Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 4-7)
Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
[ 2 ] أحكام العدة التحليل اللفظي { يَئِسْنَ } : اليأس : القنوط ، وقيل : اليأس نقيض الرجاء . { ٱلْمَحِيضِ } : أي الحيض ، يقال حاضت المرأة حيضاً ومحيضاً ، والمحيض يكون اسماً ويكون مصدراً ، والحيض والمحيض : اجتماع الدم في الرحم ومنه الحوض لاجتماع الماء فيه . { ٱرْتَبْتُمْ } : أي أشكل عليكم من الريبة أي الشك ، وقيل تردَّدتم أو جهلتم ، وقيل : تيقنتم فهو من الأضداد . { يُكَفِّرْ } : أي يستر ويمحو الخطيئة ، وأصل الكَفْر : تغطية الشيء تغطيةً تستهلكه . { وُجْدِكُمْ } : الوُجدُ : المقدرة والغنى واليسار والسعة والطاقة ، والمقصود من سعتكم وما ملكتم ، وعلى قدر طاقتكم ، وقيل من مساكنكم . والوَجْد : يستعمل في الحزن والغضب والحب ، يقال : وجدت في المال أي صرت ذا مال ، ووجدت على الرجل وجداً وموجدة ، ووجدت الضالة وُجْداناً ، والوُجد بالضم الغنى والقدرة يقال افتقر الرجل بعد وُجدٍ . { وَأْتَمِرُواْ } : افْتعَلُوا - من الأمر - يقال ائتمر القوم وتأمَّروا إذا أمر بعضهم بعضاً . وقال الكسائي : وائْتَمروا أي تشاوروا ومنه قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } [ القصص : 20 ] . وقول أمرئ القيس : @ أحارُ بنَ عمرو فؤادي خَمِرْ ويعدو على المرء ما يأتمر @@ وحقيقته ليأمر بعضكم بعضاً بمعروف أي جميل في الأجرة والإرضاع ولا يكن معاكسة ولا معاسرة . { تَعَاسَرْتُمْ } : أي تضايقتم ، وتشاكستم ، ولم يتفق الرجل والمرأة بالمشاحة من الرجل ، أو طلب الزيادة من المرأة . { ذُو سَعَةٍ } : السعة نقيض الضيق ، والوُسع ، والوَسع ، والسعة : الجدة والطاقة ، وأصل السعة وُسْعة فحذفت الواو ونقصت . المعنى الإجمالي بيّن الله سبحانه وتعالى عدة المرأة المطلّقة في سورة البقرة في قوله : { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } [ البقرة : 228 ] فربط العدة بالحيض ، وأما المرأة التي لا تحيض لكبر سنها ، أو لصغرها أو لحملها ، فقد جاءت هذه الآيات لتقول للمؤمنين : إذا جهلتم عدة التي يئست من المحيض وأشكل عليكم أمرها فعدتها ثلاثة أشهر ، وكذلك عدة التي طلقت ولم تر الحيض ثلاثة أشهر ، وأما الحامل فتنتهي بولادتها عدتها . ومن يخشى الله في ما يفعل ، أو يذر ، ييسر الله له أمره ، ويوفقه إلى الخير ، وتلك الأحكام التي مرت في الطلاق ، والعدة فرض الله ، وحكمه ، فرضه على الناس ، ومن يتق الله بالتزام ما شرعه ، والبعد عما نهى عنه يمح الله سيئاته ، ويعطه في الآخرة أجراً عظيماً ، وثواباً كبيراً . وعلى الرجل أن يسكن مطلقته في داره التي يسكنها على قدر طاقته ، ووسعه ، وليس له أن يضيق عليها ، ويضارها في النفقة والسكنى ليلجئها إلى الخروج من داره . وإذا كانت المرأة حاملاً فعليه أن ينفق عليها ولو طالت مدة الحمل بعد الطلاق حتى تضع حملها ، فإذا ولدت ، ورضيت أن ترضع ابنها ، فعلى الرجل أن يدفع لها أجر الرضاعة ، وليأمر كل منهما الآخر بالمعروف في أمر الرضاع ، وأجره ، والحضانة ووقتها ، فإن عسر الاتفاق بين الأم والأب ، ولم يتوصلا إلى أمر وسط يرضيهما ، فللأب حينئذٍ أن يفتش لابنه عمن يرضعه غير أمه . هذا ، والإنفاق