Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 101-107)

Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ 7 ] صلاة الخوف التحليل اللفظي { ضَرَبْتُمْ } : الضرب في الأرض السيرُ فيها قال تعالى : { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ } [ المزمل : 20 ] أي سافرون . { تَقْصُرُواْ } : القصر النقصُ وهو يحتمل النقص من عددها ، والنقص من صفتها وهيئتها . قال الراغب : قصر الصلاة جعلها قصيرة بترك بعض أركانها ترخيصاً . وقال أبو عبيد : فيها ثلاث لغات : قصَرتُ الصلاة ، وقصّرتها ، وأقْصَرتها ذكره القرطبي . { يَفْتِنَكُمُ } : الفتنة : الابتلاء والاختبار وتستعمل في الخير والشر قال تعالى : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] . قال الراغب : والفتنة كالبلاء يستعملان في الشدة والرخاء وهما في الشدة أظهر . { عَدُوّاً مُّبِيناً } : أي أعداء ظاهري العداوة . قال الطبرسي : " وإنما قال في الكافرين إنهم ( عدُوّ ) لأن لفظة فعول تقع على الواحد والجماعات " . { حِذْرَهُمْ } : الحِذْر بسكون الذال كالحَذر بفتحها معناه الاحتراز عن الشيء المخيف . قال في " اللسان " : الحِذْر والحَذر الخيفة ومن خاف شيئاً اتقاه بالاحتراس من أسبابه . قال الرازي : هما بمعنى واحد كالإِثْر والأثَر ، والمِثْل والمَثَل ، يقال : أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من الخوف . والمعنى احذروا واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم . { تَغْفُلُونَ } : الغفلة : سهوٌ يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ ، قاله الراغب . { جُنَاحٌ } : الجُناحُ : الإثم ، وهو من جنحت إذا عدلت عن المكان وأخذت جانباً عن القصد . { قَضَيْتُمُ } : فرغتم وانتهيتم ، وقيل : معناها أديتم قال تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ } [ الجمعة : 10 ] أي أديت . { ٱطْمَأْنَنتُمْ } : أمنتم وأصله السكون يقال : اطمأن القلب أي سكن ، والمراد إذا زال الخوف عنكم فأقيموا الصلاة على الحالة التي تعرفونها ، ويصح أن يكون المراد بالاطمئنان الإقامة . { كِتَٰباً مَّوْقُوتاً } : أي فرضاً محدوداً بأوقات لا يجوز التقديم أو التأخير فيها ، والتوقيت : التحديد بالوقت . قال ابن قتيبة : " موقوتاً أي موقّتاً يقال : وقِّته الله عليهم ووقَته أي جعله لأوقات معلومة ومنه { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } [ المرسلات : 11 ] . { تَهِنُواْ } : تضعفوا وتتوانوا من الوهن بمعنى الضعف { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } [ مريم : 4 ] . { ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } : أي في طلبهم ، يقال : ابتغى القوم أي طلبهم بالحرب ، والمراد بالقوم هنا الكفار . { تَأْلَمونَ } : الألم الوجع ، وهو من الأعراض التي تصيب الإنسان . قال في " الكشاف " : المعنى " ليس ما تكابدون من الألم بالجرح والقتل مختصاً بكم ، إنما هو أمر مشترك بينكم وبينهم ، يصيبهم كما يصيبكم ، ثم إنهم يصبرون عليه فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم مع أنكم أولى بالصبر منهم " . { وَتَرْجُونَ } : الرجاء معناه الأمل ، قال الزجّاج : هو إجماع أهل اللغة الموثوق بعلمهم . وقال الراغب : الرجاء ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرة ، ويأتي بمعنى الخوف قال الشاعر : @ إذا لسَعَتْه النَّحلُ لم يرجُ لسعها وحالفها في بيت نُوبٍ عوامل @@ { خَصِيماً } : الخصيم بمعنى المخاصم أي المنازع والمدافع ، والمعنى : لا تكن لأجل الخائنين مخاصماً للبريئين قاله الزمخشري . وقال الطبري : المعنى : " لا تكن لمن خان مسلماً أو