Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 28-29)
Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
[ 2 ] منع المشركين دخول المسجد الحرام التحليل اللفظي { نَجَسٌ } : أي قذر ، قال الزجاج : يقال لكل شيء مستقذر : نجسٌ . وقال الفراء : لا تكاد العرب تقول : نَجِسٌ إلا وقبلها رجسٌ ، فإذا أفردوها قالوا : نجس . { عَيْلَةً } : العيلة : الفقر والفاقة ، يقال : عال يعيل عيلةً إذا افتقر ، وأعال فهو مُعيل إذا صار صاحب عيال ، وقال أبو عبيدة : العيلة مصدر عال بمعنى افتقر وأنشد : @ وما يَدْري الفقيرُ متى غِناه وما يدري الغنيّ متى يَعيل @@ { يَدِينُونَ } : من دان الرجل يدين إذا اتخذ الأمر له عقيدة والتزمه تقول : فلان يدين بكذا أي يلتزمه ويعتنقه ، والمراد في الآية أنهم لا يلتزمون بدين الحق وهو دين الإسلام . { ٱلْجِزْيَةَ } : اسم لما يعطيه المعاهد على عهده . قال ابن الأنباري : هي الخراج المجعول عليهم ، سميت جزية لأنها قضاء ما وجب عليهم من قولهم : جزى يجزي إذا قضى . قال أبو حيان : سميت جزية من جزى يجزي إذا كافأ عما أسدى عليه ، فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن ، ومن هذا المعنى قول الشاعر : @ نجزيكَ أو نُثْني عليكَ وإنّ من أثنَى عليكَ بما فعلت فقد جزى @@ { عَن يَدٍ } : أي يؤدون الجزية عن قهر وذل وطاعة يقال : أعطى يده إذا انقاد ، ونزع يده إذا خرج عن الطاعة . { صَاغِرُونَ } : الصاغر : الذليل الحقير ، والصّغار الذل . ومعنى الآية : حتى يدفعوا الجزية منقادين طائعين في حال الذل والهوان . المعنى الإجمالي يقول الله جل ثناؤه ما معناه : يا أيها المؤمنون المصدّقون بالله ورسوله ، إنما المشركون قذر ورجس لخبث بواطنهم ، وفساد عقائدهم ، فهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات ، فلا تمكنوهم من دخول المسجد الحرام ، بعد هذا العام ، وإن خفتم - أيها المؤمنون - فقراً أو فاقة بسبب منعكم إياهم من الحج ودخول الحرم ، فسوف يغنيكم الله من فضله ، ويوسع عليكم من رزقه ، حتى لا يدعكم بحاجة إلى أحد وذلك راجع إلى مشيئته جل وعلا إن الله عليم حكيم . قاتلوا أيها المؤمنون الذين لا يؤمنون بالله ولا برسوله من أهل الكتاب ، ولا يصدقون باليوم الآخر على الوجه الذي جاء به رسول الله ، ولا يدخلون في دين الإسلام دين الحق ، ولا يحرمون ما حرّمه الله ورسوله ، من ( اليهود والنصارى ) حتى يدفعوا لكم الجزية ، عن انقياد وطاعة ، وذل وخضوع ، وهم صاغرون مهينون . وجوه القراءات 1 - قرأ الجمهور { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } بفتح الجيم ، وقرأ أبو علي حيوة ( نِجْسٌ ) على وزن رجس ، وقرأ ابن السميقع ( أنجاسٌ ) على صيغة الجمع . 2 - قرأ الجمهور { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } وقرئ ( عائلة ) و ( عايلة ) . سبب النزول لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً أن يقرأ على مشركي مكة أول سورة براءة ، ويَنْبِذَ إليهم عهدهم ، وأن يخبرهم أنّ الله بريءٌ من المشركين ورسولهُ ، قال أناسٌ : يا أهل مكة ستعلمون ما تلقون من الشدّة وانقطاع السبُل وفقد الحمولات فنزلت الآية الكريمة { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا . … } الآية . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : أطلق القرآن الكريم على المشركين أنهم نجس ، والإخبار عنهم بصيغة المصدر فيه مبالغة كأنهم صاروا عين النجاسة ، وأصل التعبير ( إنما المشركون كالنجس ) لكنه حذفت منه أداة الشبه ، ووجه الشبه ، فأصبح ( تشبيهاً بليغاً ) . وقال بعض العلماء : المراد أنهم ذوو نجس أي أصحاب نجس فالكلام على ( حذف مضاف ) وإنما عبّر عنهم أصحاب نجس لخبث بواطنهم ، وفساد عقائدهم ، وإشراكهم بالله ، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون . اللطيفة الثانية : النهي عن قربان المسجد الحرام جاء بطريق المبالغة لأن الغرض نهيهم عن دخول المسجد الحرام ، فإذا نهوا عن قربانه كان النهي عن دخوله من باب أولى ، كما في قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } [ الأنعام : 152 ] وقوله { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ } [ الإسراء : 32 ] فيكون النهي عن أكل مال اليتيم ، وارتكاب الزنى محرماً من باب أولى . اللطيفة الثالثة : تعليق الإغناء بالمشيئة في قوله جل وعلا : { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ } لتعليم رعاية الأدب مع الله تعالى كما في قوله تعالى : { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } [ الفتح : 27 ] وللإشارة إلى أنه لا ينبغي الاعتماد على أن المطلوب سيحصل حتماً ، بل لا بدّ من التضرع إلى الله تعالى في طلب الخير ، وفي دفع الآفات . اللطيفة الرابعة : في التعبير في ختام الآية { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } إشارة لطيفة إلى أن الغنى والفقر بيد الله تعالى ، وأن الرزق لا يأتي بالحيلة والاجتهاد ، بل هو راجع إلى الحكمة والمصلحة ، فإن شاء الله أغنى ، وإن شاء أفقر ، فهو تعالى لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة ومصلحة ، وممّا يروى للإمام الشافعي قدّس الله روحه قوله : @ لو كانَ بالحيَلِ الغِنَى لوجدتني بنجوم أقطارِ السّماءِ تعلّقي لكنّ من رَزَقَ الحجا حَرَم الغِنَى ضدّان مفترقان أيّ تفرق ومن الدليل على القضاء وكونه بؤسُ اللبيبِ وطيبُ عيشِ الأحمقِ @@ اللطيفة الخامسة : نفى الله تعالى الإيمان عن أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) لأن إيمانهم مغشوش مدخول ، وليس إيماناً كما يجب ، لأنهم جعلوا لله ولداً ، وزوجة ، وبدّلوا كتابهم ، وحرّموا ما لم يحرّم الله ، وأحلّوا ما لم يُحلّه ، ووصفوا المولى جل وعلا بما لا يليق ، فهم وإن زعموا الإيمان غير مؤمنين إيماناً صحيحاً ، وهذا هو السرّ في التعبير القرآن بنفي الإيمان عنهم . قال الكرماني : نفيُ الإيمان بالله عنهم لأن سبيلهم سبيل من لا يؤمن بالله ، إذ يصفونه بما لا يليق أن يوصف به جل وعلا . الأحكام الشرعية الحكم الأول : ما المراد بالمشركين في الآية الكريمة ؟ ذهب جمهور المفسرين إلى أن لفظ المشركين خاص بعبّاد الأوثان والأصنام ، لأن لفظ المشرك يتناول من اتخذ مع الله إلهاً آخر ، وأن أهل الكتاب وإن كانوا كفاراً إلا أن لفظ ( المشركين ) لا يتناولهم ، لأنه خاص بمن عبد الأوثان والأصنام . وقال بعض العلماء إن لفظ المشركين يتناول جميع الكفار ، سواء منهم عُبّاد الأوثان أو أهل الكتاب لقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] أن يكفر به فأطلق لفظ الإشراك على الكفر . أقول : هذا هو الصحيح وهو أن اللفظ يشمل كل كافر ، وأن النهي عن دخول المسجد الحرام عام لكل كافر ، فلا فرق بين الوثني واليهودي أو النصراني في الحكم . الحكم الثاني : هل أعيان المشركين نجسة ؟ دلّ ظاهر قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } على نجاسة المشركين . وقد تقدم معنا أن المراد من اللفظ ( النجاسة المعنوية ) أي أن معهم الشرك المنزّل منزلة النجس الذي يجب اجتنابه ، أو أنهم كالأنجاس لتركهم ما يجب عليهم من غسل الجناية والطهارة ، وعدم اجتنابهم النجاسات وقد نقل صاحب " الكشاف " : عن ابن عباس أن أعيان المشركين نجسة كالكلاب والخنازير تمسكاً بظاهر الآية . وروى ابن جرير عن الحسن البصري أنه قال : من صافحهم فليتوضأ . ولكنّ الفقهاء على خلاف ذلك فقد ذهبوا إلى أن أبدانهم طاهرة ، لأنهم لو أسلموا كانت أجسامهم طاهرة بالإجماع ، مع أنه لم يوجد ما يطهرها من الماء أو النار أو التراب أو ما شابه ذلك ، والآية لا تدل على نجاسة الظاهر وإنما تدل على نجاسة الباطن ، ولا شك أنهم لا يتطهرون ، ولا يغتسلون ، ولا يجتنبون النجاسات ، فجعلوا نجساً مبالغة في وصفهم بالنجاسة . الترجيح : الصحيح رأي الجمهور لأن المسلم له أن يتعامل معهم ، وقد كان عليه السلام يشرب من أواني المشركين ، ويصافح غير المسلمين والله أعلم . الحكم الثالث : هل يمنع المشرك من دخول المسجد ؟ دلّ قوله تعالى : { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } على منع المشركين من دخول المسجد الحرام ، وقد اختلف العلماء في المراد من لفظ ( المسجد الحرام ) على أقوال عديدة : أ - المراد خصوص المسجد الحرام أخذاً بظاهر الآية وهو مذهب الشافعية . ب - المراد الحرم كلّه ( مكة ) وما حولها من الحرم وهو قول عطاء ومذهب الحنابلة . جـ - المراد المساجد جميعاً المسجد الحرام بالنص وبقية المساجد بالقياس وهو مذهب المالكية . د - المراد النهي عن تمكينهم من الحج والعمرة وهو مذهب الحنفية . دليل الشافعي : احتج الشافعي رحمه الله بظاهر الآية { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } فقال : الآية خاصة في المسجد الحرام . عامة في الكفار . فأباح دخول غير المسلمين سائر المساجد . ومنع جميع الكفار من دخول المسجد الحرام . دليل أحمد : واستدل الإمام أحمد رحمه الله بأن لفظ ( المسجد الحرام ) قد يطلق ويراد به الحرم كله كما في قوله تعالى : { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ الفتح : 25 ] وقوله : { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } [ الفتح : 27 ] وقد كان الصد عن دخول مكة ، وأخبر تعالى بأنهم سيدخلونها آمنين . دليل مالك : واستدل مالك رحمه الله بأن العلة وهي ( النجاسة ) موجودة في المشركين . والحرمة ثابتة لكل المساجد ، فلا يجوز تمكينهم من دخول المسجد الحرام والمساجد كلها . فقاس مالك جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين ، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد . دليل أبي حنيفة : واستدل أبو حنيفة رحمه الله على أن المراد النهي عن تمكينهم من الحج والعمرة بما يلي : أولاً : قوله تعالى : { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } فإن تقييد النهي بذلك يدل على اختصاص المنهي عنه بوقت من أوقات العام ، أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد هذا العام . ثانياً : قول علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي بسورة براءة : " وألاّ يحجّ بعد هذا العام مشرك " . ثالثاً : قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } فإن خشية الفقر إنما تكون بسبب انقطاع تلك المواسم ومنع المشركين من الحج والعمرة حيث كانوا يتاجرون في مواسم الحج ، فإن ذلك يضر بمصالحهم المالية ، فأخبرهم تعالى بأن الله يغنيهم من فضله . رابعاً : إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج ، والوقوف بعرفة ، ومزدلفة ، وسائر أعمال الحج وإن لم تكن هذه الأفعال في المسجد الحرام . قال صاحب " الكشاف " : " إن معنى قوله تعالى : { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } أي لا يحجوا ولا يعتمروا ، ويدل عليه قول علي : " وألاّ يحج بعد عامنا هذا مشرك " فلا يمنعون من دخول الحرم ، والمسجد الحرام ، وسائر المساجد عند أبي حنيفة " . الحكم الرابع : ما هي الجزية ، وما هو مقدارها وممن تؤخذ ؟ الجزية : ما يدفعه أهل الكتاب للمسلمين لقاء حمايتهم ونصرتهم ، سميت جزية لأنها من الجزاء ، جزاء الكفر وعدم الدخول في الإسلام ، أو جزاء الحماية والدفاع عنهم . وقد اختلف الفقهاء في الذين تؤخذ منهم الجزية ، فالمشهور عن أحمد : أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى والمجوس ، وبه قال الشافعي . وقال الأوزاعي : تؤخذ من كل مشرك عابد وثنٍ ، أو نارٍ ، أو جاحدٍ مكذب . وقال أبو حنيفة ومالك : الجزية تؤخذ من الكل إلاّ من عابدي الأوثان من العرب فقط . فأما الذين تؤخذ منهم الجزية فهم الرجال البالغون ، فأما الزمنى ، والعمي ، والشيوخ المسنون ، والنساء ، والصبيان ، والرهبان المنقطعون في الصوامع فلا تؤخذ منهم الجزية . وأما مقدارها فعلى الموسر ثمانية وأربعون درهماً ، وعلى المتوسط أربعة وعشرون درهماً ، وعلى الفقير القادر على العمل إثنا عشر درهماً في السنة ، وهو قول أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى . وقال مالك : على أهل الذهب أربعة دنانير ، وعلى أهل الفضّة أربعون درهماً ، وسواءٌ في ذلك الغني والفقير . وقال الشافعي : على كل رأسٍ دينار سواءٌ فيه الغني والفقير . الترجيح أقول : ما روي عن مالك رحمه الله هو ما فرضه عمر رضي الله عنه ، وقد رويت عن عمر ضرائب مختلفة أخد كل مجتهد بما بلغه ، وأظن أن ذلك كان بحسب الاجتهاد ، وبحسب اليسر والعسر ، وقد روي أن عمر وضع الجزية عن شيخ يهودي طعن في السن رآه يسأل الناس ، وأعاله من بيت مال المسلمين ، فالأمر فيه سعة ، والله أعلم . خاتمة البحث : حكمة التشريع أوجبت الشريعة الإسلامية الغراء على المسلمين قتال أهل الكفر والعدوان ، ممن أبوا أن يدخلوا في دين الله ، وأن ينعموا بظلال الإسلام الوارفة ، وأحكامه العادلة ، ويستجيبوا لدعوة الحق التي فيها الخير والسعادة لبني الإنسانية جمعاء . وقد استثنى الباري جل وعلا من قتال الكفار أهل الكتاب ، فأمر بدعوتهم إلى الدخول في الإسلام فإن أبوا دفعوا الجزية ، وإلاّ وجب قتالهم حتى يفيئوا إلى دين الله ، ويرضوا بحكم الله جل وعلا { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [ التوبة : 29 ] والجزية هي - في الحقيقة - رمزٌ للخضوع والإذغان ، رمزٌ لقبول غير المسلم بالعيش في ظل نظام الإسلام ، رمزٌ لإظهار الطاعة والرضى والانقياد للدولة الإسلامية ، وهي بعد ذلك تعبيرٌ عن مبدأ التعاون ، بين الذميين والدولة الإسلامية ممثلة في خليفة المسلمين ، بحيث لا يكون هناك خروجٌ عن الطاعة ، ولا تمرد على نظام الإسلام ، أو بتعبير آخر : الاستسلام لحكم الإسلام ، والرضى بكل تشريعاته وأحكامه . وإذا كان المسلم يدفع زكاة ماله كل عام لتنفق في مصارفها التي حدّدها القرآن الكريم ، فإن هذا الذمي المعاهد ( اليهودي أو النصراني ) لا يكلف بدفع الزكاة ، وإنما يكلف بدفع الجزية وهي مبلغ يسير زهيد ، لا يزيد على ثمانية وأربعين درهماً في العام مقابل الدفاع عنه ، وحمايته ونصرته ، ومقابل استمتاعه بالمرافق العامة للدولة التي يعيش في كنفها ، وتحت ظل حكمها ، فليس الهدف إذاً من الجزية الجباية وسلب الأموال ، وإنما الهدف الاطمئنان إلى رضى أهل الكتاب بالعيش في ظلال حكم الإسلام ، والانقياد ، والطاعة لأحكامه وأوامره ، وصدق من قال : " إنّ الله لم يبعث المسلمين ليكونوا جباة وإنما بعثهم ليكونوا هداة " ! !