Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 43-43)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } سببها أن جماعة من الصحابة شربوا الخمر قبل تحريمها ، ثم قاموا إلى الصلاة وأمّهم أحدهم فخلط في القراءة فمعناها النهي عن الصلاة في حال السكر . قال بعض الناس : هي منسوخة بتحريم الخمر ، وذلك لا يلزم لأنها ليس فيها ما يقتضي إباحة الخمر ، إنما هي نهي عن الصلاة في حال السكر ، وذلك الحكم الثابت في حين إباحة الخمر وفي حين تحريمها ، وقال بعضهم : معناها ؛ لا يكن منكم سكر يمنع قرب الصلاة ، إذ المرء مأمور بالصلاة فكأنها تقتضي النهي عن السكر وعن سببه وهو الشرب ، وهذا بعيد من مقتضى اللفظ { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } حتى تعود إليكم عقولكم فتعلمون ما تقرؤون ، ويظهر من هذا أن السكر أن لا يعلم ما يقول ؛ فأخذ بعض الناس من ذلك أن السكران لا يلزم طلاقه ولا إقراره { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } عطف ولا جنباً على موضع وأنتم سكارى ، إذ هو في موضع الحال والجنب هنا غير الطاهر بإنزال إو إيلاج ؛ وهو واقع على جماعة بدليل استثناء الجمع منه . واختلف في عابري سبيل فقيل : إنه المسافر ، ومعنى الآية على هذا : نهى أن يقرب الصلاة وهو جنب إلاّ في السفر فيصلي بالتيمم دون اغتسال ، فمقتضى الآية . إباحة التيمم للجنب في السفر ، ويؤخذ إباحة التيمم للجنب في الحضر من الحديث ، وقيل : عابر السبيل المارّ في المسجد ، والصلاة هنا يراد بها المسجد ، لأنه موضع الصلاة فمعنى الآية على هذا : النهي أن يقرب المسجد الجنب إلاّ خاطراً عليه ، وعلى هذا أخذ الشافعي بأنه يجوز للجنب أن يمر في المسجد ، ولا يجوز له أن يقعد فيه ، ومنع مالك : المرور والقعود ، وأجازهما داود الظاهري { وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } الآية سببها عدم الصحابة الماء في غزوة المريسيع فأبيح لهم التيمم لعدم الماء ، ثم إن عدم الماء على ثلاثة أوجه : أحدها : عدمه في السفر ، والثاني : عدمه في المرض ، فيجوز التيمم في هذين الوجهين بإجماع ، لأن الآية نص في المرض والسفر إذا عدم الماء فيهما ، لقوله : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } ثم قال : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } . الوجه الثالث : عدم الماء في الحضر دون مرض ، فاختلف الفقهاء فيه ، فمذهب أبو حنيفة أنه لا يجوز فيه التيمم ، لأن ظاهر الآية أن عدم الماء إنما يعتبر مع المرض أو السفر ، ومذهب مالك والشافعي : أنه يجوز فيه التيمم فإن قلنا : إن الآية لا تقتضيه فيؤخذ جوازه من السنّة . وإن قلنا : إن الآية تقتضيه ، فيؤخذ جوازه منها ، وهذا هو الأرجح إن شاء الله ، وذلك أنه ذكر في أول الآية المرض والسفر ، ثم ذكر الإحداث دون مرض ولا سفر ، ثم قال بعد ذلك كله : فلم تجدوا ماء فيرجع قوله { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } إلى المرض وإلى السفر وإلى من أحدث في غير مرض ولا سفر فيجوز التيمم على هذا لمن عدم الماء في غير مرض ولا سفر ، فيكون في الاية حجة لمالك والشافعي ، ويجوز التيمم أيضاً في مذهب مالك للمريض إذا وجد الماء ، ولم يقدر على استعماله لضرر بدنه ، فإن قلنا : إن الآية لا تقتضيه ، فيؤخذ جوازه من السنة ، وإن قلنا إن السنة تقتضيه ، فيؤخذ جوازه منها على أن يتناول قوله إن كنتم مرضى أن معناه مرضى لا تقدرون على مس الماء ، وحدّ المرض الذي يجوز فيه التيمم عند مالك هو : أن يخاف الموت أو زيادة المرض أو تأخر البرء ، وعند الشافعي : خوف الموت لا غير ، وحدّ السفر : الغيبة عن الحضر سواء ، كان مما تقصر فيه الصلاة