معاهداً تخاصم عنه وتدافع عنه من طالبه بحقه الذي خانه " . { غَفُوراً رَّحِيماً } : أي كثير المغفرة والرحمة لأن ( فعولاً ) و ( فعيلاً ) من صيغ المبالغة . المعنى الإجمالي إذا سافرتم أيها المؤمنون وسرتم في الأرض للجهاد أو التجارة أو السياحة أو غير ذلك ، فليس عليكم حرج ولا إثم أن تقصروا من الصلاة المفروضة ، فتصلّوا الرباعية ركعتين ، لأن الإسلام دين اليسر والله تعالى يريد بكم اليسر ، ولا يريد بكم العسر ، وخاصة إذا خفتم على أنفسكم من فتنة الكافرين ، فهم أعداء مظهرون للعداوة ، لا يراقبون الله ولا يخشونه فيكم ، ولا يمنعهم فرصة اشتغالكم بمناجاة الله أن يقتلوكم ، لأنهم أعداء لكم في كل حين وزمان . وإذا كنت يا محمد مع أصحابك في الحرب ، وأردت أن تصلي بهم إماماً فاقسمهم طائفتين : طائفة تقف معك في الصلاة ، وطائفة أخرى تحرسك ومعهم أسلحتهم فإذا سجدت الطائفة الأولى وأدركوا ركعة فليتأخروا ولتتقدم الطائفة الأخرى التي كانت تتولى الحراسة فَلْيُصلوا معك كما فعل الذين من قبلهم ، ثم يتمموا صلاتهم . ثم أخبر تعالى بأن الكافرين يتمنون أن يصيبوا من المؤمنين غفلة ، حتى يأخذوهم على حين غرة ويحملوا عليهم حملة واحدة وهم مشغولون بالصلاة واضعون السلاح ، ولهذا أمر الله تعالى بأخذ الحذر والحيطة ، ثم أخبر بأنه لا إثم عليهم إن كانت بهم جراحات أو مرض وشق عليهم حمل السلاح أن يضعوا أسلحتهم مع أخذ الحذر الشديد من الأعداء ، فإذا قضى المؤمنون الصلاة وأتموها فعليهم أن يكثروا من ذكر الله في حالة القيام والقعود والاضطجاع ، فإذا ذهب عنهم الخوف واطمأنوا فليؤدوا الصلاة كما شرعها الله ، لأن الصلاة كانت على المؤمنين فرضاً محدوداً بأوقات ، ثابتة ثبوت الكتاب في اللوح . ثم أمر تعالى المؤمنين بألاّ يضعفوا عن قتال الكفار ، لأنهم يطلبون إحدى الحسنين : إما النصر والعزة ، وإما الشهادة والجنة ، وهم أحق بالثبات والصبر من المشركين . وختم الله تعالى هذه الآيات الكريمة بأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالحكم بين الناس بالحق والعدل الذي أعلمه به ، وألاّ يكون من أجل المنافقين خصيماً للبريئين ، وأن يستغفر الله من تحسين ظنه ببعض الناس الذين يتظاهرون بالتقى والدين وهم من المنافقين . " وجه الارتباط بالآيات السابقة " كان السياق في الآيات السابقة في أحكام الجهاد في سبيل الله ، ثم في أحكام الهجرة من الوطن ابتغاء مرضاة الله ، ولما كانت الصلاة فرضاً لازماً في كل حال ، لا تسقط في وقت القتال ، ولا في أثناء الهجرة ، ولا غيرها من أيام السفر ، ولكن قد تتعذر أو تتعسر في حالة الحرب والسفر لذلك وردت هذه الآيات الكريمة تبيّن طريقة الصلاة في حالة الخوف وتأمر بالمحافظة على الصلاة حتى في حالة لقاء العدو ، وقد رخص لهم القصر في حالة الخوف والسفر تيسيراً على العباد ، فناسب ذكر هذه الأحكام والله تعالى أعلم . سبب النزول أولاً : روى الإمام أحمد وأهل السنن عن أبي عيّاش الزّرقي قال : كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان ، فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد ، وهم بيننا وبين القبلة ، فصلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، فقالوا : لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ، ثم قالوا يأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم ، قال : فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ … } الآية . ثانياً : وروي أن ( طُعْمة بن أُبَيْرق ) سرق درعاً لقتادة بن النعمان ، وكان الدرع في جراب فيه دقيق ، فجعل الدقيق ينتشر من خرق في الجراب ، حتى انتهى إلى الدار ثم خبأها عند رجل من اليهود ، فالتمست الدرع عند طُعمة