Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 221-221)

Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ 13 ] نكاح المشركات التحليل اللفظي { تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ } : أي لا تتزوجوا الوثنيات ، والمشركة هي التي تعبد الأوثان ، وليس لها دين سماوي ومثلها المشرك ، وقيل : إنها تعم الكتابيات أيضاً لأن أهل الكتاب مشركون لقوله تعالى : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } إلى قوله : { سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ التوبة : 30 - 31 ] . { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ } : الأمة : المملوكة بملك اليمين وهي تقابل الحرة ، وأصلها ( أمو ) حذفت لامها على غير قياس وعوّض عنها هاء التأنيث ، وتجمع على إماء قال تعالى : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } [ النور : 32 ] وقال الشاعر : @ أمّا الإماء فلا يدعونني ولداً إذا تداعى بنو الأَمَوات بالعار @@ المعنى الإجمالي يقول الله تعالى ما معناه : لا تتزوجوا - أيها المؤمنون - المشركات حتى يؤمن بالله واليوم الآخر ، ولأمة مؤمنة بالله ورسوله أفضل من حرة مشركة ، وإن أعجبتكم المشركة بجمالها ، ومالها ، وسائر ما يوجب الرغبة فيها من حسب ، أو جاه ، أو سلطان . ولا تُزوِّجُوا المشركين من نسائكم المؤمنات حتى يؤمنوا بالله ورسوله ، ولأن تزوجوهن من عبدٍ مؤمن خيرٌ لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك ، مهما أعجبكم في الحسب ، والنسب ، والشرف ، فإن هؤلاء - المشركين والمشركات - الذين حرمت عليكم مناكحتهم ومصاهرتهم ، يدعونكم إلى ما يؤدي بكم إلى النار ، والله يدعو إلى العمل الذي يوجب الجنة ، ويوضح حججه وأدلته للناس ليتذكروا فيميزوا بين الخير والشر ، والخبيث والطيب . سبب النزول أولاً : روي أن هذه الآية نزلت في مرثد بن أبي مرثد الغنوي الذي كان يحمل الأسرى من مكة إلى المدينة ، وكانت له في الجاهلية صلة بامرأة تسمى ( عَناقاً ) فأتته وقالت : ألا تخلوا ؟ فقال : ويحك إن الإسلام قد حال بيننا ، فقالت : فهل لك أن تتزوج بي ؟ قال : نعم ولكن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره فنزلت الآية . وتعقّب السيوطي هذه الرواية وذكر أنها ليست سبباً في نزول هذه الآية ، وإنما هي سبب في نزول آية النور { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً … } [ النور : 3 ] . الآية . ثانياً : وروي عن ابن عباس " أن هذه الآية نزلت في ( عبد الله بن رواحة ) كانت له أمة سوداء ، وأنه غضب عليها فلطمها ، ثم إنه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هي يا عبد الله ؟ فقال : يا رسول الله : هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله ، فقال يا عبد الله : هذه مؤمنة ، فقال : والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنّها ففعل ، فعابه ناس من المسلمين وقالوا : نكح أمة ، وكانوا يرغبون في نكاح المشركات رغبة في أحسابهن " ، فنزلت هذه الآية . وجوه الإعراب أولاً : قوله تعالى : { حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } حتى بمعنى ( إلى أن ) و ( يؤمن ) مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب بـ ( حتى ) وأصله ( يؤمنْنَ ) . ثانياً : قوله تعالى : { وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } الواو للحال و ( لو ) هنا بمعنى ( إن ) وكذا كل موضع وليها الفعل الماضي كقوله : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ } [ المائدة : 100 ] أي وإن أعجبك والتقدير : لأمة مؤمنة خيرٌ من مشركة وإن أعجبتكم . ثالثاً : قوله تعالى : { وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ } بضم التاء هنا لأنه من الرباعي ( أنكح ) وهو يتعدى إلى مفعولين الأول ( المشركين ) والثاني محذوف وهو ( المؤمنات ) أي ولا تزوجوا المشركين المؤمنات . وأما قوله تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ } فهو من الثلاثي ( نكح ) أي لا تتزوجوا المشركات وهو يتعدى إلى مفعول واحد فقط . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : المراد بالنكاح هنا العقد بالإجماع أي لا تتزوجوا بالمشركات . قال الكرخي : المراد بالنكاح العقد لا الوطء حتى قيل : إنه لم يرد في القرآن بمعنى الوطء أصلاً ، لأن القرآن يكني وهذا من لطيف ألفاظه . قال ابن جني : " سألت أبا علي عن قولهم : نكح المرأة فقال : فرّقت العرب في الاستعمال فرقاً لطيفاً حتى لا يحصل الالتباس ، فإذا قالوا : نكح فلانٌ فلانةً : أرادوا أنه تزوجها وعقد عليها ، وإذا قالوا : نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا غير المجامعة ، لأنه إذا ذكر امرأته أو زوجته فقد استغنى عن ذكر العقد فلم تحتمل الكلمة غير المجامعة " . اللطيفة الثانية : في قوله تعالى : { خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } إشارة لطيفة إلى أن الذي ينبغي أن يراعي في الزواج ( الخلق والدين ) لا الجمال والحسب ، والمال ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنُهنّ أن يرديهن ، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، وانكحوهنّ على الدين ولأَمةٌ سوداء خرقاء ذات دين أفضل " . اللطيفة الثالثة : من المعلوم أن المغفرة قبل دخول الجنة ، ولذلك قدمت في غير هذه الآية { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ } [ آل عمران : 133 ] وإنما قدمت الجنة هنا لرعاية مقابلة النار لتكمل وتظهر المقابلة { أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ } . اللطيفة الرابعة : في الآية الكريمة من المحسنّات البديعة ما يسمى بـ ( المقابلة ) فقد جاء بلفظ ( أمة ) ويقابلها ( العبد ) وبلفظ ( مؤمنة ) ويقابلها ( المشركة ) وبلفظ ( الجنة ) ويقابلها ( النار ) فهي مقابلة لطيفة بديعة تزيد الكلام رونقاً وجمالاً ، والفرق بين ( المقابلة ) و ( الطباق ) أن المقابلة تكون بين معنيين أو أكثر متوافقة ، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب ، أما الطباق فيكون بين لفظين مثل ( الأول والآخر ) ومثل ( أضحك وأبكى ) . الأحكام الشرعية الحكم الأول : هل يحرم نكاح الكتابيات ؟ دل قوله تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } على حرمة نكاح المجوسيات والوثنيات . وأما الكتابيات فيجوز نكاحهن لقوله تعالى في سورة المائدة [ الآية : 5 ] : { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ … } الآية أي العفيفات من أهل الكتاب ، وهذا قول جمهور العلماء ، وبه قال الأئمة الأربعة . وذهب ابن عمر رضي الله عنهما إلى تحريم نكاح الكتابيات ، وكان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانيةَ أو اليهوديةَ قال : " حرّم الله تعالى المشركات على المسلمين ، ولا أعرف شيئاً من الإشراك أعظم من أن يقول المرأة : ربّها عيسى ، أو عبدٌ من عباد الله تعالى " . وإلى هذا ذهب الإمامية ، وبعض الزيدية وجعلوا آية المائدة منسوخة بهذه الآية نسخ الخاص بالعام . حجة الجمهور : أ - احتج الجمهور بأن لفظ ( المشركات ) لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى : { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ البقرة : 105 ] وقوله : { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ } [ البينة : 1 ] فقد عطف المشركين على أهل الكتاب ، والعطفُ يقتضي المغايرة ، فظاهر لفظ ( المشركات ) لا يتناول الكتابيات . ب - واستدلوا بما روي عن السلف من إباحة الزواج بالكتابيات ، فقد قال قتادة في تفسير الآية إن المراد بالمشركات ( مشركات العرب ) اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه . وعن حماد قال : سألت إبراهيم عن تزوج اليهودية والنصرانية فقال : لا بأس به ، فقلت : أليس الله تعالى يقول : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ } ؟ فقال : إنما تلك المجوسيات وأهل الأوثان . جـ - وقالوا : لا يجوز أن تكون آية البقرة ناسخة لآية المائدة ، لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة ، والمائدة من آخر ما نزل ، والقاعدة أن المتأخر ينسخ المتقدم لا العكس . د - واستدلوا بما روي أن حذيفة تزوج يهودية ، فكتب إليه عمر خلّ سبيلها ، فكتب إليه أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها ؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن . فدل على أن عمر فعل هذا من باب الحيطة والحذر ، لا أنه حرم نكاح الكتابيات . هـ - واستدلوا بالحديث الذي رواه عبد الرحمٰن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في المجوس : " سنوا بهم سنّة أهل الكتاب ، غير ناكحي نسائهم ، ولا آكلي ذبائحهم " . فلو لم يكن نكاح نسائهم جائزاً لم يكن لذكره فائدة . قال الطبري بعد سرده للأقوال : " وأولى الأقوال بتأويل الآية ما قاله ( قتادة ) من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ } من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات ، وأن الآية عام ظاهرها ، خاص باطنها ، لم يُنسخ منها شيء ، وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها ، وذلك أن الله تعالى أحل بقوله : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } [ المائدة : 5 ] للمؤمنين من نكاح محصناتهن مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات ، وقد روي عن عمر أنه قال : ( المسلم يتزوج النصرانية ، ولا يتزوج النصراني المسلمة ) وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة نكاح اليهودية والنصرانية ، حذراً من أن يقتدي بهما الناس في ذلك فيزهدوا في المسلمات ، أو لغير ذلك من المعاني فأمرهما بتخليتهما " . أقول : رحم الله عمر فقد كان ينظر إلى مصالح المسلمين ، ويسوسهم بالنظر والمصلحة ، وما أحوجنا إلى مثل هذه السياسة الحكيمة ! ! الحكم الثاني : من هم المشركون الذين يحرم تزويجهم ؟ دلّ قوله تعالى : { وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ } على حرمة تزويج المشرك بالمسلمة ، والمراد بالمشرك هنا كل كافر لا يدين بدين الإسلام ، فيشمل الوثني ، والمجوسي ، واليهودي ، والنصراني ، والمرتد عن الإسلام فكل هؤلاء يحرم تزويجهم بالمسلمة ، والعلة في ذلك أن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه . فللمسلم أن يتزوج باليهودية أو النصرانية وليس لليهودي أو النصراني أن يتزوج بالمسلمة ، وقد بيَّن الباري جل وعلا السبب بقوله : { أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } أي يدعون إلى الكفر الذي هو سبب دخول نار جهنم ، فالرجل له سلطة وولاية على المرأة ، فربما أجبرها على ترك دينها وحملها على أن تكفر بالإسلام ، والأولاد يتبعون الأب فإذا كان الأب نصرانياً أو يهودياً . ربّاهم على اليهودية أو النصرانية فيصير الولد من أهل النار . ومن ناحية أخرى فإن المسلم يعظّم موسى وعيسى عليهما السلام . ويؤمن برسالتهما ويعتقد بالتوارة والإنجيل التي أنزلها الله ولا يحمله إيمانه على إيذاء زوجته ( اليهودية ) أو ( النصرانية ) مثلاً بسبب العقيدة ، لأنه يلتقي معها على الإيمان بالله ، وتعظيم رسله ، فلا يكون اختلاف الدين سبباً للأذى أو الاعتداء ، بخلاف غير المسلم الذي لا يؤمن بالقرآن ولا برسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، فإن عدم إيمانه يدعوه إلى إيذاء المسلمة والاستخفاف بدينها . سألني طالب غير مسلم كان قد حضر عندي درس الدين في مدينة حلب : لماذا يتزوج المسلم بالنصرانية ، ولا يتزوج النصراني المسلمة ؟ يقصد التعريض والغمز بالمسلمين بأنهم متعصبون ، فقلت له : نحن المسلمين نؤمن بنبيكم ( عيسى ) وكتابكم ( الإنجيل ) فإذا آمنتم بنبينا وكتابنا نزوجكم من بناتنا … فمن منا المتعصب ؟ فبهت الذي كفر . ما ترشد إليه الآيات الكريمة أولاً - حرمة الزواج بالمشركة الوثنية التي ليس لها كتاب سماوي . ثانياً - حرمة تزويج الكفار ( وثنيين أو أهل كتاب ) من النساء المسلمات . ثالثاً - إباحة الزواج من الكتابية ( اليهودية أو النصرانية ) إذا لم يخش الضرر على الأولاد . رابعاً - التفاوت بين الناس بالعمل الصالح ، فالأَمَةُ المؤمنة أفضل من الحرة المشركة . خامساً - المشرك يجهد نفسه لحمل المؤمنة على الكفر بالله فلا يليق أن يقترن بها .