Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 35-35)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } النور يطلق حقيقة على الضوء الذي يدرك بالأبصار ، ومجازاً على المعاني التي تدرك بالقلوب ، والله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] ، فتأويل الآية الله ذو نور السمٰوات والأرض ؛ ووصف نفسه بأنه نور كما تقول زيد كرَم إذا أردت المبالغة في أنه كريم ، فإن أراد بالنور المدرك بالأبصار ، فمعنى نور السمٰوات والأرض أنه خلق النور الذي فيهما من الشمس والقمر والنجوم ، أو أنه خلقهما وأخرجهما من العدم إلى الوجود ، فإنما ظهرت به كما تظهر الأشياء بالضوء ، ومن هذا المعنى قرأ عليّ بن أبي طالب : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } بفتح النون والواو والراء وتشديد الواو : أي جعل فيهما النور ، وإن أراد بالنور المدرك بالقلوب ، فمعنى نور السمٰوات والأرض جاعل النور في قلوب أهل السمٰوات والأرض ولهذا قال ابن عباس : معناه هادي أهل السمٰوات والأرض . { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } المشكاة هي الكوة غير النافذة تكون في الحائط ، ويكون المصباح فيها شديد الإضاءة وقيل : المشكاة العمود الذي يكون المصباح على رأسه ، والأول أصح وأشهر ، والمعنى صفة نور الله في وضوحه كصفة مشكاة فيها مصباح ، على أعظم ما يتصوّره البشر من الإضاءة والإنارة ، وإنما شبه بالمشكاة وإن كان نور الله أعظم ، لأن ذلك غاية ما يدركه الناس من الأنوار ، فضرب المثل لهم بما يصلون إلى إدراكه . وقيل : الضمير في نوره عائد على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : على القرآن ، وقيل : على المؤمن ، وهذه الأقوال ضعيفة لأنه لم يتقدم ما يعود عليه الضمير ، فإن قيل : كيف يصح أن يقال الله نور السمٰوات والأرض فأخبر أنه هو النور ثم أضاف النور إليه في قوله : { مَثَلُ نُورِهِ } ، والمضاف عين المضاف إليه ؟ فالجواب أن ذلك يصح مع التأويل الذي قدمناه أي الله ذو نور السمٰوات والأرض ، أو كما تقول : زيد كرم ، ثم تقول : ينعش الناس بكرمه { ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } المصباح هو الفتيل بناره ، والمعنى أنه في قنديل من زجاج لأن الضوء فيه أزهر ، لأنه جسم شفاف { ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } شبه الزجاجة في إنارتها بكوكب دريّ ، وذلك يحتمل معنيين إما أن يريد أنها تضيء بالمصباح الذي فيها ، وإما أن يريد أنها في نفسها شديدة الضوء لصفائها ورقة جوهرها ، وهذا أبلغ لاجتماع نورها مع نور المصباح ، والمراد بالكوكب الدرّي أحد الدراري المضيئة : كالمشتري ، والزهرة ، وسهيل ، ونحوها ، وقيل : أراد الزهرة ، ولا دليل على هذا التخصيص ، وقرأ نافع { دري } بضم الدال وتشديد الياء بغير همزة ولهذه القراءة وجهان : إما أن ينسب الكوكب إلى الدرّ لبياضه وصفائه ، أو يكون مسهلاً من الهمز ، وقرأ حمزة وأبو بكر : { دُرِّيء } بالهمز وكسر الدال ، بالهمز وضم الدال ، وهو مشتق من الدرء بمعنى الدفع . { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } من قرأ يوقد بالياء أو تَوَقَّدَ بالفعل الماضي فالفعل مسند إلى المصباح ، ومن قرأ توقد بالتاء والفعل المضارع فهو مسند إلى الزجاجة ، والمعنى : توقد من زيت شجرة مباركة ، ووصفها بالبركة لكثرة منافعها ، أو لأنها تنبت في الأرض المباركة وهي الشام { لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } قيل : يعني أنها بالشام فليست من شرق الأرض ولا من غربها ، وأجود الزيتون زيتون الشام ، وقيل : هي منكشفة تصيبها الشمس طول النهار ، فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية ، ولا للغرب فتسمى غربية بل هي غربية شرقية ، لأن الشمس تستدير عليها من الشرق والغرب ، وقيل : إنها في وسط دوحة لا في جهة الشرق من الدوحة ولا في جهة الغرب ، وقيل : إنها من شجرة الجنة ولو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } مبالغة في وصف صفائه وحسنه { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } يعني اجتماع نور المصباح وحسن الزجاجة وطيب الزيت ، والمراد بذلك كمال النور الممثل به { يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ } أي يوفق الله من يشاء لإصابة الحق .