فلم توجد عنده ، وحلف مالي بها علمٌ ، فقال أصحابها : بلى والله لقد دخل علينا فأخذها ، وطلبنا أثره حتى دخل داره فرأينا أثر الدقيق ، فلما حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهود فأخذوه ، فقال : دفعها إليّ طعمة ، فقال قوم طعمة : انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليجادل عن صحابنا فإنه بريء ، فأتوه فكلّموه في ذلك فنزلت هذه الآيات { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : التعبير بقوله تعالى : { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ليس للشرط وإنما خرج الكلام مخرج الغالب ، إذ كان الغالب على المسلمين الخوف في الأسفار ، ولهذا قال ( يَعْلَى بن أمية ) لعمر رضي الله عنه : ما لنا نقصر وقد أمّنا ؟ فقال عمر : عجبتُ مما عجبتَ منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " صدقةٌ تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " . اللطيفة الثانية : أمر تعالى المجاهدين حين شروعهم بالصلاة بعدم طرح الأسلحة ، وعبّر عن ذلك بالأخذ ( وليأخذوا أسلحتهم ) للإيذان بالاعتناء بضرورة الحذر من الكافرين ، والتنبيه على ضرورة اليقظة وعدم التساهل في الأخذ بالأسباب . اللطيفة الثالثة : " روي أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا محارباً مع أصحابه ، فنزلوا وادياً ولا يرون من العدوّ أحداً ، فوضع الناس أسلحتهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة له ، فلما قطع طرف الوادي بصرَ به ( غورث بن الحارث ) فانحدر من الجبل ومعه السيف ، فلم يشعر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو قائم على رأسه يقول : قتلني الله إن لم أقتلك وقد سلّ سيفه من غمدة فقال يا محمد : من يعصمك منيّ الآن ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله عز وجل ، فأهوى بالسيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربه فزلقت رجله وسقط على الأرض ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف وقال : من يمنعك مني الآن يا غورث ؟ فقال : لا أحد ، كن خير آخذ فعفا عنه الرسول عليه السلام ، فرجع إلى قومه فقصّ عليهم قصته فآمن بعض قومه ودخلوا في الإسلام " . اللطيفة الرابعة : قوله تعالى : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } أي بما عرّفك وأعلمك وأوحى إليك ، سمي ذلك العلم بالرؤية لأن العلم اليقيني المبرأ عن جهات الريب يكون جارياً مجرى الرؤية في القوة والظهور . قال الزمخشري : كان عمر يقول : " لا يقولَّنّ أحدكم قضيتُ بما أراني الله ، فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولكن ليجتهد رأيه ، لأن الرأي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مصيباً ، لأن الله كان يريه إياه ، وهو منّا الظن والتكلف " . اللطيفة الخامسة : قال الرازي : واعلم أن في الآية تهديداً شديداً ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مال طبعه قليلاً إلى جانب طُعْمة ، وكان في علم الله أن ( طُعْمة ) كان فاسقاً ، فالله تعالى عاتب رسوله على ذلك القدر من إعانة المذنب ، فكيف حال من يعلم من الظالم كونه ظالماً ثم يعينه على ذلك الظلم ، بل يحمله عليه ويرغّبه فيه أشد الترغيب ؟ . اللطيفة السادسة : أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لا يدل على وقوع المعصية منه عليه السلام وإنما هو لزيادة حسناته ورفع مقامه ، قال القاضي عياض في " الشفا " : إن تصرف الأنبياء عليهم السلام بأمورٍ لم يُنهوا عنها ، ولا أُمروا بها ، ثم عوتبوا بسببها ، إنما هي ذنوب بالإضافة إلى عليّ منصبهم ، وإلى كمال طاعتهم ، لا أنها كذنوب غيرهم ومعاصيهم ، وأطال في هذا المقام وأطاب ، ثم قال : وأيضاً فإن في التوبة والاستغفار معنى لطيفاً أشار إليه بعض العلماء وهو : استدعاء محبة الله ، قال الله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة : 222 ] . الأحكام الشرعية الحكم الأول : قصر الصلاة في السفر . دل قوله تعالى : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ } على مشروعية قصر الصلاة في السفر لأن قوله { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } معناه إذا سافرتم في البلاد ، ولم يشرط الله تعالى أن يكون السفر للجهاد وإنما أطلق اللفظ ليعمّ كل سفر ، وقد استدل العلماء بهذه الآية على مشروعية ( قصر الصلاة ) للمسافر ثم اختلفوا هل القصر واجب أم رخصة على مذهبين : المذهب الأول : أن القصر رخصة فإن شاء قصر وإن شاء أتم ، وهو قول الشافعي وأحمد رحمهما الله . المذهب الثاني : أن القصر واجب وأن الركعتين هما تمام صلاة المسافر وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله . وقال مالك : إن أتمّ في السفر يعيد ما دام في الوقت ، والقصر عنده سنة وليس واجباً . دليل المذهب الأول : احتج الشافعية والحنابلة على عدم وجود القصر بأدلة نوجزها فيما يلي : أ - إن ظاهر قوله تعالى : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ } يشعر بعدم الوجوب ، لأن رفع الجناح يدل على الإباحة لا على الوجوب ، ولو كان القصر واجباً لجاء اللفظ بقوله : فعليكم أن تقصروا من الصلاة ، أو فاقصروا الصلاة . ب - ما روي أن عائشة اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة ، فلما قدمت مكة قالت يا رسول الله قصرتُ وأتممتُ ، وصمتُ وأفطرت ، فقال : أحسنتِ يا عائشة ولم يَعِبْ عليّ . جـ - وقالوا : إن عثمان كان يتم ويقصر ولم ينكر عليه أحد الصحابة فدل على أن القصر رخصة . د - وقالوا مما يدل على ما ذكرناه أن رخص السفر جاءت على التخيير كالصوم والإفطار ، فكذلك القصر . دليل المذهب الثاني : واستدل الحنفية على وجوب قصر الصلاة في السفر بأدلة نوجزها فيما يلي : أ - ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : صلاة السفر ركعتان تمامٌ غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم . ب - إن النبي صلى الله عليه وسلم التزم القصر في أسفاره كلها ، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافراً صلّى ركعتين حتى يرجع " . جـ - ما روي عن ( عمران بن حصين ) قال : " حججتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يصلي ركعتين حتى يرجع إلى المدينة ، وأقام بمكة ثماني عشرة لا يصلي إلا ركعتين ، وقال لأهل مكة : صلوا أربعاً فإنّا قوم سَفْرٌ " . د - وقال ابن عمر : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين ، وصحبت أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم في السفر فلم يزيدوا على ركعتين حتى قبضهم الله تعالى ، وقد قال الله تعالى : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] . هـ - وما روي عن عائشة الثابت في الصحيح " فرضت الصلاة ركعتين ، ركعتين ، فزيدت في الحضر وأُقرّت في السفر " . قالوا : فهذه هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجب اتباعه وقد قال عليه السلام : " صلوا كما رأيتموني أصلي " فلمّا صلىّ في السفر ركعتين دلّ على أنه هو المفروض . الحكم الثاني : السفر الذي يبيح قصر الصلاة . اختلف الفقهاء في السفر الذي يبيح قصر الصلاة ، فذهب بعضهم إلى أنه لا بدّ أن يكون ( سفر طاعة ) كالجهاد ، والحج ، والعمرة ، وطلب العلم أو غير ذلك أو أن يكون مباحاً كالتجارة ، والسياحة ، وغير ذلك وهذا هو مذهب ( الشافعية والحنابلة ) . وقال مالك : كل سفر مباح