بعده بالساكن ، وهو ( آدم ) أبو البشر وولده ، واختار ابن جرير أنه عام في كل ولد وولده وهو محتمل أيضاً ، وقوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } روي عن ابن مسعود وابن عباس : يعني منتصباً ، زاد ابن عباس : منتصباً في بطن أمه ، والكبد : الاستواء والاستقامة ، ومعنى هذا القول : لقد خلقناه سوياً مستقيماً ، كقوله تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِيۤ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } [ الانفطار : 7 - 8 ] ، وكقوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] وقال ابن عباس : { فِي كَبَدٍ } في شدة خلق ، ألم ترى إليه وذكر مولده ونبات أسنانه ، وقال مجاهد : { فِي كَبَدٍ } نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، يكبد في الخلق ، وهو كقوله تعالى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } [ الأحقاف : 15 ] فهو يكابد ذلك ، وقال سعيد بن جبير : { فِي كَبَدٍ } في شدة وطلب معيشة ، وقال قتادة : في مشقة ، وقال الحسن : يكابد أمر الدنيا وأمر من الآخرة ، وفي رواية : يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة ، واختار ابن جرير أن المراد بذلك مكابدة الأمور ومشاقها . وقال تعالى : { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } قال الحسن البصري : يعني يأخذ ماله ، وقال قتادة : يظن أن لن يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وأين أنفقه ، وقال السدي : { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } قال : الله عزَّ وجلَّ يظن أن لن يقدر عليه ربه ، وقوله تعالى : { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } أي يقول ابن آدم : أنفقت { مَالاً لُّبَداً } أي كثيراً قاله مجاهد والحسن ، { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } قال مجاهد : أي أيحسب أن لم يره الله عزَّ وجلَّ ، وكذا قال غيره من السلف ، وقوله تعالى : { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } أي يبصر بهما { وَلِسَاناً } أي ينطق به فيعبر عما في ضميره { وَشَفَتَيْنِ } يستعين بهما على الكلام ، وأكل الطعام ، وجمالاً لوجهه وفمه . وقد روى الحافظ ابن عساكر عن مكحول قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، قد أنعمت عليك نعماً عظاماً ، لا تحصي عددها ولا تطيق شكرها ، وإن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما ، وجعلت لهما غطاء ، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك ، وإن رأيت ما حرمت عليك ، فأطبق عليهما غطاءهما ، وجعلت لك لساناً وجعلت له غلافاً ، فانطق بما أمرتك ، وأحللت لك فإن عرض عليك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك ، وجعلت لك فرجاً وجعلت لك ستراً ، فأصب بفرجك ما أحللت لك ، فإن عرض عليك ما حرمت عليك فأرخ عليك سترك ، يا ابن آدم إنك لا تحمل سخطي ولا تطيق انتقامي " ، { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } : الطريقين ، قال ابن مسعود : الخير والشر ، وعن أبي رجاء قال : " سمعت الحسن يقول : { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " يا أيها الناس إنهما النجدان : نجد الخير ، ونجد الشر ، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " ، وقال ابن عباس : { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } قال : الثديين ، قال ابن جرير : والصواب القول الأول ، نظير هذه الآية قوله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [ الإنسان : 3 ] .