Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 5-7)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } معنى حل : حلال ، والذين أوتوا الكتاب هم اليهود ، والنصارى ، واختلف في نصارى بني تغلب من العرب ، وفيمن كان مسلماً ثم ارتد إلى اليهودية أو النصرانية ، هل يحل لنا طعامهم أم لا ؟ ولفظ الآية يقتضي الجواز لأنهم من أهل الكتاب ، واختلف في المجوس والصابئين . هل هم أهل كتاب أم لا ؟ . وأما الطعام ، فهو على ثلاثة أقسام أحدها : الذبائح وقد اتفق العلماء على أنها مرادة في الآية ، فأجازوا كل ذبائح اليهود والنصارى ، واختلفوا فيما هو محرم عليهم في دينهم ، هل يحل لنا أم لا على ثلاثة أقوال : الجواز ، والمنع ، والكراهة ، وهذا الاختلاف مبني على هل هو من طعامهم أم لا فإن أريد بطعامهم ما ذبحوه جاز ، وإن أريد به ما يحل لهم منع ، والكراهة توسط بين القولين . القسم الثاني ما لا محاولة لهم فيه كالقمح والفاكهة فهو جائز لنا باتفاق ، والثالث : ما فيه محاولة : كالخبز ، وتعصير الزيت ، وعقد الجبن وشبه ذلك مما يمكن استعمال النجاسة فهي ، فمنعه ابن عباس لأنه رأى أن طعامهم هو الذبائح خاصة ، ولأنه يمكن أن يكون نجساً ، وأجازه الجمهور ، لأنه رأوه داخلاً في طعامهم ، هذا إذا كان استعمال النجاسة فيه محتملاً ، فأما أذا تحققنا استعمال النجاسة فيه كالخمر والخنزير والميتة ، فلا يجوز أصلاً وقد صنف الطرطوشي في تحريم جبن النصارى ، وقال : إنه ينجس البائع والمشتري والآلة ، لأنهم يعقدونه بأنفحة الميتة ، ويجري مجرى ذلك الزيت إذا علمنا أنهم يجعلونه في ظروف الميتة { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } هذه إباحة للمسلمين أن يطعموا أهل الكتاب من طعامهم { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ } عطف على الطعام المحلل ، وقد تقدّم أن الإحصان له أربعة معان : الإسلام ، والتزوج والعفة ، والحرية . فأما الإسلام فلا يصح هنا لقوله من الذين أوتوا الكتاب ، وأما التزوج فلا يصح أيضاً لأن ذات الزوج لا تحل لغيره ، ويحتمل هنا العفة والحرية ، فمن حمله على العفة أجاز نكاح المرأة الكتابية سواء كانت حرة أو أمة ، ومن حمله على الحرية أجاز نكاح الكتابية الحرة ومنع الأمة ، وهو مذهب مالك ، ولا تعارض بين هذه الآية . وبين قوله : ولا تنكحوا المشركات لأنه هذه في الكتابيات ، والأخرى في المشركات ، وقد جعل بعض الناس هذه ناسخة لتلك ، وقيل : بالعكس ، وقد تقدم معنى { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [ النساء : 24 ] ومعنى الأخذان : { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } [ البقرة : 153 ] نزلت في غزوة المريسيع ، حين انقطع عقد عائشة رضي الله عنها ، فأقام الناس على التماسه وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء ، فنزلت الرخصة في التيمم ، فقال أسيد بن حضير : ما هذه بأول بركاتكم يا آل أبي بكر ولذلك سميت الآية آية التيمم ، وقد كان الوضوء مشروعاً قبلها ، ثابتاً بالسنة ، وقوله : إذا قمتم إلى الصلاة معناه : إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضأوا . ويقتضي ظاهرها وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة ، وهو مذهب ابن سيرين وعكرمة . ومذهب الجمهور : أنه لا يجب ، واختلفوا في تأويل الآية على أربعة أقوال : الأول : أن وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة منسوخ بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد ، والثاني : أن ما تقتضيه الآية من التجديد يحمل على الندب ، والثالث : أن تقديرها إذا قمتم محدثين فإنما يجب على من أحدث ، والرابع : أن تقديرها إذا قمتم من النوم { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } ذكر في هذه الآية . أربعة أعضاء اثنين محدودين ، وهما اليدان والرجلان واثنين غير محدودين وهما الوجه والرأس أما المحدودان فتغسل اليدان إلى المرفقين ، والرجلان إلى الكعبين وجوباً بإجماع ، فإنّ ذلك هو الحد الذي جعل الله لهما ، واختلف هل يجب غسل المرفقين مع اليدين ، وغسل الكعبين مع الرجلين أم لا ، وذلك مبني على معنى إلى ، فمن جعل إلى بمعنى مع في قوله إلى المرافق وإلى الكعبين أوجب غسلهما . ومن جعلها بمعنى الغاية لم يوجب غسلهما ؛ واختلف في الكعبين ، هل هما اللذان عند معقد الشراك أو العظمان الناتئان في طرف الساق ، وهو أظهر لأنه ذكرهما بلفظ التثنية ، ولو كان اللذان عند معقد الشراك لذكرهما بلفظ الجمع كما ذكر المرافق ، لأنه على ذلك في كل رجل كعب واحد وأما غير المحدودين ، فاتفق على وجوب استيعاب الوجه . وحده طولاً من أول منابت الشعر إلى آخر الذقن أو اللحية ، وحدّه عرضاً من الأذن إلى الأذن وقيل : من العذار إلى العذار ، وأما الرأس ، فمذهب مالك وجوب إيعابه كالوجه ، ومذهب كثير من العلماء جواز الاقتصار على بعضه ، لما ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته ولكنهم اختلفوا في القدر الذي يجزئ على أقوال كثيرة { وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } اختلف في هذه الباء فقال قوم : إنها للتبعيض وبنوا على ذلك جواز مسح بعض الرأس ، وهذا القول غير صحيح عند أهل العربية ، وقال القرافي : إنها باء الاستعانة التي تدخل على الآلات وأن المعنى : امسحوا أيديكم برؤوسكم ، وهذا ضعيف لأن الرأس على هذا ما مسح لا ممسوح ، وذلك خلاف المقصود ، وقيل إنها زائدة وهو ضعيف ، لأن هذا ليس موضع زيادتها والصحيح عندي : أنها باء الإلصاق التي توصل الفعل إلى مفعوله ؛ لأن المسح تارة يتعدّى بنفسه ، وتارة بحرف الجر : كقوله : فامسحوا بوجوهكم ، وكقوله : { فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } [ ص : 33 ] { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } قرئ وأرجلَكم بالنصب عطفاً على الوجوه والأيدي فيقتضي ذلك وجوب غسل الرجلين ، وقرئ بالخفض ، فحمله بعضهم على أنه عطف على قوله : برؤوسكم ، فأجاز مسح الرجلين ، روي ذلك عن ابن عباس ، وقال الجمهور لا يجوز مسحهما بل يجب غسلهما وتأولوا قراءة الخفض بثلاثة تأويلات : أحدها : أنه خفض على الجوار لا على العطف . والآخر : أنه يراد به المسح على الخفين ، والثالث : أن ذلك منسوخ بالسنة . والفرق بين الغسل والمسح أن المسح إمرار اليدين بالبلل الذي يبقى من الماء ، والغسل عند مالك إمرار اليد بالماء ، وعند الشافعي إمرار الماء ، وإن لم يدلك باليد { وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } تقدم الكلام على نظيرتها في النساء { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ } أي من ضيق ولا مشقة كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دين الله يسر " ، وباقي الآية تفضل من الله على عباده ورحمة وفي ضمن ذلك ترغيب في الطهارة وتنشيط عليها { وَمِيثَٰقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ } هو ما وقع في بيعة العقبة وبيعة الرضوان ، وكل موطن قال المسلمون فيه : سمعنا وأطعنا .