Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 19-24)

Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ 3 ] المحرمات من النساء التحليل اللفظي { كَرْهاً } : الكَره بفتح الكاف بمعنى الإكراه يقال : افعل هذا طوعاً أو كَرْهاً ، وبضم الكاف ( كُرْهاً ) بمعنى المشقة قال تعالى { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } [ الأحقاف : 15 ] . قال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد . وقال الفراء : الكَرْهُ بالفتح الإكراه ، وبالضم المشقة ، فما أكره عليه فهو ( كَرْه ) بالفتح ، وما كان من قبل نفسه فهو ( كُره ) بالضم . { تَعْضُلُوهُنَّ } : العضل في اللغة : المنع ومنه الداء العضال ، وقد تقدم بيانه بالتفصيل . { قِنْطَاراً } : القنطار المال الكثير ، وهو تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة . { بُهْتَاناً } : البهتانُ الكذب الذي يتحير منه صاحبه ثم صار يطلق على الباطل . { أَفْضَىٰ } : أي وصل ، وأصله من الفضاء الذي هو السعة . قال في " اللسان " : وأفضى فلان إلى فلان وصل إليه ، وأصله أنه صار في فرجته وفضائه ، والفضاء المكان الواسع من الأرض . وقال الجوهري : أفضى الرجل إلى امرأته باشرها وجامعها وقال الفراء : الإفضاء الخلوة وإن لم يجامعها . قال ابن عباس : الإفضاء في هذه الآية الجماع ولكنّ الله كريم يكني . { مِّيثَاقاً غَلِيظاً } : أي عهداً شديداً مؤكداً ، وهو عقد النكاح الذي ربط الزوجين برباط شرعي مقدس . { سَلَفَ } : أي مضى وانقضى ، والسلفُ من تقدم من الآباء وذوي القربى . { فَاحِشَةً } : الفاحشة في اللغة : النهاية في القبح سميت فاحشة لأنها تناهت في القبح والشناعة . { وَمَقْتاً } : أصل المقت : البغضُ من مقته إذا أبغضه . قال الراغب : المقت البغض الشديد لمن تعاطى القبح ، وكان يسمى تزوجُ الرجل امرأة أبيه ( نكاح المقت ) . { وَرَبَائِبُكُمُ } : جمع ربيبة وهي بنت المرأة من زوج آخر ، سميت بذلك لأنها تتربى في حجر الزوج فهي مربوبة ، فعيلة بمعنى ( مفعولة ) . قال الرازي : الربيبة بنت امرأة الزوج من غيره ومعناها مربوبة لأن الرجل هو الذي يقوم بتربيتها . { حُجُورِكُمْ } : الحَجِرّ بالفتح والكسر : الحضن وهو مكان ما يحجره الإنسان ويحوطه بين عضديه وساعديه ، ويقال فلان في حَجْر فلان أي في كنفه ورعايته وفي تربيته ، والسبب في هذه الاستعارة أنّ كل من ربي طفلاً أجلسه في حجره ، فصار الحجر عبارة عن التربية كما يقال : فلان في حضانة فلان ، وأصله من الحضن . { دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } : قال في " القاموس " : " ودخل بامرأته كناية عن الجماع ، وغلب استعماله في الوطء الحلال ، والمرأة مدخول بها ، ومنه الدخلة ليلة الزفاف " . { وَحَلَٰئِلُ } : أي زوجات جمع حليلة سميت بذلك لأنها تحل لزوجها ويحل لها فكلٌ منهما حلال للآخر ، ويقال للزوج : حليل . { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ } : يعني ذوات الأزواج ، وأصل الإحصان في اللغة المنع ، والحَصَان بالفتح المرأة العفيفة قال تعالى : { وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } [ الأنبياء : 91 ] وستأتي معاني الإحصان في سورة النور إن شاء الله . { مُّحْصِنِينَ } : أي متعففين عن الزنى . { مُسَٰفِحِينَ } : السفاح والمسافحة الفجور ، وأصله في اللغة من السفح وهو الصب ، قال تعالى { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } [ الأنعام : 145 ] ويقال : فلان سفّاح أي سفاك للدماء ، وسمى الزنى سفاحاً