Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 280-282)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } كان تامة بمعنى حضر ووقع ، وقرئ ذا عسرة ، أي إن كان الغريم ذا عسرة { فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } حكم الله للمعسر بالإنظار إلى أن يوسر ، وقد كان قبل ذلك يباع فيما عليه ، ونظرة مصدر ، معناه : التأخير ، وهو مرفوع على أنه خبر ابتداء تقديره فالجواب : نظرة ، أو مبتدأ ، وميسرة أيضاً مصدر وقرئ بضم السين وفتحها { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } ندب الله إلى الصدقة على المعسر بإسقاط الدين عنه فذلك أفضل من إنظاره ، وباقي الآية وعظ ، وقيل إنّ آخر آية نزلت آية الربا ، وقيل بل قوله : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } ، الآية . وقيل آية الدين المذكورة بعد { إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ } أي إذا عامل بعضكم بعضاً بدين ، وإنما ذكر الدين وإن كان مذكوراً في تداينتم ليعود عليه الضمير في اكتبوه وليزول الاشتراك الذي في تداينتم ، إذ يقال لمعنى الجزاء { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } دليل على أنه لا يجوز إلى أجل مجهول ، وأجاز مالك البيع إلى الجذاذ والحصاد ، لأنه معروف عند الناس ، ومنعه الشافعي وأبو حنيفة ، قال ابن عباس : نزلت الآية في السَّلم خاصة يعني : أن سَلَم أهل المدينة كان سبب نزولها ، قال مالك وهذا يجمع الدين كله ، يعني : أنه يجوز التأخير في السلم والسلف وغيرهما { فَٱكْتُبُوهُ } ذهب قوم إلى أن كتابة الدين واجبة بهذه الآية ، وقال قوم : إنها منسوخة لقوله : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً } وقال قوم : إنها على الندب { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ } قال قوم : يجب على الكاتب أن يكتب ، وقال قوم نسخ ذلك بقوله : ولا يضار كاتب ولا شهيد ، وقال آخرون : يجب عليه إذا لم يوجد كاتب سواه ، وقال قوم : إنّ الأمر بذلك على الندب ، ولذلك جاز أخذ الأجرة على كتب الوثائق { بِٱلْعَدْلِ } يتعلق عند ابن عطية بقوله : وليكتب ، وعند الزمخشري بقوله : كاتب فعلى الأول : تكون الكتابة بالعدل ، وإن كان الكاتب غير مرضيّ ، وعلى الثاني : يجب أن يكون الكاتب مرضياً في نفسه ، قال مالك : لا يكتب الوثائق إلاّ عارف بها ، عدل في نفسه مأمون { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ } نهي عن الإباية ، وهو يقوّي الوجوب { كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ } يتعلق بقوله أن يكتب ، والكاف للتشبيه أي : يكتب مثل ما علمه الله أو للتعليل : أي ينفع الناس بالكتابة كما علمه الله لقوله : { وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } [ القصص : 77 ] وقيل : يتعلق بقوله بعدها { فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ } يقال أمللت الكتاب ، وأمليته ، فورد هنا على اللغة الواحدة ، وفي قوله تملي عليه على الأخرى { ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ } لأنّ الشهادة إنما هي باعترافه ، فإن كتب الوثيقة دون إملاله ، ثم أقرّ بها جاز { وَلاَ يَبْخَسْ } أمر الله بالتقوى فيما يملي ، ونهاه عن البخس وهو نقص الحق { سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ } السفيه الذي لا يحسن النظر في ماله ، والضعيف الصغير وشبهه ، والذي لا يستطيع أن يمل الأخرس وشبهه { وَلِيُّهُ } أبوه ، أو وصيه ، والضمير عائد على الذي عليه الحق { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ } نص في رفض شهادة الكفار والصبيان والنساء ، وأما العبيد فاللفظ يتناولهم ، ولذلك أجاز ابن حنبل شهادتهم ، ومنعها مالك والشافعي لنقص الرق { فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ } قال قوم : لا تجوز شهادة المرأتين إلاّ مع الرجال ، وقال معنى الآية : إن لم يكونا أي إن لم يوجدا وأجاز الجمهور أن المعنى إن لم يشهد رجلان فرجل وامرأتان ، وإنما يجوز عند مالك شهادة الرجل والمرأتين في الأموال لا في غيرها ، وتجوز شهادة المرأتين دون رجل ، فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة والاستهلال ، وعيوب النساء ، وارتفع رجل بفعل مضمر تقديره : فليكن رجل ، فهو فاعل ، أو تقديره : فليستشهد رجل فهو مفعول لم يسم فاعله ، أو بالابتداء تقديره : فرجل وامرأتان يشهدون { مِمَّن تَرْضَوْنَ } صفة للرجل والمرأتين ، وهو مشترط أيضاً في الرجلين الشاهدين ، لأن الرضا مشترط في الجميع وهو العدالة ، ومعناها اجتناب الذنوب الكبائر ، وتوقي الصغائر مع المحافظة على المروءة { أَن تَضِلَّ } مفعول من أجله ، والعامل فيه هو المقدر العامل في رجل وامرأتان والضلال في الشهادة هو نسيانها أو نسيان بعضها ، وإنما جعل ضلال إحدى المرأتين مفعولاً من أجله ، وليس هو المراد ، لأنه سبب لتذكير الأخرى لها وهو المراد ، فأقيم السبب مقام المسبب ، وقرئ : إن تضل : بكسر الهمزة على الشرط ، وجوابه الفاء في فتذكر ، ولذلك رفعه من كسر الهمزة ، ونصبه من فتحها على العطف ، وقرئ تذكر بالتشديد والتخفيف ، والمعنى واحد { وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ } أي لا يمتنعون { إِذَا مَا دُعُواْ } إلى أداء الشهادة وقد ورد تفسيره بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واتفق العلماء أن أداء الشهادة واجب إذا دعي إليها ، وقيل : إذا دعوا إلى تحصيل الشهادة وكتبها . وقيل : إلى الأمرين { وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ } أي لا تملوا من الكتابة إذا ترددت وكثرت ، سواء كان الحق صغيراً أو كبيراً ، ونصب صغيراً على الحال { ذَٰلِكُمْ } إشارة إلى الكتابة { أَقْسَطُ } من القسط وهو العدل { وَأَقْومُ } بمعنى أشد إقامة ، وينبني أفعل فيهما من الرباعي وهو قليل { وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ } أي أقرب إلى عدم الشك في الشهادة { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً } أن في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، لأن الكلام المتقدم في الدين المؤجل ، والمعنى : إباحة ترك الكتابة في التجارة الحاضرة ، وهو ما يباع بالنقد وغيره ، { تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ } يقتضي القبض والبينونة { وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } ذهب قوم إلى وجوب الإشهاد على كل بيع صغيراً أو كبيراً ، وهم الظاهرية ، خلافاً للجمهور . وذهب قوم إلى أنه منسوخ بقوله : فإن أمن بعضكم بعضاً ، وذهب قوم إلى أنه على الندب { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } يحتمل أن يكون كاتب فاعلاً على تقدير كسر الراء المدغمة من يضارّ ، والمعنى على هذا نهي للكاتب والشاهد أن يضارّ صاحب الحق أو الذي عليه الحق بالزيادة فيه أو في النقصان منه ، أو الامتناع من الكتابة أو الشهادة ، ويحتمل أن يكون كاتب مفعولاً لم يسم فاعله على تقدير فتح الراء المدغمة ، ويقوي ذلك قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، " لا يضارر " بالتفكيك وفتح الراء ، والمعنى : النهي عن الإضرار بالكاتب والشاهد بإذايتهما بالقول أو بالفعل { وَإِن تَفْعَلُواْ } أي إن وقعتم في الإضرار { فَإِنَّهُ فُسُوقٌ } حال بكم { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ } إخبار على وجه الامتنان ، وقيل : معناه الوعد بأن من اتقى علمه الله وألهمه وهذا المعنى صحيح ، ولكن لفظ الآية لا يعطيه ، لأنه لو كان كذلك لجزم يعلمكم في جواب اتقوا .