Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 222-223)

Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ 14 ] اعتزال النساء في الحيض التحليل اللفظي { ٱلْمَحِيضِ } : مصدر ميمي بمعنى الحيض ، كالمعيش بمعنى العيش ، قال رؤبة : @ إليك أشكو شدة المعيش ومُرّ أعوام نتفن ريشي @@ أي أشكو شدة العيش ، ويطلق المحيض على الزمان والمكان ويطلق على الحيض مجازاً ، أفاده القرطبي . وأصل الحيض : السيلان ، يقال : حاض السيل وفاض ، وحاضت الشجرة أي سالت . قال الأزهري : ومنه قيل للحوض حوض ، لأن الماء يحيض إليه أي يسيل . ويقال للمرأة : حائض ، وحائضة كذا قال الفراء وأنشد : @ كحائضةٍ يُزْنى بها غير طاهر @@ { أَذًى } : قال عطاء : أذى : أي قذر ، والأذى في اللغة ما يكره من كل شيء ومنه قوله تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ } [ البقرة : 264 ] . قال في " المصباح " : أذى الشيء أذى من باب تعب بمعنى قذر ، وقوله تعالى : { قُلْ هُوَ أَذًى } أي مستقذر . وقال الطبري : وسمي الحيض أذى لنتن ريحه وقذره ونجاسته . { فَٱعْتَزِلُواْ } : الاعتزال التنحي عن الشيء والاجتناب له ، ومنه قوله تعالى : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ مريم : 48 ] والمرادُ باعتزال النساء اجتناب مجامعتهن ، لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز . { يَطْهُرْنَ } : بالتخفيف أي ينقطع عنهم دم الحيض ، وبالتشديد ( يَطّهَرْن ) بمعنى يغتسلن . { حَرْثٌ } : قال الراغب : الحرث إلقاء البذر في الأرض وتهيؤها للزرع ، ويسمى المحروث حرثاً قال تعالى : { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } [ القلم : 22 ] . وقال الجوهري : الحرث : الزرع ، والحارث الزارع ، ومعنى ( حرثٌ ) أي مزرع ومنبت للولد ، والآية على حذف مضاف أي موضع حرثكم ، أو على سبيل التشبيه ففرج المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات الخارج ، فالحرث بمعنى المحترث ، سمي موضع الشيء باسم الشيء على سبيل المبالغة . { أَنَّىٰ شِئْتُمْ } : أي كيف شئتم أو على أي وجهٍ شئتم مقبلة ، أو مدبرة ، أو قائمة ، أو مضجعة بعد أن يكون المأتي في موضع الحرث . قال الطبري : وقال ابن عباس : ( فاتوا حرثكم أنَّى شئتم ) أي ائتها أنَّى شئت مقبلة ومدبرة ، ما لم تأتها في الدبر والمحيض . وعن عكرمة : يأتيها كيف شاء ، ما لم يعمل عمل قوم لوط . { وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } : أي قدموا الخير والصالح من الأعمال ، لتكون زاداً لكم إلى الآخرة . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } : أي خافوا عذابه بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه . { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } : بالثواب والكرامة والفوز بالدرجات العلى في دار النعيم . المعنى الإجمالي يسألونك - يا محمد - عن إتيان النساء في حالة الحيض أيحل أم يحرم ؟ قل لهم : إن دم الحيض دم مستقذر ، ومعاشرتهن في هذه الحالة فيه أذى لكم ولهن ، فاجتنبوا معاشرة النساء ، ونكاحهن في حالة المحيض ، ولا تقربوهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويَطْهُرن ، فإذا تطهّرْن بالماء فاغتسلن ، فأتوهن من حيث أمركم الله ، في المكان الذي أحلّه لكم وهو ( القُبُل ) مكان النسل والولد ، ولا تأتوهنّ في المكان المحرم ( الدبر ) فإن الله يحب عبده التائب المتنزه عن الفواحش والأقذار . ثم أكد تعالى النهي عن إتيان النساء في غير المحل المعهود الذي أباحه للرجال فقال ما معناه : نساؤكم - أيها الناس - مكان زرعكم وموضع نسلكم ، وفي أرحامهن يتكوّن الجنين