لأنه لا غرض للزاني إلا سفح النطفة . المعنى الإجمالي يقول الله جل ثناؤه ما معناه : يا أيها المؤمنون لا يحل لكم أن ترثوا نكاح النساء على كره منهن ، ولا أن تمنعوهن من الزواج بعد تطليقكم لهن ، أو تضيقوا عليهن حتى تذهبوا ببعض ما آتيتموهن من ميراث أو صداق ، إلاّ إذا أتين بفاحشة من الفواحش كالبذاءة باللسان ، والنشوز على الزوج ، والوقوع في المنكرات كالزنى وغيره فلكم حينئذٍ أن تعضلوهن حتى يفتدين أنفسهن منكم ، لأن الله لا يحب الظلم أياً كان مصدره . ثم أمر تعالى بحسن الصحبة والمعاشرة للأزواج بالمعروف ، فإذا كره الرجل زوجته فليصبر عليها ، وليستمرّ في إحسانه إليها ، فعسى أن يرزقه الله منها ولداً تقر به عينه ، وعسى أن يكون في هذا الشيء المكروه الخير الكثير ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون . وإن أردتم أيها المؤمنون نكاح امرأة مكان امرأة طلقتموها ، وكنتم قد أعطيتم المطلّقة مهراً كبيراً يبلغ قنطاراً ، فلا تأخذوا منه شيئاً ، أتأخذونه ظلماً وعدواناً ؟ وكيف يباح لكم أخذه وقد استمتعتم بهن بالمعاشرة الزوجية ، وبالاتصال الجنسي ( الجماع ) واستحللتم فروجهن بكلمة الله ( عقد النكاح ) فكيف تأخذون ما دفعتم لهن من المهور بعد هذا الميثاق ؟ ثم بين تعالى ما يحرم على الرجال نكاحهن من المحارم ، وهنّ ( المحرمات من النساء ) فبدأ بحلائل الآباء ، وأبطل ما كان العرب يفعلونه في جاهليتهم من نكاح الولد لزوجة أبيه ، لأنه أمر قبيح قد تناهى في القبح والشناعة ، وبلغ الذروة العليا في الفظاعة والبشاعة ، إذ كيف يليق بالإنسان أن يتزوج امرأة أبيه وأن يعلوها بعد وفاته وهي مثل أمه ؟ ثم عدّد تعالى المحرمات بالنسب وهن ( الأمهات ، والبنات ، والأخوات ، والعمات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت ) والمحرمات من الرضاعة وذكر منهن ( الأمهات والأخوات ) والمحرمات بالمصاهرة وهن ( أم الزوجة ، وبنت الزوجة ، وزوجة الابن ، والجمع بين الأختين ) وأحل ما سوى ذلك من النساء كما سنوضحه بالتفصيل عند ذكر الأحكام إن شاء الله تعالى . وجه الارتباط بالآيات السابقة في الآيات السابقة من أول سورة النساء نهى الله جل ثناؤه عن كثير من عادات الجاهلية في أمر اليتامى والأموال ونكاح اليتيمات من غير صداق ، وعن الظلم الذي كانوا عليه في أمر الميراث حيث كانوا يحرمون المرأة والصغير من الميراث بحجة أن هؤلاء لا يستطيعون الذود عن العشيرة ، ولا حمل السلاح إلى آخر ما هنالك من مظالم اجتماعية ، وقد جاءت هذه الآيات الكريمة لبيان نوع آخر من الظلم كانت تتعرض له النساء في الجاهلية وهو اعتبارهن كالمتاع ينتقل بالإرث من إنسان إلى آخر ، فقد كانوا يرثون زوجة من يموت منهم كما يرثون ماله ، فحرّم الله ذلك وأمر بإحسان معاشرتهن وصحبتهن ، ودعا إلى إنصافهن من ذلك الظلم الصارخ والعدوان المبين . سبب النزول أولاً : روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : كان أهل الجاهلية إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } . ثانياً : وروي أنّ أهل الجاهلية كانوا إذا مات الرجل ، جاء ابنه من غيرها أو وليه فورث امرأته كما يرث ماله ، وألقى عليها ثوباً ، فإن شاء تزوجها بالصداق الأول ، وإن شاء زوّجها غيره وأخذ صداقها فنهوا عن ذلك ونزل { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } . ثالثاً : وروي أن ( أبا قيس بن الأسلت ) لما توفي خطب ابنه ( قيس ) امرأته فقالت : إنما أعدّك ولداً وأنت من صالحي قومك ، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأمره ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه وقالت : إنما كنت أعده ولداً فما ترى ؟ فقال لها : ارجعي إلى بيتك ، فنزلت هذه الآية { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } الآية . وجوه القراءات 1 - قرأ الجمهور { أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } بفتح الكاف ، وقرأ حمزة والكسائي ( كُرْهاً ) بضمها . 2 - قرأ الجمهور { بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } بكسر الياء ، وقرأ ابن كثير وعاصم ( مبيَّنة ) بفتح الياء . 3 - قرأ أهل الكوفة وأبو جعفر { وَأُحِلَّ لَكُمْ } بالضم وكسر الحاء ، وقرأ الباقون بفتح الهمزة والحاء . وجوه الإعراب أولاً : قوله تعالى : { أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } أن ترثوا في موضع رفع فاعل يحل و ( كرهاً ) مصدر في موضع نصب على الحال من المفعول والتقدير : لا يحل لكم إرث النساء مكرهاتٍ . ثانياً : قوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ } استثناء منقطع وقيل هو استثناء متصل تقديره : ولا تعضلوهن في حال من الأحوال إلا في حال إتيانهن بفاحشة مبينة . ثالثاً : قوله تعالى : { بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } المصدران منصوبان على الحال بتأويل الوصف أي أتأخذونه باهتين وآثمين و ( مبيناً ) صفة منصوب . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : التعليل في قوله تعالى : { فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } إطماع للأزواج بالصبر على نسائهن وحسن معاشرتهن حتى في حالة الكراهية لهن ، فربّ شيء تكرهه النفس يكون فيه الخير العظيم ، وقد أرشدت الآية إلى قاعدة عامة لا في النساء خاصة بل في جميع الأشياء ، وهذا هو السر في قوله : { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً } ولم يقل : وعسى أن تكرهوا امرأة مع أن الوصية في الآية حول الإحسان إلى النساء ، فتدبره فإنه دقيق . اللطيفة الثانية : كنى الله عز وجل عن الجماع بلفظ الإفضاء { وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } وهي كناية لطيفة مثل ( الملامسة ، والمماسة ، والقربان ، والغشيان ) وكلها كنايات عن الجماع ، وفي ذلك تعليم للأمة الأدب الرفيع ليتخلقوا بأخلاق القرآن قال ابن عباس : " الإفضاء في هذه الآية الجماع ولكنّ الله كريم يكني " والكناية إنما تكون فيم لا يحسن التصريح به . اللطيفة الثالثة : قال القرطبي : " خطب عمر رضي الله عنه فقال : أيها الناس لا تغالوا في صدقات النساء ( مهورهن ) فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا ، أو تقوى عند الله ، لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق امرأة من نسائه ولا أحداً من بناته فوق اثنتي عشرة أوقية ، فقامت إليه امرأة فقالت : يا عمر ، يعطينا الله وتحرمنا ؟ يقول الله سبحانه وتعالى { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً } فقال رضي الله عنه : أصابت امرأة وأخطأ عمر ، كلّ الناس أفقه منك يا عمر وترك الإنكار " . اللطيفة الرابعة : قال صاحب " الكشاف " : " الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة ، ووصفه بالغلظة لقوته وعظمته ، فقد قالوا : صحبة عشرين يوماً قرابة ، فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج … " قال الشهاب الخفاجي : بل صحبة يوم قرابة وقد قالوا : @ صحبةُ يوم نسبٌ قريبُ وذمةٌ يعرفها اللبيبُ @@ اللطيفة الخامسة : قال الرازي : " مراتب القبح ثلاثة ، القبح في العقول ، وفي الشرائع ، وفي العادات ، فقوله ( إنه كان فاحشة ) إشارة إلى القبح العقلي ، وقوله ( مقتاً ) إشارة إلى القبح الشرعي ، وقوله ( وساء سبيلاً ) إشارة إلى القبح في العرف والعادة ، ومتى اجتمعت فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح " . الأحكام الشرعية الحكم الأول : ما هو مقدار المهر المفروض في الشريعة الإسلامية ؟ المهر في الشريعة الإسلامية هبة وعطية ، وليس له قدر محدّد ، إذ الناس يختلفون في الغنى والفقر ، ويتفاوتون في السعة والضيق ، فتركت الشريعة التحديد ليعطي كل واحد على قدر طاقته وحسب حالته ، وقد اتفق الفقهاء على أنه لا حدّ لأكثر المهر لقوله تعالى : { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً } . قال العلامة القرطبي : " في هذه الآية دليل على جواز المغالاة في المهور ، لأن الله تعالى لا يمثّل إلاّ بمباح ، وذكر قصة عمر وفيها قوله " أصابت امرأة وأخطأ عمر " وقال قوم : لا تعطي الآية جواز المغالاة في المهور ، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة ، كأنه قال : وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد ، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : " من بنى مسجداً لله ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة " ثم قال : وأجمع الفقهاء على ألا تحديد في أكثر الصداق " . وأمّا أقل المهر فقد اختلفوا فيه على أقوال : أ - أقلة ثلاثة دراهم ( ربع دينار ) وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى . ب - أقله عشرة دراهم ( دينار ) وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى . جـ - لا حدّ لأقله ويجوز بكل شيء له قيمة وهو مذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله . قال الحافظ : وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شيء . قال العلامة القرطبي : " تعلق الشافعي بعموم قوله تعالى : { بِأَمْوَٰلِكُمْ } في جواز الصداق بقليل وكثير ، وهو الصحيح ويعضده قوله عليه السلام " لو أن رجلاً أعطى ملء يديه طعاماً كانت به حلالاً " وأنكح سعيد بن المسيب ابنته من ( عبد الله بن وَدَاعة ) بدرهمين . قال الشافعي : كل ما جاز أن يكون ثمناً لشيء أو جاز أن يكون أجرة جاز أن يكون صداقاً ، وهذا قول جمهور أهل العلم وأهل الحديث ، كلهم أجاز الصداق بقليل المال وكثيره . حجة المالكية والأحناف : أن الشيء الحقير لا يصلح مهراً ، ولا بدّ في المهر من قدر معلوم من المال ، ولما كانت يد السارق لا تقطع إلاّ في دينار ( على قول أبي حنيفة ) وفي ربع دينار ( على قول مالك ) اعتبر هذا القدر في المهر قياساً على حد السرقة . واستدل أبو حنيفة : بما رواه جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا صداق دون عشرة دراهم " . الترجيح : أقول ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة أرجح فقد زوّج عليه السلام أحد الصحابة على ما يحفظه من القرآن ( زوجتكها بما معك من القرآن ) وقال لشخص : " التمس ولو خاتماً من حديد " ، وزوج سيد التابعين ( سعيد بن المسيب ) ابنته على درهمين ولم ينكر عليه أحد ، والأصل في المقادير إثباتها بطريق الشرع ، وليس ثمة حديث صحيح في أقل الصداق يصلح حجة كما قال الحافظ والله أعلم . الحكم الثاني : ما المراد بالميثاق الغليظ في الآية الكريمة ؟ قال الضحاك وقتادة : هو العهد الذي أخذ عليهم من إحسان العشرة إلى النساء في قوله تعالى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } [ البقرة : 229 ] . وقال مجاهد وعكرمة : المراد بالميثاق الغليظ هو ( عقد النكاح ) وقد دل عليه قوله عليه السلام : " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " . الحكم الثالث : ما هي المحرمات التي أرشدت إليها الآية الكريمة ؟ المحرمات التي يحرم الزواج بهن ثلاثة أنواع وهن كالآتي : 1 - محرمات بالنسب 2 - محرمات بالرضاع 3 - محرمات بالمصاهرة . المحرمات من النسب : أشارت الآية الكريمة إلى تحريم سبعة من النسب وهنّ : ( الأمهات ، البنات ، الأخوات ، العمات ، الخالات ، بنات الأخ ، بنت الأخت ) وهؤلاء يحرم الزواج بهن على التأبيد ، أي أنه لا يحل الزواج بهن بحال من الأحوال ، ويدخل في الأمهات الجدات وإن علون ، كما يدخل في البنات بناتهن وإن سفلن ، وكذلك الأخوات سواء كنّ شقيقات أو لأب أو لأم ، والعمات والخالات وإن علون سواء كن من جهة الأب أو الأم . المحرمات من الرضاع : والمحرمات من الرضاع سبع أيضاً كما هو الحال في النسب لقوله عليه الصلاة والسلام : " يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب " والآية الكريمة لم تذكر من المحرمات بالرضاع سوى ( الأمهات ، والأخوات ) والأم أصل والأخت فرع ، فنبّه بذلك على جميع الأصول والفروع ، ووضحت السنة النبوية ذلك بالتفصيل وبصريح العبارة كما في الحديث السابق ، وقد ثبت في الصحاح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن ابنة حمزة " إنها ابنة أخي من الرضاعة " . المحرمات بسبب المصاهرة : وأما المحرمات بسبب المصاهرة فقد ذكرت الآية الكريمة منهن أربعاً وهنّ كالتالي : أ - زوجة الأب لقوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } . ب - زوجة الابن لقوله تعالى : { وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ } . جـ - أم الزوجة لقوله تعالى : { وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ } . د - بنت الزوجة إذا دخل بأمها لقوله تعالى : { وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } . والأصل في هذا أن أم الزوجة تحرم بمجرد العقد على البنت ، ولا تحرم البنت إلا بالدخول بالأم للآية الكريمة { ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } وقد استنبط العلماء من ذلك هذه القاعدة الأصولية وهي : ( العقد على البنات يحرّم الأمهات ، والدخول بالأمهات يحرم البنات ) . تنبيه : الربيبة ( بنت الزوجة ) التي دخل بأمها تحرم على الزوج سواء كانت في حَجْره أو لم تكن في حجره ، والتقييد في قوله { ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ } ليس للشرط أو للقيد وإنما هو لبيان الغالب ، لأن الغالب أنها تكون مع أمها ويتولى الزوج تربيتها وهذا بإجماع الفقهاء فتدبره . المحرمات حرمة مؤقتة وقد أشارت الآية الكريمة إلى من يحرم الزواج بهن حرمة مؤقتة وذكرت نوعين : أ - الجمع بين الأختين لقوله تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ } وألحقت السنة المطهرة ( الجمع بين المرأة وعمتها ) و ( الجمع بين المرأة وخالتها ) زيادة على الجمع بين الأختين . روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها ، وبين المرأة وخالتها . والحكمة في ذلك خشية القطيعة لحديث ابن عباس : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج الرجل المرأة على العمة أو على الخالة وقال : " إنكم إذا فعلتم ذلك قطّعتم أرحامكم " . ب - زوجة الغير أو معتدته رعاية لحق الزوج لقوله تعالى : { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } أي المتزوجات من النساء ، والمعتدة حكمها حكم المتزوجة ما دامت في العدة ، وقد مر حكمها سابقاً في سورة البقرة [ 235 ] في قوله تعالى : { وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ } وبينّا الحكمة في ذلك فارجع إليها هناك والله يتولاك . الحكم الرابع : هل وطء أم الزوجة يحرّم الزوجية ؟ اختلف العلماء في الزنى بأم الزوجة أو بنتها هل يحرّم الزوجية أم لا ؟ فذهب أبو حنيفة والصاحبان إلى القول بالتحريم ، وهو قول الثوري والأوزاعي وقتادة . وذهب الشافعي إلى القول بعدم التحريم لأن الحرام لا يحرّم الحلال وهو قول الليث والزهري ومذهب ( مالك ) رحمه الله وهي رواية " الموطأ " . وسبب الخلاف هو اختلافهم في لفظ النكاح هل هو حقيقة في الوطء أم في العقد ؟ فمن قال : إن المراد به في الآية الوطء حرّم من وطئت ولو بزنى ، ون قال : إن المراد به العقد لم يحرم الزنى . فالحنفية رجحوا أن يكون المراد بالنكاح الوطء ، وقالوا : إن النكاح في الوطء حقيقة ، وفي العقد مجاز ، والحمل على الحقيقة أولى حتى يقوم الدليل على المجاز ، وإذا كان المراد به الوطء فلا فرق بين الوطء الحلال ، والوطء الحرام . والشافعية رجحوا أن يكون المراد بالنكاح العقد ، وقالوا : مما يدل له من جهة النظر أن الله جعل الحرمة للمصاهرة تكريماً لها ، كما جعل الحرمة من النسب تكريماً للنسب ، فكيف تجعل هذه الحرمة للزنى وهو فاحشة ومقت ؟ ! قال الشافعي في " الأم " : " فإن زنى بامرأة أبيه ، أو أم امرأته فقد عصى الله ولا تحرم عليه امرأته ولا على أبيه ولا على ابنه ، لأن الله إنما حرّم بحرمة الحلال تعزيزاً لحلاله ، وزيادة في نعمته بما أباح منه ، وأثبت به الحرم التي لم تكن قبله وأوجب بها الحقوق ، والحرام خلاف الحلال " . الترجيح : ولعل ما ذهب إليه الشافعية يكون أرجح لقوة دليلهم فقد روى عكرمة عن ابن عباس في الرجل يزنى بأم امرأته بعدما يدخل بها فقال : تخطّى حرمتين ولم تحرم عليه امرأته ، وروي أنه قال : لا يحرم الحرام الحلال . الحكم الخامس : حكم المتعة وآراء الفقهاء فيها . تعريف المتعة : المتعة هي أن يستأجر الرجل المرأة إلى أجل معين بقدر معلوم ، وقد كان الرجل ينكح امرأة وقتاً معلوماً شهراً أو شهرين ، أو يوماً أو يومين ثم يتركها بعد أن يقضي منها وطره ، فحرمت الشريعة الإسلامية ذلك ، ولم تبح إلا النكاح الدائم الذي يقصد منه الدوام والاستمرار ، وكل نكاح إلى أجل فهو باطل ، لأنه لا يحقّق الهدف من الزواج . وقد أجمع العلماء وفقهاء الامصار قاطبة على حرمة ( نكاح المتعة ) لم يخالف فيه إلاّ الروافض والشيعة ، وقولهم مردود لأنه يصادم النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ، ويخالف إجماع علماء المسلمين والأئمة المجتهدين . وقد كانت المتعة في صدر الإسلام جائزة ثم نسخت واستقر على ذلك النهي والتحريم ، وما روي عن ابن عباس من القول بحلها فقد ثبت رجوعه عنه كما أخرج الترمذي عنه رضي الله عنه أنه قال : " إنما كانت المتعة في أول الإسلام ، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم ، فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه " حتى نزلت الآية الكريمة { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ المعارج : 30 ] فكل فرج سواهما فهو حرام . فقد ثبت رجوعه عن قوله وهو الصحيح . وحكي أنه إنما أباحها حالة الاضطرار ، والعنت في الأسفار ، فقد روي عن ابن جبير أنه قال : قلت لابن عباس : لقد سارت بفتياك الركبان ، وقال فيها الشعراء ، قال : وما قالوا ؟ قلت قالوا : @ قد قلت للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس @@ فقال : سبحان الله ما بهذا أفتيت ! ! وما هي إلاّ كالميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، ولا تحل إلاّ للمضطر . ومن هنا قال الحازمي : إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أباحها لهم وهم في بيوتهم وأوطانهم ، وإنما أباحها لهم في أوقات بحسب الضرورات ، حتى حرّمها عليهم في آخر الأمر تحريم تأبيد . الأدلة الشرعية والعقلية على تحريم المتعة احتج أهل السُنَّة على حرمة المتعة بوجوه نلخصها فيما يلي : أولاً : إن الوطء لا يحل إلاّ في الزوجة أو المملوكة لقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ المؤمنون : 5 - 6 ] وهذه ليست زوجة وليست مملوكة ، لأنها لو كانت زوجة لحصل التوارث ، وثبت النسب ووجبت العدة ، وهذه لا تثبت باتفاق فيكون باطلاً . ثانياً : إن الأحاديث الشريفة جاءت مصرحة بتحريمه ، منها ما رواه مالك عن الزهري بسنده عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء ، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية . ثالثاً : ما رواه ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّم المتعة فقال : " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع ، ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة " . رابعاً : أن عمر رضي الله عنه حرمها وهو على المنبر أيام خلافته ، وأقره الصحابة رضي الله عنهم ، وما كانوا ليقروه على خطأ لو كان مخطئاً فكان ذلك منهم إجماعاً . خامساً : إن نكاح المتعة لا يقصد به إلاّ قضاء الشهوة ، ولا يقصد به التناسل ، ولا المحافظة على الأولاد ، وهي المقاصد الأصلية للزواج ، فهو يشبه الزنى من حيث قصد الاستمتاع دون غيره ، وقد قال الله تعالى : { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ } وليس مقصود المتمتع إلا قضاء الشهوة ، وصب الماء ، واستفراغ أوعية المني ، فبطلت المتعة بهذا القيد . قال الخطابي : تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة ، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى ( علي ) رضي الله عنه فقد صحّ عنه أنها نسخت ، ونقل البيهقي عن ( جعفر بن محمد ) أنه سئل عن المتعة فقال : هي الزنى بعينه ، فبطل بذلك كل مزاعم الشيعة . تحقيق العلامة الشوكاني قال الشوكاني : ( وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع ، وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد ، ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ، ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به ، كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا ، حتى قال ابن عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها ، واللهِ لا أعلم أحداً تمتَّع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة ) . وقال ابن الجوزي : " وقد تكلف قوم من المفسّرين فقالوا : المراد بهذه الآية نكاح المتعة ، ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء ، وهذا تكلف لا يحتاج إليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة ثم منع منها فكان قوله منسوخاً بقوله ( يعني بالسنة ) وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة وإنما المراد بها الاستمتاع في النكاح " . ما ترشد إليه الآيات الكريمة 1 - تحريم الاعتداء على النساء بالظلم والاستبداد ، ووجوب الإحسان إليهن وصحبتهن بالمعروف . 2 - الصبر على المرأة عند الكراهية ، وعدم التضييق عليها حتى تفتدي نفسها بالمال . 3 - تحريم أخذ شيء من مهر المرأة عند الطلاق بدون مسوّغ شرعي يبيحه الإسلام . 