أم لا { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ } في أو هنا تأويلان : أحدهما : أن تكون للتفصيل والتنويع على بابها ، والآخر : أنها بمعنى الواو ، فعلى القول بأنها على بابها يكون قوله : فلم تجدوا ماء راجعاً إلى المريض والمسافر ، وإلى من جاء من الغائط ، وإلى من لامس ، سواء كانا مريضين أو مسافرين ، أو حسبما ذكرنا قبل هذا ، فيقتضي لك جواز التيمم للحاضر الصحيح إذا عدم الماء وهو مذهب مالك والشافعي فيكون في الآية حجة لهما وعلى القول بأنها بمعنى الواو يكون قوله فلم تجدوا ماء . راجعاً إلى المريض والمسافر فيقتضي ذلك أنه لا يجوز التيمم إلا في المرض والسفر مع عدم الماء وأنه لا يجوز للحاضر الصحيح إذا عدم الماء ، ولكن يؤخذ جواز التيمم له من موضع آخر ، والراجح أن تكون أو على بابها لوجهين ؛ أحدهما أن جعلها بمعنى الواو إخراج لها عن أصلها وذلك ضعيف ، والآخر إن كانت على بابها : كان فيها فائدة إباحة التيمم للحاضر الصحيح إذا عدم الماء على ما ظهر لنا فيها ، وإذا كانت بمعنى الواو لم تعط هذه الفائدة ، وحجة من جعلها بمعنى الواو أنه لو جعلها على بابها لاقتضى المعنى أن المرض والسفر حدث يوجب الوضوء كالغائط لعطفه عليها . وهذا لا يلزم ، لأن العطف بأو هنا للتنويع والتفصيل . ومعنى الآية كأنه قال : يجوز لكم التيمم إذا لم تجدوا ماء إن كنتم مرضى أو على سفر ، وأحدثتم في غير مرض ولا سفر { ٱلْغَآئِطِ } أصله المكان المنخفض ، وهو هنا كناية عن الحدث الخارج من المخرجين ، وهو العذرة ، والريح ، والبول ، لأن من ذهب إلى الغائط يكون منه هذه الأحداث الثلاث ، وقيل : إنما هو كناية عن العذرة ، وأما البول والريح ، فيؤخذ وجوب الوضوء لهما من السنة ، وكذلك الودي والمذي . { أَوْ لٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } اختلف في المراد بالملامسة هنا على ثلاثة أقوال ؛ أحدها : أنها الجماع وما دونه من التقبيل واللمس باليد وغيرها ، وهو قول مالك ، فعلى هذا ينتقض الوضوء باللمس الذي هو دون الجماع على تفصيل في المذهب ، ويجب معه التيمم إذا عدم الماء ، ويكون الجنب من أهل التيمم ، والقول الثاني : أنها ما دون الجماع ، فعلى هذا ينتقض الوضوء باللمس ، ولا يجوز التيمم للجنب ، وقد قال بذلك عمر بن الخطاب . ويؤخذ جوازه من الحديث . والثالث أنها الجماع ؛ فعلى هذا يجوز التيمم للجنب ، ولا يكون ما دون الجماع ناقضاً للوضوء وهو مذهب أبي حنيفة { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } هذا يفيد وجوب طلب الماء وهو مذهب مالك ، خلافاً لأبي حنيفة فإن وجده بثمن فاختلف هل يجوز له التيمم أم لا ، وإن وهب له فاختلف هل يلزم قبوله أم لا { فَتَيَمَّمُواْ } التيمم في اللغة : القصد ، وفي الفقه : الطهارة بالتراب ، وهو منقول من المعنى اللغوي { صَعِيداً طَيِّباً } الصعيد عند مالك هو وجه الأرض ، كان تراباً أو رملاً أو حجارة فأجاز التيمم بذلك كله ، وهو عند الشافعي التراب لا غير ، والطيب هنا الطاهر . واختلف في التيمم بالمعادن كالذهب وبالملح وبالتراب المنقول كالمجعول في طبق ، وبالآجر ، وبالجص المطبوخ ، وبالجدار ، وبالنبات الذي على وجه الأرض ، وذلك كله على الاختلاف في معنى الصعيد { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } لا يكون التيمم إلا في هذين العضوين ، ويقدم الوجه على اليدين لظاهر الآية ، وذلك على الندب عند مالك ، ويستوعب الوجه بالمسح ، وأما اليدان فاختلف هل يمسحهما إلى الكوعين ، أو إلى المرفقين ؟ ولفظ الآية محتمل ، لأنه لم يحد ، وقد احتج من قال إلى المرفقين بأن هذا مطلق ، فيحمل على المقيّد ، وهو تحديدها في الضوء بالمرفقين .