Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 152-152)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } قال : سعيد بن المسيب : معناه اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب وقيل اذكروني بالدعاء والتسبيح ونحو ذلك ، وقد أكثر المفسرون ، لا سيما المتصوّفة في تفسير هذا الموضع بألفاظ لها معاني مخصوصة ، ولا دليل على التخصيص ، وبالجملة فهذه الآية بيان لشرف الذكر وبينها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يرويه عن ربه : " أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه : ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ : ذكرته في ملأ خير منهم " . والذكر ثلاثة أنواع : ذكر بالقلب ، وذكر باللسان ، وبهما معاً ، واعلم أن الذكر أفضل الأعمال على الجملة ، وإن ورد في بعض الأحاديث تفضيل غيره من الأعمال : كالصلاة وغيرها ؛ فإنّ ذلك لما فيها من معنى الذكر والحضور مع الله تعالى . والدليل على فضيلة الذكر من ثلاثة أوجه الأول : النصوص الواردة بتفضيله على سائر الأعمال ، قال رسول الله صلى عليه وسلم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ذكر الله " وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : ذكر الله ، قيل : الذكر أفضل أم الجهاد في سبيل الله ؟ فقال : لو ضرب المجاهد بسيفه في الكفار حتى ينقطع سيفه ويختضب دماً : لكان الذاكر أفضل منه . والوجه الثاني : أن الله تعالى حيث ما أمر بالذكر ، أو أثنى على الذكر : اشترط فيه الكثرة ، فقال : { ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } [ الأحزاب : 41 ] ، { وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً } [ الأحزاب : 35 ] ، ولم يشترط ذلك في سائر الأعمال . الوجه الثالث : أن للذكر مزية هي له خاصة وليست لغيره : وهي الحضور في الحضرة العلية ، والوصول إلى القرب بالذي عبر عنه ما ورد في الحديث من المجالسة والمعية ، فإن الله تعالى يقول : " أنا جليس من ذكرني " ، ويقول : " أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني " متفق عليه من حديث أبي هريرة . وفي رواية البيهقي : وأنا معه حين يذكرني . وللناس في المقصد بالذكر مقامان : فمقصد العامة اكتساب الأجور ، ومقصد الخاصة القرب والحضور ، وما بين المقامين بَوْن بعيد . فكم بين من يأخذ أجره وهو من وراء حجاب ، وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب . واعلم أن الذكر على أنواع كثيرة : فمنها التهليل ، والتسبيح ، والتكبير ، والحمد ، والحوقلة ، والحسبلة ، وذكر كل اسم من أسماء الله تعالى ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والاستغفار ، وغير ذلك . ولكل ذكر خاصيته وثمرته . وأما التهليل : فثمرته التوحيد : أعني التوحيد الخاص فإنّ التوحيد العام حاصل لكل مؤمن ، وأما التكبير : فثمرته التعظيم والإجلال لذي الجلال ، وأما الحمد والأسماء التي معناها الإحسان والرحمة كالرحمن الرحيم والكريم والغفار وشبه ذلك : فقمرتها ثلاث مقامات ، وهي الشكر ، وقوة الرجاء ، والمحبة . فإنّ المحسن محبوب لا محالة . وأما الحوقلة والحسبلة : فثمرتها التوكل على الله والتفويض إلى الله ، والثقة بالله وأما الأسماء التي معناها الاطلاع والإدراك كالعليم والسميع والبصير والقريب وشبه ذلك : فثمرتها المراقبة . وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : فثمرتها شدّة المحبة فيه ، والمحافظة على اتباع سنته ، وأما الاستغفار : فثمرته الاستقامة على التقوى ، والمحافظة على شروط التوبة مع إنكار القلب بسبب الذنوب المتقدّمة . ثم إنّ ثمرة الذكر التي تجمع الأسماء والصفات مجموعة في الذكر الفرد وهو قولنا : الله ، الله . فهذا هو الغاية وإليه المنتهى .