4 - إبطال بعض عادات الجاهلية ومنها الزواج بامرأة الأب بعد الوفاة . 5 - المحرمات من النساء اللواتي يحرمن على الرجل بالنسب ، والرضاع ، والمصاهرة . خاتمة البحث : حكمة التشريع حرّم الباري جلّ وعلا نكاح المحارم من النساء سواء كانت القرابة عن طريق النسب ، أو الرضاع ، أو المصاهرة ، وجعل هذه الحرمة مؤبدة لا تحل بحال من الأحوال ، وذلك لحكم عظيمة جليلة نبينها بإيجاز فيما يلي : أما تحريم النساء من النسب فإن الله جل ثناؤه جعل بين الناس ضروباً من الصلة يتراحمون بها ، ويتعاونون على جلب المنافع ودفع المضار ، وأقوى هذه الصلات صلة القرابة ولما اقتضت طبيعة الوجود ( تكوين الأسرة ) وكانت الأسرة محتاجة إلى الاختلاط بين أفرادها بسبب هذه الصلة القوية ( صلة النسب ) فلو أبيح الزواج من المحارم لتطلعت النفوس إليهن ، وكان فيهن مطمع ، والنفوس بطبعها مجبولة على الغيرة ، فيغار الرجل من ابنه على أمه وأخته ، وذلك يدعو إلى النزاع والخصام ، وتفكك الأسرة ، وحدوث القتل الذي يدمّر الأسرة والمجتمع . ثم إنّ الوليد يتكون جنيناً من دم الأم ، ثم يكون طفلاً يتغذى من لبنها ، فيكون له مع كل مصَّة من ثديها عاطفة جديدة يستلها من قلبها ، والطفل لا يحب أحداً في الدنيا مثل أمه ، أفليس من الجناية على الفطرة أن يزاحم هذا الحب العظيم بين الوالدين والأولاد حب الاستمتاع بالشهوة فيزحمه ويفسده وهو خير ما في هذه الحياة ؟ ! ولأجل هذا كان تحريم نكاح الأمهات هو الأشد المقدم في الآية ، ويليه تحريم البنات ثم الأخوات ثم العمات والخالات إلخ . وقد أودع الله في الإنسان فطرة نقية تحجزه عن التفكير في محارمه فضلاً عن حب الاستمتاع بهن ، ولولا ما عهد في الإنسان من الشذوذ والجناية على الفطرة ، والعبث بها لكان للمرء أن يتعجب من تحريم الأمهات والبنات لأن هذا من قبيل المستحيلات في نظر الإنسان العاقل ، سليم الفطرة والتفكير . ثم إن هناك حكمة جسدية حيوية عظيمة ، وهي أن تزوج الأقارب بعضهم ببعض يكون سبباً لضعف النسل ، فإذا تسلسلت واستمرت يتسلسل الضعف والضوى ( النحافة ) حتى ينقرض النسل ، وهذا ما أشار إليه الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه " الإحياء " حيث قال : " إنّ من الخصال التي تطلب مراعاتها في المرأة أن لا تكون من القرابة القريبة ، فإن الولد يُخْلق ضاوياً أي ( نحيفاً ) وعلّل ذلك بأن الشهوة إنما تنبعث بقوة الإحساس بالنظر أو اللمس ، وإنما يقوى الإحساس بالأمر الغريب الجديد ، فأما المعهود فإنه يضعف الحسّ ولا تنبعث به الشهوة " وهو تعليل دقيق أقره العلم الحديث . وأمّا المحرمات بالمصاهرة فإن الله عز وجل أكرم البشرية بهذه الرابطة الإنسانية ، وامتنّ على الناس بقرابة الصهر ، التي تجمع بين النفوس المتباعدة المتنافرة بروابط الألفة والمحبة { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } [ الفرقان : 54 ] فإذا تزوج الرجل من عشيرة صار كأحد أفرادها ، فينبغي أن تكون أم زوجته بمنزلة أمه في الاحترام ، وبنتها التي في حجره كبنته من صلبه ، وكذلك ينبغي أن تكون زوجة ابنه بمنزلة ابنته وهكذا . ومن القبح جداً أن تكون البنت ضرة لأمها ، والابن طامعاً في زوجة أبيه ، فإن ذلك ينافي حكمة المصاهرة ، ويكون سبب فساد العشيرة . وأما المحرمات بالرضاع فإن الحكمة فيهن ظاهرة ، وهي أن من رضع من امرأة كان بعض بدنه جزءاً منها ، لأن تكوّن من لبنها فصارت في هذا كأمه التي ولدته ، وصار أولادها إخوة له لأن لتكوين أبدانهم أصلاً واحداً هو ذلك اللبن والله تعالى أعلم .