على المعتدة بحسب طاقة الرجل ، فإن كان غنياً فليعطها ما يلائم غناه ، وإن كان فقيراً ، ضيِّقَ العيش ، فليس عليه أن يدفع إلا بقدر ما يستطيع فإن الله - جلت حكمته - لم يكلف الإنسان إلا بقدر ما أعطاه من الرزق ، وليعلم أن حال الدنيا لا يبقى على حال ، فإن الله سيجعل بعد عسر يسراً . سبب النزول 1 - أخرج الحاكم وصححه وابن جرير الطبري والبيهقي في سننه وجماعة : أنها لما نزلت عدة المطلَّقة ، والمتوفَّى عنها زوجُها في البقرة قال أُبيُّ بن كعب : يا رسول الله إنَّّ نساءً من أهل المدينة يقلن : قد بقي من النساء ما لم يذكر فيه شيء قال : وما هو ؟ قال : الصغار ، والكبار ، وذوات الحمل . فنزلت هذه الآية { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ … } الآيات . 2 - وروى الواحدي والبغوي والخازن : أنه لما نزل قوله تعالى : { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ … } [ البقرة : 228 ] الآية ، قال خلاد بن النعمان الأنصاري : يا رسول الله ، فما عدة التي لا تحيض ، وعدة التي لم تحض ، وعدة الحبلى ؟ فنزلت هذه الآية : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ … } . وجوه القراءات 1 - قوله تعالى : { يَئِسْنَ } : قرأ الجمهور ( يئسن ) فعلاً ماضياً . وقرئ ( ييئسن ) بياءين مضارعاً . 2 - قوله تعالى : { حَمْلَهُنَّ } : قرأ الجمهور ( حملهن ) مفرداً . وقرأ الضحاك ( أحمالهن ) جمعاً . 3 - قوله تعالى : { وَيُعْظِمْ } : قرأ الجمهور ( يُعْظم ) بالياء مضارع أعظم . وقرأ الأعمش ( نعظم ) بالنون خروجاً من الغيبة للتكلم . وقرأ ابن مقسم ( يُعَظّم ) بالياء والتشديد مضارع ( عَظّم ) مشدداً . 4 - قوله تعالى : { مِّن وُجْدِكُمْ } : قرأ الجمهور ( من وُجدكم ) بضم الواو . وقرأ الحسن وغيره ( من وَجدكم ) بفتحها . وقرأ يعقوب وغيره ( من وِجدكم ) بكسرها . وهي لغات ثلاث بمعنى الوسع . 5 - قوله تعالى : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ } : قرأ الجمهور ( لينفق ) بلام الأمر . وحكى أبو معاذ قراءة ( لينفقَ ) بلام كي ونصب القاف ، ويتعلق بمحذوف تقديره " شرعنا ذلك لينفقَ " . 6 - قوله تعالى : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } : قرأ الجمهور ( قُدِرَ ) مخففاً . وقرأ ابن أبي عبلة ( قَدّر ) مشدد الدال . وقرأ أبي بن كعب ( قُدّر ) بضم القاف وتشديد الدال . وجوه الإعراب 1 - { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ } مبتدأ ، خبره جملة فعدتهن . 2 - { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } شرط جوابه محذوف ، تقديره فاعلموا أنها ثلاثة أشهر ، والشرط وجوابه جملة معترضة . وجوز كون ( فعدتهن ) الخ جواب الشرط باعتبار الإعلام والإخبار كما في قوله تعالى : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [ النحل : 53 ] والجملة الشرطية خبر من غير حذف وتقدير . 3 - قوله تعالى : { وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } : قال ابن الأنباري : تقديره واللائي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ، إلا أنه حذف خبر الثاني لدلالة خبر الأول عليه كقولك زيد أبوه منطلق وعمرو ، أي وعمرو أبوه منطلق ، وهذا كثير في كلامهم . قال أبو حيان : والأولى أن يقدر " مثل أولئك " أو " كذلك " فيكون المقدر مفرداً . وجوز عطف هذا الموصول على الموصول السابق ، وجعل الخبر لهما من غير تقدير . والجملة معطوفة على ما قبلها فإعرابه مبتدأ كإعراب { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ } . 4 - قوله تعالى : { وَأُوْلَٰتُ ٱلأَحْمَالِ } مبتدأ . وأجلهن : مبتدأ ثان . وأن يضعن حملهن : خبر المبتدأ الثاني ، والمبتدأ وخبره خبر عن المبتدأ الأول . ويجوز أن يكون ( أجلهن ) بدلاً من ( أولات ) بدل الاشتمال وجملة ( أن يضعن ) الخبر والله أعلم . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : قال أبو حيان : لمَّا كان الكلام في أمر المطلقات ، وأحكامهن ، من العدة وغيرها ، وكنَّ لا يطلقهن أزواجهن إلا عن بغض لهنَّ وكراهة ، جاء عقيب بعض الجمل ( الأمرُ بالتقوى ) حيث المعنى مبرزاً في صورة شرط وجزاء في قوله { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ … } إذ الزوج المطلق قد ينسب إلى مطلقته بعض ما يشينها ، وينفِّر الخُطَّاب عنها ، ويوهم أنه فارقها لأمر ظهر له منها ، فلذلك تكرَّر قوله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } في العمل بما أنزله من هذه الأحكام ، وحافظ على الحقوق الواجبة عليه من ترك الضرار ، والنفقة على المعتدات … وغير ذلك مما يلزمه يرتب له تكفير السيئات ، وإعظام الأجر . اللطيفة الثانية : قوله تعالى : { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ } إشارة إلى ما ذكر من الأحكام ، وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد المشار إليه للإيذان ببعد منزلته في الفضل ، وإفرادُ الكاف مع أن الخطاب للجمع كما يفصح عنه قوله تعالى : { أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ } لما أنها لمجرد الفرق بين الحاضر والمنقضي لا لتعيين خصوصية المخاطبين . اللطيفة الثالثة : قوله تعالى : { أَسْكِنُوهُنَّ } وما بعده استئناف ، وقع جواباً عن سؤال نشأ مما قبله من الحث على التقوى في قوله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } . كأنه قيل : كيف يعمل بالتقوى في شأن المعتدات ؟ ! فقيل : اسكنوهن مسكناً من حيث سكنتم . اللطيف الرابعة : إذا كانت كل مطلقة يجب لها النفقة فما فائدة الشرط في قوله تعالى : { وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ } ؟ ! نقول : فائدته أن مدة الحمل ربما طال وقتها بعد الطلاق ، فيظن أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار من مدة الحمل ، فنفي ذلك الظن بإثبات النفقة للحامل حتى تلد . اللطيفة الخامسة : في قوله تعالى : { فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } يسير معاتبة للأم إذا تعاسرت كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى " سيقضيها غيرك وأنت ملوم " . قال ابن المنير : " وخص الأم بالمعاتبة لأن المبذول من جهتها هو لبنها لولدها ، وهو غير متموَّل ولا مضمون به في العرف ، وخصوصاً من الأم على الولد ، ولا كذلك المبذول من جهة الأب ، فإنه المال المضنون به عادة ، فالأم إذن أجدر باللوم ، وأحق بالعتب ، والمعنى ليطلب له الأب مرضعة أخرى فيظهر الارتباط بين الشرط والجزاء " . الأحكام الشرعية الحكم الأول : ما هي عدة المرأة التي لا تحيض ؟ المرأة غير الحائض تشمل من بلغت سن اليأس ، والصغيرة التي لم تر الحيض بعد ، أما من يئست من الحيض فعدتها ثلاثة أشهر بلا خلاف ، وكذا الصغيرة التي لم تحض . واختلف في تقدير سن اليأس على أقوال عديدة : فقدره بعض الفقهاء بستين سنة . وقدَّره بعضهم بخمس وخمسين سنة . وقيل : غالب سن يأس عشيرة المرأة . وقيل : أقصى عادة امرأة في العالم . وقيل : غالب سن يأس النساء في مكانها التي هي فيه ، فإن المكان إذا كان طيَّب الهواء والماء ، يبطئ فيه سن اليأس . وأما المرأة إذا كانت تحيض ثم لم تر الحيض في عدتها ولم يُدْر سببه : فقال الحنفية والشافعية : إن عدتها الحيض حتى تدخل في السن التي لا تحيض أهلها من النساء فتستأنف عدة الآيسة ثلاثة أشهر . ونقل عن علي وعثمان ، وزيد بن ثابت ، وابن مسعود . وقال مالك وأحمد : تنتظر تسعة أشهر لتعلم براءة رحمها لأن هذه المدة هي غالب مدة الحمل فإذا لم يبن الحمل فيها علم براءة الرحم ، ثم تعتد بعد ذلك عدة الآيسات ثلاثة أشهر . ونقل عن عمر أنه قضى بذلك . الحكم الثاني : ما المراد من قوله تعالى : { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشْهُرٍ } ؟ قال الجصاص : غير جائز أن يكون المراد به الارتياب في الإياس ؛ لأنَّا إذا شككنا هل بلغت سن اليأس لم نقل عدَّتُها ثلاثة أشهر . واختلف أهل العلم في ( الريبة ) المذكورة في الآية على أقوال : اختار الطبري : أن يكون المعنى " إن شككتم فلم تدروا ما الحكم فيهن ؟ فالحكم أن عدتهن ثلاثة أشهر " وهو قول الجصاص فقد قال : " وذكُر الارتياب في الآية إنما هو على وجه ذكر السبب الذي نزل عليه الحكم فكان بمعنى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر … " ونقل عن مجاهد . وقال مجاهد : الآية واردة في المستحاضة أطبق بها الدم لا تدري أهو دم حيض أو دم علة . وقال عكرمة وقتادة : من الريبة المرأة المستحاضة التي لا يستقيم لها الحيض ، تحيض في أول الشهر مراراً وفي الأشهر مرة . وقيل : إنه متصل بأول السورة والمعنى " لا تخرجوهن من بيوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدة " . قال القرطبي : وهو أصح ما قيل فيه . وقال الزجاج : المعنى إن ارتبتم في حيضهن ، وقد انقطع عنهن الدم وكن ممن يحيض مثلهن . وقيل : إن ارتبتم أي تيقنتم وهو من الأضداد . الحكم الثالث : ما هي عدة الحامل ؟ نصت الآية على أن الحامل تنتهي عدتها بولادتها ، ودل قوله تعالى في سورة البقرة : { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } [ البقرة : 234 ] على أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ، فإذا كانت المتوفى عنها زوجها حاملاً فبأي الأجلين تأخذ ؟ ولم يختلف السلف والخلف أن عدة المطلقة الحامل أن تضع حملها ، واختلفوا في المتوفى عنها زوجها . قال الجمهور : عدة المتوفى عنها زوجها الحامل أن تضع حملها . وقال علي وابن عباس : { وَأُوْلَٰتُ ٱلأَحْمَالِ } في المطَّلقات ، وأما المتوفى عنها فعدتها أبعد الأجلين ، فلو وضعت قبل أربعة أشهر وعشر صبرت إلى آخرها . حجة الجمهور : استدل الجمهور بحديث سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت ( سعد بن خولة ) وهو ممن شهد بدراً فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تَعلَّت من نفاسها تجمَّلت للخُطَّاب ، فدخل عليها رجل من بني عبد الدار فقال لها : مالي أراك متجملة ، لعلك ترتجين النكاح ؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمرَّ عليك أربعة أشهر وعشراً . قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم : فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي . وعن ابن مسعود أنه بلغه أن علياً يقول : تعتد آخر الأجلين فقال : من شاء لاعنته ، ما نزلت : { وَأُوْلَٰتُ ٱلأَحْمَالِ } إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها . قال أبو بكر الجصاص : أفاد قول ابن مسعود أن الآية مكتفية بنفسها في إفادة الحكم على عمومها ، غير مضمنة بما قبلها من ذكر المطلّقة فوجب اعتبار الحمل في الجميع ، من المطلقات ، والمتوفَّى عنهن أزواجهن " . الحكم الرابع : هل للمطلقة ثلاثاً سكنى ونفقة ؟ لا خلاف بين العلماء في إسكان المطلقات الرجعيات ، واختلفوا في المطلقة ثلاثاً على أقوال : ذهب مالك والشافعي : ورواية عن أحمد إلى أن لها السكنى ولا نفقة لها . وذهب أبو حنيفة وأصحابه أن لها السكنى والنفقة ما دامت في العدة . وذهب أحمد وغيره إلى أنها لا نفقة لها ولا سكنى . دليل المذهب الأول : قوله تعالى : { وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } . وذلك أن الله سبحانه لما ذكر السكنى أطلقها لكن مطلَّقة ، فلما ذكر النفقة قيَّدها بالحمل ، فدل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها . دليل المذهب الثاني : 1 - قوله تعالى : { وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ } وترك النفقة من أكبر الإضرار وفي إنكار عمر على فاطمة قولها ما يبين هذا . 2 - ولأنها معتدة تستحق السكنى عن طلاق فكانت لها النفقة كالرجعية . 3 - ولأنها محبوسة عليه لحقِّه فاستحقَّت النفقة كالزوجة . 4 - أن السكنى لما كانت حقاً في مال ، وقد أوجبها الله لها بنص الكتاب إذ كانت الآية قد تناولت المبتوتة والرجعية ، فقد اقتضى ذلك وجوب النفقة إذا كانت السكنى حقاً في مال وهي بعض النفقة . دليل المذهب الثالث : 1 - حديث فاطمة بنت قيس : أنه طلَّقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان أنفق عليها نفقة دون ، فلما رأت ذلك قالت : والله لأعلمنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان لي نفقة أُخذت الذي يصلحني ، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ شيئاً . قالت : فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لا نفقة لك ولا سكنى " . وفي رواية " إنما السكنى والنفقة على من له عليها رجعة " . 2 - إن النفقة إنما تجب لأجل التمكين من الاستمتاع بدليل أن الناشز لا نفقة لها . وللعلماء في مناقشة الأدلة كلام طويل ينظر في كتب الفروع . الحكم الخامس : على من يجب الرضاع ؟ قال المالكية : رضاع الولد على الزوجة ما دامت الزوجية إلا لشرف الزوجة وموضعها فعلى الأب رضاعه يومئذٍ في ماله ، فإن طلقها فلا يلزمها رضاعه إلا أن يكون غير قابل ثدي غيرها فيلزمها رضاعه . وقال الحنفية : لا يجب الرضاع على الأم بحال . وقيل : يجب الرضاع على الأم في كل حال . ما ترشد إليه الآيات الكريمة أولاً : المرأة اليائسة من الحيض ، والصغيرة التي لم تحض ، إذا طلقتا فعدتهما ثلاثة أشهر . ثانياً : المرأة الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل . ثالثاً : تقوى الله تعالى تيسّر أمور المؤمن في الدنيا ، وتكفّر السيئات ، وتعظم الأجر في الآخرة . رابعاً : المرأة المعتدة تسكن في منزل زوجها حتى تنقضي عدتها . خامساً : على الرجل أن لا يضيّق على المعتدة في النفقة أو السكنى ليجبرها على الخروج من منزله . سادساً : نفقة الحامل تستمر حتى تضع الحمل ، وإن طالت المدة . سابعاً : للمرأة الحق الكامل في أن تأخذ أجرة على إرضاع ولدها من الرجل . ثامناً : الإنفاق يكون بحسب مال الرجل غنىً وفقراً . تاسعاً : التكليف منوط بالقدرة التي مكّن الله بها عبده . حكمة التشريع الزواج هو الأساس في بناء المجتمع الإسلامي ، والطلاق هو السبيل لقطع علاقات الزوجين بعضهما من بعض ، ولكنَّ للزوجية آثاراً قد يتأخر ظهورها وقتاً ، فجعل الله جلّ ثناؤه العدة تمكث المرأة فيها مدة من الزمن ينفق عليها مطلقها ، ويسكنها في بيته ، ليكون في أمان واطمئنان ، وهي تحت نظره ، إن ظهر حملها ، فالولد ولده ، وإن لم يظهر الحمل في مدة العدة ، فلم يعد بين الرجل وزوجه أية علاقة تربطهما ، هو بالنسبة إليها كسائر الرجال ، وهي بالنسبة إليه كسائر النساء ، لا تستطيع أن تطالبه بنسب ، ولا نفقة ، ولا غير ذلك . وبهذا لم يظلم الإسلام المرأة حيث فرض لها النفقة ، والسكنى ما دامت محبوسة لصالح الرجل ، وأمن الرجل من جهة زوجه حيث مكثت مدة يتبين معها شغل رحمها أو فراغه . وأما الحوامل فقد جعل الله تعالى عدتهن الوضع طال أمد الحمل بعد الطلاق أم قصر ، وذلك لأن براءة الرحم بعد الوضع مؤكدة ، فلا حاجة إلى الانتظار . وأمر الله عز وجل الرجال أن يسكنوا النساء مما يجدون هم من سكن ، وما يستطيعونه حسب مقدرتهم وغناهم ، لا أقل مما هم عليه في سكناهم ، ونهاهم أن يعمدوا إلى الإضرار بهن بالتضييق عليهن في فسحة المسكن ، أو في المعاملة أثناء إقامتهن . وخصت ذوات الأحمال بذكر النفقة مع وجوب النفقة لكل معتدة ، لتوهم أن طول مدة الحمل يحدد زمن الإنفاق ببعضه دون بقيته ، أو بزيادة المدة إذا قصرت مدة الحمل ، فأوجب النفقة حتى الوضع ، وهو موعد انتهاء العدة لزيادة الإيضاح التشريعي . وأما الرضاع ، فلم يجعله الله سبحانه واجباً على الأم دون مقابل ، وما دامت ترضع الطفل المشترك بينهما ، فمن حقها أن تنال أجراً على رضاعه تستعين به على حياتها ، وعلى إدرار اللبن للطفل ، وهذا منتهى المراعاة للأم في هذه الشريعة . وفي الوقت ذاته أمر الأب والأم أن يأتمرا بينهما بالمعروف في شأن هذا الوليد ، ويتشاورا في أمره ، ورائدهما مصلحته - وهو أمانة بينهما - فلا يكون فشلهما هما في حياتهما نكبة على الصغير البريء . والأمر منوط بالله في الفرج بعد الضيق ، واليسر بعد العسر ، فأولى لهما أن يعقدا به الأمر كله ، ويتجها إليه ، ويراقباه في كل أمرهما ، وهو المانح المانع ، القابض الباسط . والزوجان يتفارقان - في ظل هذه التوجيهات القرآنية - وفي قلب كل منهما بذور للود لم تمت ، وربما جاءها ما ينعشها في يوم من الأيام ، إلى أدب رفيع يريد الإسلام أن يصبغ به حياة الجماعة المسلمة ويشيع فيها أرجه وشذاه .