Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 5-10)

Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ 2 ] رعاية الإسلام لأموال الأيتام التحليل اللفظي { ٱلسُّفَهَآءَ } : أصل السفه في اللغة الخفة والحركة ، يقال : تسفهت الريح الشجر إذا أمالته ، ورجل سفيه إذا كان ناقص التفكير خفيف الحلم ، والمراد به هنا الذي لا يحسن التصرف في ماله ، أو يبذره في غير الطرق المشروعة . قال في " الكشاف " : " السفهاء المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا يد لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها " . { قِيَٰماً } : أي به معاشكم وقوام حياتكم . قال ابن قتيبة : قياماً وقواماً بمنزلة واحدة تقول : هذا قوام أمرك وقيامه أي ما يقوم به أمرك . { وَٱبْتَلُواْ } : الابتلاء : الاختبار أي اختبروا عقولهم وتصرفهم في أموالهم . { آنَسْتُمْ } : أي علمتم وقيل : رأيتم ، وأصل الإيناس : الإبصار ومنه قوله تعالى : { آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } [ القصص : 29 ] قال الأزهري : تقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحداً ؟ أي تبصّر . { رُشْداً } : الرشد الاهتداء إلى وجوه الخير ، والمراد به هنا الاهتداء إلى حفظ الأموال . { إِسْرَافاً } : الإسراف مجاوزة الحد والإفراط في الشيء ، والسرف التبذير . { وَبِدَاراً } : معناه مبادرة أي مسارعة ، والمراد أن يسارع في أكل مال اليتيم خشية أن يكبر فيطالبه به . { فَلْيَسْتَعْفِفْ } : استعفّ عن الشيء كفّ عنه وتركه ، وهو أبلغ من ( عفّ ) كأنه طلب زيادة العفة . { حَسِيباً } : أي محاسباً لأعمالكم ومجازياً لكم عليها . قال الأزهري : يحتمل أن يكون الحسيب بمعنى المحاسب ، وأن يكون بمعنى الكافي ، ومن الثاني قولهم : حسبك الله أي كافيك الله . قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنفال : 64 ] . { ٱلْقِسْمَةَ } : المراد بالقسمة في الآية قسمة التركة بين المستحقين من الأقرباء . { أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } : المراد بهم الأقرباء الذين لا يرثون لكونهم محجوبين ، أو لكونهم من ذوي الأرحام . { قَوْلاً مَّعْرُوفاً } : أي قولاً طيباً لطيفاً فيه نوع من الاعتذار ، وتطييب الخاطر ، قال سعيد بن جبير : يقول الولي للقريب : خذ بارك الله فيك ، إني لست أملك هذا المال إنما هو للصغار . { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } : أي سيدخلون ويذوقون ناراً حامية مستعرة يصطلي الإنسان بحرّها ولهبها . المعنى الإجمالي نهى الله سبحانه وتعالى الأولياء عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال ، التي جعلها الله للناس قياماً ، تقوم بها حياتهم ومعايشهم ، وأمر بالإنفاق عليهم بشتى أنواع الإنفاق من الكسوة والإطعام وسائر الحاجات ، كما أمر تعالى باختبار اليتامى حتى إذا رأوا منهم صلاحاً في الدين ، وحفظاً للأموال ، فعلى الأوصياء أن يدفعوا إليهم أموالهم من غير تأخير ، وعليهم ألاّ يبذّروها ويفرطوا في انفاقها ، ويقولوا : ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا ، فمن كان غنياً فليكفّ عن مال اليتيم ، ومن كان فقيراً فليأكل بقدر الحاجة ، فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم لئلا يجحدوا تسلمها وكفى بالله محاسباً ورقيباً . ثم بيّن تعالى أن للرجال نصيباً من تركة أقربائهم ، كما للنساء ، فرضها الله لهم بشرعه العادل وكتابه المبين ، وأمر بإعطاء أولي القربى واليتامى والمساكين من غير الوارثين شيئاً من هذه التركة تطييباً لخاطرهم وإحساناً إليهم . ثم حذَّر تعالى الأوصياء من الظلم للأيتام الذين جعلهم الله تحت رعايتهم ووصايتهم ، وأمرهم بالإحسان إليهم ، فكما يخشى الإنسان على أولاده الصغار الضعاف بعد موته ، عليه أن يتقي الله في هؤلاء الأيتام فكأنه تعالى يقول : افعلوا باليتامى ، كما تحبون أن يفعل بأولادكم من بعدكم . ثم ختم تعالى الآيات ببيان جزاء الظالمين الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً وعدواناً ، وبيّن أنهم إنما يأكلون ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة ، وسيدخلون السعير وهي نار جهنم المستعرة أعاذنا الله منها . سبب النزول أولاً : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ، ولا الولدان الصغار شيئاً ، ويجعلون الميراث للرجال الكبار فأنزل الله { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ … } الآية . ثانياً : وروي عن ابن عباس أنه قال : " كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار الذكور حتى يدركوا ، فمات رجل من الأنصار يقال له : ( أوس بن ثابت ) وترك ابنتين وابناً صغيراً فجاء ابنا عمه فأخذوا ميراثه كله . فقالت امرأته لهما تزوجا بهما - وكان بهما دمامة - فأبيا فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فنزلت الآية : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إليهما فقال لهما : لا تحركا من الميراث شيئاً فقد أخبرت أن للذكر والأنثى نصيباً ، ثم نزل قوله تعالى : { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ } [ النساء : 11 ] . وجوه القراءات 1 - قرأ الجمهور { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً } ، وقرأ نافع وأهل المدينة ( قِيَماً ) بدون ألف . 2 - قرأ الجمهور { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } بضم الراء ، وقرأ السلمي ( رَشَداً ) بفتح الراء والشين . 3 - قرأ الجمهور { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } وقرأ ابن عامر وعاصم ( وسَيُصْلُون ) بالبناء للمجهول . وجوه الإعراب أولاً : قوله تعالى : { إِسْرَافاً وَبِدَاراً } مفعول لأجله ويجوز أن تعرب حالاً أي لا تأكلوها مسرفين ومبادرين كبرهم ، وقوله ( أن يكبروا ) في محل نصب بـ ( بداراً ) . ثانياً : قوله تعالى : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } الباء زائدة ولفظ الجلالة فاعل و ( حسيباً ) تمييز . ثالثاً : قوله تعالى : { نَصِيباً مَّفْرُوضاً } نصيباً منصوب على المصدر و ( مفروضاً ) صفة له . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : أضاف أموال اليتامى إلى الأوصياء مع أنها أموال اليتامى للتنبيه إلى التكافل بين أفراد الأمة ، والحث على حفظ الأموال وعدم تضييعها ، فإن تبذير السفيه للمال فيه مضرة للمجتمع ، وهو كقوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } [ النساء : 29 ] عبّر عن قتل الغير بقتل النفس لهذه الرابطة بين أفراد المجتمع . قال الفخر الرازي : " المال شيء ينتفع به نوع الإنسان ويحتاج إليه ، فلأجل هذه ( الوحدة النوعية ) حسنت إضافة أموال السفهاء إلى الأولياء " . اللطيفة الثانية : لمّا كان المال سبباً لبقاء الإنسان وقيام شؤون حياته ومعاشه ، سمّاه تعالى بالقيام إطلاقاً لاسم ( المسبَّب ) على ( السبب ) على سبيل المبالغة . ولهذا كان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن ، ولأن أترك مالاً يحاسبني الله عليه خيرٌ من أن أحتاج إلى الناس . اللطيفة الثالثة : قال صاحب " الكشاف " : " الفائدة في تنكير الرشد التنبيه على أن المعتبر هو الرشد في التصرف والتجارة ، أو على أن المعتبر هو حصول طرفٍ من الرشد ، وظهور أثر من آثاره حتى لا ينتظر به تمام الرشد " . اللطيفة الرابعة : لفظ ( استعفّ ) أبلغ من ( عفّ ) كأنه يطلب زيادة العفة قاله أبو السعود . وفي لفظ الاستعفاف ، والأكل بالمعروف ، ما يدل على أن للوصي حقاً لقيامه بتدبير مال اليتيم ، وقد روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : " إنّ في حجْري يتيماً أفآكل من ماله ؟ قال : بالمعروف ، غير متأثل مالاً ، ولا واقٍ مالك بماله ، قال : أفأضربه ؟ قال : ممّا كنت ضارباً منه ولدك " . اللطيفة الخامسة : في اختيار هذا الأسلوب التفصيلي ، مع أنه كان يكفي أن يقول : للرجال والنساء نصيبُ مما ترك الوالدان والأقربون … إلخ للاعتناء بأمر النساء ، والإيذان بآصالتهن في استحقاق الإرث ، والمبالغة في إبطال حكم الجاهلية ، فإنهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال ويقولون : كيف نعطي المال من لا يركب فرساً ، ولا يحمل سلاحاً ، ولا يقاتل عدواً ؟ فلهذا فصّل الله تعالى الحكم بطريق ( الإطناب ) فتدبر أسرار الكتاب المجيد . اللطيفة السادسة : ذكر البطون مع أن الأكل لا يكون إلا فيها للتأكيد والمبالغة ، فهو كقول القائل : أبصرتُ بعيني ، وسمعتُ بأذني وكقوله تعالى : { وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] وقوله : { ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } [ الأحزاب : 4 ] وقوله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] والغرض من كل ذلك التأكيد والمبالغة ، وفي الآية أيضاً تشنيع على آكل مال اليتيم حيث صرف المال في أخس الأشياء . اللطيفة السابعة : قال القرطبي : " سمي المأكول ناراً باعتبار ما يؤول إليه كقوله تعالى : { إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً } [ يوسف : 36 ] أي عنباً يؤول إلى الخمر ، وقيل : المراد بالنار الحرام لأن الحرام يوجب النار فسمّاه الله تعالى باسمه " . اللطيفة الثامنة : قال الفخر الرازي : " وما أشد دلالة هذا الوعيد { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } على سعة رحمته تعالى وكثرة عفوه وفضله ، لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى ، وذلك كله من رحمة الله تعالى باليتامى " . الأحكام الشرعية الحكم الأول : ما المراد بالسفهاء في الآية الكريمة ؟ اختلف المفسرون في المراد بالسفهاء في الآية الكريمة ، فقال بعضهم : المراد به الصبيان والأولاد الصغار الذين لم يكتمل رشدهم وهو منقول عن الزهري وابن زيد . وقال بعضهم : المراد به النساء المسرفات سواءً كنّ أزواجاً أو أمهات أو بنات وهو منقول عن مجاهد والضحاك . وقيل : المراد به النساء والصبيان وهو قول الحسن وقتادة وابن عباس . وقال آخرون : المراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال ، ويدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفاً بهذه الصفة ، وهذا القول أصح وهو اختيار الطبري لأن اللفظ عام والتخصيص بغير دليل لا يجوز . قال الطبري : " إن الله جل ثناؤه عمّم ، فلم يخص سفيهاً دون سفيه ، فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله ، صبياً صغيراً كان ، أو رجلاً كبيراً ، ذكراً كان أو أنثى ، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله ، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله ، وفساده وإفساده ، وسوء تدبيره " . الحكم الثاني : هل يحجر على السفيه ؟ استدل الفقهاء بهذه الآية الكريمة على وجوب ( الحجر على السفيه ) لأنّ الله تعالى نهانا عن تسليم السفهاء أموالهم حتى نأنس منهم الرشد ، ويبلغوا سنّ الاحتلام . والحجر على أنواع : فتارة يكون ( الحجر للصغر ) فإن الصغر قاصر النظر مسلوب العبارة . وتارة يكون ( الحجر للجنون ) فإن المجنون فاقد الأهلية في العقود لعدم العقل . وتارة يكون ( الحجر للسفه ) كالذي يبذّر المال ، أو يسيء التصرف في ماله لنقض عقله ودينه . وتارة يكون ( الحجر للإفلاس ) كالذي تحيط الديون به ويضيق ماله عن وفائها ، فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه ، فكل هؤلاء يحجر عليهم للأسباب التي ذكرناها . وقد اتفق الفقهاء على أن الصغير لا يدفع إليه ماله حتى يبلغ سنّ الاحتلام ، ويؤنس منه الرشد لقوله تعالى : { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } فقد شرطت الآية شرطين : الأول : البلوغ ، والثاني : الرشد وهو حسن التصرف في المال ، وقال الشافعي : لا بدّ أن ينضم الصلاح في الدين ، مع حسن الصلاح في المال ، فالفاسق يحجر عليه عند الشافعي خلافاً لأبي حنيفة . وسبب الخلاف يرجع إلى معنى ( الرشد ) وقد نقل ابن جرير أقوال السلف في تفسير الرشد كقول مجاهد هو ( العقل ) وقول قتادة هو الصلاح في ( العقل والدين ) وقول ابن عباس هو ( الصلاح في الأموال ) ثم قال : " وأولى هذه الأقوال عندي في معنى الرشد ( العقل وإصلاح المال ) لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله ، وحوز ما في يده عنه وإن كان فاجراً في دينه " . أقول : ليس كل فاسق يحجر عليه لأن في الحجر إهداراً للكرامة الإنسانية ، وإنما يقال : إذا كان فسقه ممّا يتناول الأموال المالية ، كإتلاف المال بالإسراف في الخمور والفجور وجب الحجر عليه ، وإن كان يتعلق بأمر الدين خاصة كالفطر في رمضان مثلاً فلا يجب الحجر ، وهذا هو نفس ما رجحه شيخ المفسرين الطبري وأرشدت إليه الآية الكريمة بطريق الإشارة ، حيث جاء لفظ الرشد منكّراً ، { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } أي نوعاً من الرشد وهو حسن التصرف في أمور المال ، ولم يأت معرفاً والمقصود الأكبر في هذا الباب إنما هو الرشد الذي ينافي الإسراف في المال ، فما اختاره ابن جرير قوي من هذه الوجهة والله أعلم . الحكم الثالث : هل يحجر على الكبير ؟ ذهب جمهور العلماء إلى أن الكبير يحجر عليه كما يحجر على الصغير إذا كان سفيهاً . وذهب أبو حنيفة إلى أن من بلغ خمساً وعشرين سنة سلّم له ماله سواءً كان رشيداً أو غير رشيد . قال العلامة القرطبي : " واختلفوا في الحجر على الكبير ، فقال مالك وجمهور الفقهاء يحجر عليه ، وقال أبو حنيفة : لا يحجر على من بلغ عاقلاً إلاّ أن يكون مفسداً لماله ، فإذا كان كذلك منع من تسليم المال إليه حتى يبلغ خمساً وعشرين سنة ، فإذا بلغها سلم إليه بكل حال ، سواء كان مفسداً أو غير مفسد لأنه يصير جَدّاً ، وأنا أستحيي أن أحجر على من يصلح أن يكون جداً " . أقول : الصحيح ما ذهب إليه الجمهور ، وهو مذهب الصاحبين ( أبي يوسف ومحمد ) أيضاً ، ولا عبرة بكبر السن فرب رجل يبلغ الخمسين من العمر وهو سفيه الحلم يسرف ماله ويبذره فيجب الحجر عليه ، وذلك أن الصبي إنما منع من ماله لفقد العقل الهادي إلى حفظ المال ، وكيفية الانتفاع به ، فإذا كان هذا المعنى قائماً بالشيخ والشاب ، كانا في حكم الصبي فوجب أن يمنع دفع المال إليه ما لم يؤنس منه الرشد لظاهر الآية الكريمة . وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : " إن الرجل لتنبت لحيته ويشيب وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء فيها " . الحكم الرابع : هل يباح للوصي أن يأكل من مال اليتيم ؟ دلّ قوله تعالى : { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } على أن للوصي أن يأكل من مال اليتيم إذا كان فقيراً بمقدار الحاجة من غير إسراف ، وإذا كان غنياً وجب عليه أن يتعفف عن مال اليتيم ، ويقنع بما رزقه الله من الغنى ، وقد اتفق العلماء على جواز أخذ قدر الكفاية بالمعروف عند الحاجة واختلفوا هل عليه الضمان إذا أيسر ؟ فذهب بعضهم إلى أنه لا ضمان عليه لأن الله تعالى أباح له الأكل بالمعروف فكان هذا مثل الأجرة ، وهذا مروي عن الإمام أحمد رحمه الله . وذهب آخرون إلى وجوب الضمان واستدلوا بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " ألا إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة الولي من مال اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن افتقرت أكلت بالمعروف ، فإذا أيسرتُ قضيت " . وقال الحنفية فيما رواه الجصاص عنهم أنه لا يأخذ على سبيل القرض ، ولا على سبيل الابتداء سواءً كان غنياً أو فقيراً ، واحتجوا بعموم الآيات { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } [ النساء : 2 ] ، { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ } ، { وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } [ النساء : 127 ] { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } [ البقرة : 188 ] . قال الجصاص فهذه محكمة حاصرة لمال اليتيم على وصيّه ، وقوله : { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } متشابه محتمل فوجب رده إلى تلك المحكمات . وروي عن ابن عباس أنه قال : { وَمَن كَانَ فَقِيراً } الآية نسختها { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً } إلخ . الترجيح : وقد رجح الطبري القول الأول وهو جواز الأخذ على وجه الاستقراض حيث قال : " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال { فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } المراد أكل مال اليتيم عند الضرورة والحاجة إليه ، على وجه الاستقراض منه فأما على غير ذلك الوجه فغير جائز له أكله " . أقول : ولعلَّ هذا القول أرجح ، لأنه جمع بين النصوص والله أعلم . ما ترشد إليه الآيات الكريمة 1 - وجوب الحجر على السفهاء حتى يتبيّن رشدهم وإصلاحهم للأموال . 2 - الانفاق على المحجور عليه بالطعام والكسوة وسائر وجوه الإنفاق . 3 - اختبار حال الأيتام عند البلوغ قبل تسليمهم المال لمعرفة دلائل الرشد . 4 - ضرورة الإشهاد عند تسليم اليتامى أموالهم خشية الجحود والإنكار . 5 - تقرير الإسلام لمبدأ الميراث وجعله حقاً للذكور والإناث في مال الأقرباء . 6 - وجوب الإحسان إلى اليتامى والخشية عليهم كما يخشى الإنسان على أولاده من بعده . 7 - الإعتداء على أموال اليتامى من الكبائر التي توجب عذاب النار .