والولد ، فأتوا نساءكم كيف شئتم ومن أي وجهٍ أحببتم بعد أن يكون في موضع النسل والذرية ، قال ابن عباس : ( اسق نباتك من حيث ينبت ) وقدموا - أيها الناس المؤمنون - لأنفسكم صالح الأعمال وراقبوا الله وخافوه في تصرفاتكم ، واخشوا يوماً تلقون فيه ربكم فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته وبشر المؤمنين بالكرامة والسيادة والنعيم المقيم في دار الكرامة . سبب النزول أولاً : عن أنس رضي الله عنه قال : " " كانت اليهود إذا حاضت امرأة منهن لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن وأن يكونوا معهن في البيوت ، وأن يفعلوا كل شيء إلا النكاح ، فقالت اليهود : ما يريد محمد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه ، فجاء ( عبّاد بن بشر ) و ( أُسَيْد بن خصير ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك وقالا يا رسول الله : أفلا ننكحهن في المحيض ؟ فتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظنّنا أنه غضب عليهما ، فاستقبلتهما هدية من لبن فأرسل لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقاهما فعلما أنه لم يغضب " . ثانياً : وعن جابر رضي الله عنه قال : " كانت اليهود تقول : من أتى امرأته في قُبُلها من دُبُرها كان الولد أحول ، فنزلت { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } . وجوه القراءات قرأ الجمهور { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } بسكون الطاء وضم الهاء ، وقرأ حمزة والكسائي ( يَطّهّرْن ) بتشديد الهاء والطاء وفتحهما ، ورجّح الطبراني قراءة تشديد الطاء وقال : هي بمعنى يغتسلن . قال الفخر : " فمن خفّف فهو زوال الدم من طهرت المرأة من حيضها إذا انقطع الحيض ، والمعنى : لا تقربوهنّ حتى يزول عنهن الدم ، ومن قرأ بالتشديد فهو على معنى يتطهّرن " . وجوه الإعراب قوله تعالى : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } مبتدأ أو خبر ، وقوله : { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } كلمة ( أنّى ) تأتي في اللغة العربية بمعنى ( من أين ) ومنه قوله تعالى : { قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } [ آل عمران : 37 ] أي من أين ، وتأتي بمعنى ( متى ) و ( كيف ) تقول : سافر أنّى شئت ، واجلس أنّى أردت أي سافر متى شئت ، واجلس كيف أردت ، والمعنى المراد في الآية ( كيف ) أي أتوا حرثكم كيف شئتم قائمة أو قاعدة أو مضجعة ولا يجوز أن يكون المراد ( من أين شئتم ) كما فهم بعض الجهال فأباحوا إتيان المرأة في دبرها . قال القرطبي : " أنّى شئتم " معناه عند الجمهور من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة و ( أنّى ) تجيء سؤالاً وإخباراً عن أمر له جهات ، فهو أعم في اللغة من ( كيف ) ومن ( أين ) ومن ( متى ) هذا هو الاستعمال العربي في أنّى . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : كان اليهود يبالغون في التباعد عن المرأة حالة الحيض ، فلا يؤاكلونها ولا يشاربونها ولا يساكنونها في بيت واحد ، ويعتبرونها كأنها داءٌ أو رجس وقذر ، وكان النصارى يفرطون في التساهل فيجامعونهن ولا يبالون بالحيض ، فجاء الإسلام بالحدّ الوسط ( افعلوا كلّ شيء إلا النكاح ) وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية الغراء حيث أمر المسلمين بالاقتصاد بين الأمرين . اللطيفة الثانية : لفظ ( المحيض ) قد يكون اسماً للحيض نفسه ، وقد يكون اسماً لموضع الحيض كالمبيت والمقيل موضع البيتوتة وموضع القيلولة ، ولكن في الآية الكريمة ما يشير إلى أن المراد بالمحيض هو ( الحيض ) لأن الجواب ورد بقوله تعالى : { قُلْ هُوَ أَذًى } وذلك صفة لنفس الحيض لا للموضع الذي فيه . أفاده العلامة الجصاص . اللطيفة الثالثة : قال ابن العربي : " سمعت الشاشي في مجلس النظر يقول : إذا قيل : لا تَقْرَب ( بفتح الراء كان معناه : لا تَلْبَس بالفعل ، وإن كان بضم الراء كان معناه : لا تدن منه " فلما قال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } دلّ على أن المراد النهي عن ملابسة الفعل وهو إتيانهن في حالة الحيض . اللطيفة الرابعة : روى الطبري عن مجاهد أنه قال : " عرضتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عَرَضات ، من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها ، حتى انتهى إلى هذه الآية { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } فقال ابن عباس : إن هذا الحيّ من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ، ويتلذّذون بهن مقبلات ومدبرات ، فلمّا قدموا المدينة تزوجوا في الأنصار ، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بالنساء بمكة ، فأنكرن ذلك وقلن : هذا شيء لم نكن نؤتى عليه ، فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ذكره { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } إن شئت فمقبلة ، وإن شئت فمدبرة ، وإن شئت فباركة ، وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث " . اللطيفة الخامسة : شبّه الله المرأة بالحرث ، أي أنها مزرع ومنبت للولد كالأرض للنبات ، وهذا التشبيه يبيّن أن الإباحة لا تكون إلا في الفرج خاصة ، إذ هو مزرع الولد ، وقد أنشد ثعلب . @ إنما الأرحام أرضو ن لنا محترثات فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات @@ فجعل رحم المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات الخارج . الأحكام الشرعية الحكم الأول : ما الذي يجب اعتزاله من المرأة حالة الحيض ؟ اختلف أهل العلم فيما يجب اعتزاله من المرأة في حالة الحيض على أقوال : أ - الذي يجب اعتزاله جميع بدن المرأة ، وهو مروي عن ابن عباس وعبيدة السلماني . ب - الذي يجب اعتزاله ما بين السرة إلى الركبة ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك . جـ - الذي يجب اعتزاله موضع الأذى وهو الفرج فقط ، وهذا مذهب الشافعي . حجة المذهب الأول : أن الله أمر باعتزال النساء ، ولم يخصص من ذلك شيئاً دون شيء ، فوجب اعتزال جميع بدن المرأة لعموم الآية { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } . قال القرطبي : " وهذا قول شاذ خارج عن قول العلماء ، وإن كان عموم الآية يقتضيه فالسنة الثابتة بخلافة " . ب - حجة المذهب الثاني : واحتج أبو حنيفة ومالك بما روي عن عائشة قالت : " كنتُ أغتسل أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنبٌ ، وكان يأمرني فأتّزر فيباشرني وأنا حائض " وما روي عن عن ميمونة أنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهنّ حيّض " جـ - حجة المذهب الثالث : واحتج الإمام الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " وما روي عن مسروق قال : " سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً ؟ قالت : كلّ شيء إلاّ الجماع " وفي رواية أخرى : " إن مسروقاً ركب إلى عائشة فقال : السلام على النبي وعلى أهل بيته ، فقالت عائشة : أبو عائشة مرحباً فأذنوا له ، فقال : إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا استحي ، فقالت : إنما أنا أمك وأنت ابني ، فقال : ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ قالت : له كل شيء إلا فرجها " الترجيح : ومن استعراض الأدلة يترجح لدينا المذهب الثاني ، وهو الذي اختاره ابن جرير الطبري حيث قال : " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : إن للرجل من امرأته الحائض ما فوق المؤتزر ودونه " . والعلة أن السماح بالمباشرة فيما بين السرة إلى الركبة قد تؤدي إلى المحظور ، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، فالاحتياط أن نبعده عن منطقة الحظر وقد قالت عائشة رضي الله عنها بعد أن روت حديث المباشرة : وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه ؟ ومن جهةٍ أخرى إذا اجتمع حديثان أحدهما فيه الإباحة والثاني فيه الحظر ، قدّم ما فيه الحظر ، كما قال علماء الأصول والله أعلم . الحكم الثاني : ما هي كفارة من أتى امرأة وهي حائض ؟ أجمع العلماء على حرمة إتيان المرأة في حالة الحيض ، واختلفوا فيمن فعل ذلك ماذا يجب عليه ؟ فقال الجمهور : ( مالك والشافعي وأبو حنيفة ) : يستغفر الله ولا شيء عليه سوى التوبة والاستغفار . وقال أحمد : يتصدق بدينار أو نصف دينار ، لحديث ابن عباس " عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : يتصدق بدينار أو بنصف دينار " . وقال بعض أهل الحديث : إن وطئ في الدم فعليه دينار ، وإن وطئ في انقطاعه فنصف دينار . قال القرطبي : " حجة من لم يوجب عليه كفارة إلا الاستغفار والتوبة هذا الحديث عن ابن عباس ، وأن مثله لا تقوم به حجة ، وأن الذمة على البراءة " . الحكم الثالث : ما هي مدة الحيض ، وما هو أقله وأكثره ؟ اختلف الفقهاء في مدة الحيض ، ومقدار أقله وأكثره على أقوال : الأول : قال أبو حنيفة والثوري : أقله ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة . الثاني : وقال الشافعي وأحمد : أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً . الثالث : وقال مالك في المشهور عنه : لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره والعبرة بعادة النساء . حجة أبو حنيفة : حديث أبي أمامة ( أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام ) قال الجصاص : " فإن صحّ هذا الحديث فلا معدل عنه لأحد " . واحتج الشافعي بحديث : " تمكث إحداهنّ شطر عمرها لا تصلي ) والشطر في اللغة النصف ، فهذا يدل على أن الحيض قد يكون خمسة عشر يوماً . أقول : ليس في الآية ما يدل على أقل مدة الحيض ولا أكثره ، وإنما هو أمر اجتهادي يرجع فيه إلى كتب الفروع ، وتعرف الأدلة من الأخبار والآثار فارجع إليها هناك والله يتولاك . الحكم الرابع : متى يحل قربان المرأة ؟ دلّ قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } على أنه لا يحل للرجل قربان المرأة في حالة الحيض حتى تطهر ، وقد اختلف الفقهاء في الطهر ما هو ؟ أ - فذهب أبو حنيفة : إلى أن المراد بالطهر انقطاع الدم ، فإذا انقطع دم الحيض جاز للرجل أن يطأها قبل الغسل ، إلاّ أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو ( عشرة أيام ) جاز وطؤها قبل الغسل ، وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة . ب - وذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) إلى أن الطهر الذي يحل به الجماع ، هو تطهرها بالماء كطهور الجنب ، وأنها لا تحل حتى ينقطع الحيض وتغتسل بالماء . جـ - وذهب طاووس ومجاهد إلى أنه يكفي في حلّها أن تغسل فرجها وتتوضأ للصلاة . وسبب الخلاف : أن الله تعالى قال : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } الأولى بالتخفيف ، والثانية بالتشديد ، وكلمة ( طَهُر ) يستعمل فيما لا كسب فيه للإنسان وهو انقطاع دم الحيض ، وأمّا ( تطهّر ) فيستعمل فيما يكتسبه الإنسان بفعله وهو الاغتسال بالماء . فحمل أبو حنيفة : ( حتى يَطْهُرن ) على انقطاع دم الحيض ، وقوله : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } على معنى فإذا انقطع دم الحيض ، فاستعمل المشدّد بمعنى المخفّف . وقال الجمهور معنى الآية : " ولا تقربوهنّ حتّى يغتسلن ، فإذا اغتسلن فأتوهن " فاستعملوا المخفّف بمعنى المشدّد ، واستدلوا بقراءة حمزة والكسائي ( حتّى يطهّرَن ) بالتشديد في الموضعين . وقالوا : مما يدلّ على صحة قولنا أن الله عز وجل علّق الحكم فيها على شرطين : أحدهما : انقطاع الدم وهو قوله تعالى : ( حتى يطهُرْن ) أي ينقطع عنهن الدم . والثاني : الاغتسال بالماء ، وهو قوله تعالى : ( فإذا تطهّرن ) أي اغتسلن . فصار المجموع هو الغاية ، وهذا مثل قوله تعالى : { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [ النساء : 6 ] فعلّق الحكم وهو جاز دفع الماء على شرطين : أحدهما : بلوغ النكاح ، والثاني : إيناس الرشد ، فلا بدّ من توفرهما معاً . الترجيح : أقول ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح لأن الله تعالى قد علّل ذلك بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } وظاهر اللفظ يدل على أن المراد به الطهارة الحسية وهي الاغتسال بالماء . وهذا الذي رجحناه هو اختيار شيخ المفسّرين الطبري ، والعلاّمة ابن العربي والشوكاني والله تعالى أعلم . الحكم الخامس : ماذا يحرم على المرأة الحائض ؟ اتفق العلماء على أن المرأة الحائض يحرم عليها الصلاة ، والصيام ، والطواف ، ودخول المسجد ، ومسّ المصحف ، وقراءة القرآن ، ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تطهر ، وهذه الأحكام تعرف بالتفصيل من كتب الفقه ، والأدلة عليها معروفة وهناك أحكام أخرى ضربنا صفحاً عنها لأنها لا تستنبط من الآية والله أعلم . ما ترشد إليه الآيات الكريمة 1 - وجوب اعتزال المرأة في حالة المحيض حتى تطهر من حيضها . 2 - إباحة إتيان المرأة بعد انقطاع الدم والاغتسال بالماء . 3 - حرمة إتيان المرأة في الدبر لأنه ليس مكاناً للحرث . 4 - جواز الاستمتاع بشتى الصور بعد أن يكون في محل نبات الولد . 5 - التحذير من مخالفة أمر الله وارتكاب ما نهى عنه تعالى وحذّر . خاتمة البحث : حكمة التشريع جعل الله تبارك وتعالى مكاناً لنسل الرجل ، وأحلّ له إتيانها في جميع الأوقات إلا في بعض حالات تكون فيها المرأة متلبّسة بالعبادة كحالة الإحرام ، والاعتكاف ، والصيام ، أو في حالة الطمث ( الحيض ) ، وهي حالة تشبه المرض الحسيّ ، لأنها حالة إلقاء ( البويضة الأنثوية ) التي لم تلقّح من رحم المرأة ، وغالباً ما تصحبها الآلام وتكون المرأة غير مستعدة نفسياً لهذه المباشرة الجنسية ، التي يقصد بها استمتاع كلٍ من الزوجين بالآخر . ودم الحيض له رائحة كريهة بخلاف سائر الدماء ، وذلك لأنه من الفضلات التي تدفعها الطبيعة ، وهو دم فاسد ، أسود ، ثخين ، محتدم شديد الحمرة - كما يعرّفه الفقهاء - ورؤية الدم تنفر الطبع ، وتشمئز منها النفس ، فكيف إذا اجتمعت معه هذه الأوصاف الخبيثة ؟ ! فإتيان المرأة في مثل هذه الحالة ، فيه ضرر عظيم يلحق بالمرأة ، كما أن فيه ضرراً على الرجل أيضاً ، عبّر عنه القرآن الكريم الدقيق { قُلْ هُوَ أَذًى } وأيّ تعبير أبلغ من هذا التعبير المعجز ؟ ! وقد أثبت ( الطب الحديث ) الضرر الفادح الذي يلحق بالمرأة من جراء معاشرتها وإتيانها في حالة الطمث ، فكثيراً ما يختلط المني المقذوف من الرجل بهذه الدماء ، ويتولد عن ذلك إلتهابات في عنق الرحم ، أو في الرحم نفسه ، أو يتعرض الجنين إلى التشوه إن قدّر هناك حمل ، كما أن الرجل يتعرض لبعض الأضرار الجسمية ، ولهذا ينصح الأطباء بالابتعاد عن المرأة في حالة ( العادة الشهرية ) حتى تطهر من طمثها ، وفي ذلك أكبر برهان على حكمة الشريعة الغراء .