يجوز فيه قصر الصلاة ، فقد روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين ، فأمره أن يصلي ركعتين . قال ابن كثير هذا حديث مرسل . وقال أبو حنيفة والثوري وداود : يكفي مطلق السفر سواء كان مباحاً أو محظوراً ، حتى لو خرج لقطع الطريق وإخافة السبيل ، وحجتهم في ذلك أن القصر فرضٌ معيَّنٌ للسفر لحديث عائشة السابق " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فزيدت في الحضر وأقرت في السفر " ولم يخصّص القرآن سفراً دون سفر فكان مطلق السفر مبيحاً للقصر حتى ولو كان سفر معصية . قال ابن العربي في " أحكام القرآن " : " وأما من قال إنه يقصر في سفر المعصية فلأنها فرضٌ معيّن للسفر فقد بينّا في كتاب " التلخيص " فساده ، فإن الله سبحانه جعل في كتابه القصر تخفيفاً والتمام أصلاً ، والرّخَص لا تجوز في سفر المعصية كالمسح على الخفين " . أقول : ما ذهب إليه الجمهور من أن السفر المباح تقصر فيه الصلاة هو الأرجح لئلا نعينه على المعصية والله تعالى يقول : { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } [ المائدة : 2 ] . الحكم الثالث : ما هو مقدار السفر الذي تقصر فيه الصلاة ؟ 1 - ذهب أهل الظاهر إلى أن قليل السفر وكثيره سواء في جواز القصر . 2 - وذهب الشافعية والحنابلة والمالكية إلى أن أقله يومان ، مسيرة ستة عشر فرسخاً . 3 - وذهب الحنفية إلى أن أقله ثلاثة أيام ، مسيرة أربعة وعشرين فرسخاً . 4 - وقال الأوزاعي أقله مرحلة يوم ، مسيرة ثمانية فراسخ . وقد مرت هذه الأقوال في آية الصوم مع الأدلة فارجع إليها هناك . قال ابن العربي في الردّ على الظاهرية : " تلاعب قوم بالدين فقالوا : إنّ من خرج من البلد إلى ظاهره قصر الصلاة وأكل ، وقائل هذا أعجميّ لا يعرف السفر عند العرب ، أو مستخفّ بالدين ، ولولا أن العلماء ذكروه ما رضيت أن ألمحه بمؤخر عيني ، ولا أن أفكّر فيه بفضول قلبي ، وقد كان من تقدم من الصحبة يختلفون في تقديره ، فروي عن عمر ، وابن عمر ، وابن عباس أنهم كانوا يقدّرونه بيوم ، وعن ابن مسعود أنه كان يقدّره بثلاثة أيام ، يعلمهم بأن السفر كل خروج تُكلّف له وأدركت فيه المشقة " . الحكم الرابع : كيف تصلى صلاة الخوف ؟ ذهب الإمام أبو يوسف رحمه الله إلى أن ما اشتملت عليه الآية من الأحكام في صلاة الخوف ، كان خاصاً بالرسول عليه السلام مع الجيش ، أخذاً من ظاهر قوله تعالى : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ } . وذهب الجمهور إلى أن صلاة الخوف مشروعة ، لأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته ، وقد أمرنا باتباعه والتأسي به ، والأئمة هم خلفاؤه من بعده يقيمون شريعته وملته ، فلا موجب للقول بالخصوصية . ثم اختلفوا في كيفية الصلاة على أقوال عديدة حسب اختلاف الروايات عن رسول الله عليه الصلاة والسلام . قال في " المغني " : " ويجوز أن يصلي صلاة الخوف على كل صفة صلاّها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحمد : كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز " وقد اختار الإمام أحمد حديث ( سهل بن أبي حثمة ) وقد رواه الجماعة ولفظه عند مسلم كما يلي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف ، فصفهم خلفه صفين ، فصلى بالذين يلونه ركعة ، ثم قام فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفهم ركعة ، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلّم " ما ترشد إليه الآيات الكريمة 1 - قصر الصلاة في السفر وفي الخوف مع الإمام وغيره . 2 - وجوب الاستعداد وأخذ الحيطة والحذر من الأعداء . 3 - الصلاة لها أوقات محدودة فلا يباح الإخلال بها . 4 - ضرورة الصبر وعدم الوهن والجزع من مجابهة الأعداء .