Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 165-165)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } اعلم أن محبة العبد لربه على درجتين : إحداهما : المحبة العامة التي لا يخلو منها كل مؤمن ، وهي واجبة ، والأخرى : المحبة الخاصة التي ينفرد بها العلماء الربانيون ، والأولياء والأصفياء ، وهي أعلى المقامات ، وغاية المطلوبات ، فإن سائر مقامات الصالحين : كالخوف ، والرجاء ، والتوكل ، وغير ذلك فهي مبنية على حظوظ النفس ، ألا ترى أن الخائف إنما يخاف على نفسه ، وأن الراجي إنما يرجو منفعة نفسه ؛ بخلاف المحبة فإنها من أجل المحبوب فليست من المعاوضة ، واعلم أن سبب محبة الله معرفته فتقوى المحبة على قدر قوّة المعرفة ، وتضعف على قدر ضعف المعرفة ، فإن الموجب للمحبة أحد أمرين وكلاهما إذا اجتمع في شخص من خلق الله تعالى كان في غاية الكمال ، الموجب الأوّل الحسن والجمال ، والآخر الإحسان والإجمال ، فأما الجمال فهو محبوب بالطبع ، فإنّ الإنسان بالضرورة يحب كل ما يستحسن ، والإجمال مثل جمال الله في حكمته البالغة وصنائعه البديعة ، وصفاته الجميلة الساطعة الأنوار ، التي تروق العقول وتهيج القلوب ، وإنما يدرك جمال الله تعالى بالبصائر ، لا بالأبصار ، وأما الإحسان ؛ فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها ، وإحسان الله إلى عباده متواتر وإنعامه عليهم باطن وظاهر ، { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] ، ويكفيك أنه يحسن إلى المطيع والعاصي ، والمؤمن والكافر ، وكل إحسان ينسب إلى غيره فهو في الحقيقة منه ، وهو المستحق للمحبة وحده . واعلم أن محبة الله إذ تمكنت من القلب ظهرت آثارها على الجوارح من الجدّ في طاعته والنشاط لخدمته ، والحرص على مرضاته والتلذذ بمناجاته ، والرضا بقضائه ، والشوق إلى لقائه والأنس بذكره ، والاستيحاش من غيره ، والفرار من الناس ، والانفراد في الخلوات ، وخروج الدنيا من القلب ، ومحبة كل من يحبه الله وإيثاره على كل من سواه ، قال الحارث المحاسبي : المحبة تسليمك إلى المحبوب بكليتك ، ثم إيثارك له على نفسك وروحك ، ثم موافقته سراً وجهراً ، ثم علمك بتقصيرك في حبه ( ولو ترى ) من رؤية العين و { ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } مفعول ، وجواب لو محذوف وهو العامل في أن التقدير لو ترى الذين ظلموا لعلمت أنّ القوة لله أو لعلموا أنّ القوة لله ، ويرى بالياء ، وهو على هذه القراءة من رؤيا القلب ، والذي ظلموا فاعل ، وأن القوّة مفعول يرى ، وجواب لو محذوف والتقدير لو يرى الذين ظلموا أنّ القوة لله لندموا ، ولاستعظموا ما حل بهم .