Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 93, Ayat: 5-11)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما نزلت إذاً لا أرضي أن يبقى واحد من أمتي في النار " قال بعضهم : هذه أرجى آية في القرآن ، وقال ابن عباس : رضاه أن الله وعده بألف قصر في الجنة بما يحتاج إليه من النعم والخدم وقيل : رضاه في الدنيا بفتح مكة وغيره . والصحيح أنه وعد يعمُّ كل ما أعطاه الله في الآخرة ، وكل ما أعطاه في الدنيا من النصر والفتوح وكثرة المسلمين وغير ذلك { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } عدد الله نعمه عليه فيما مضى من عمره ، ليقيس عليه ما يستقبل فتطيب نفسه ، ويقوي رجاؤه ووجد في هذه المواضع تتعدى إلى مفعولين وهي بمعنى علم ؛ فالمعنى ألم تكن يتيماً فآواك . وذلك أن والده عليه السلام توفي وتركه في بطن أمه ، ثم ماتت أمه وهو ابن خمسة أعوام ، وقيل : ثمانية فكفله جدّه عبد المطلب ، ثم مات وتركه ابن اثني عشر عاماً فكفله عمه أبو طالب ، وقيل لجعفر الصادق : لم نشأ النبي صلى الله عليه وسلم يتيماً ؟ فقال : لئلا يكون عليه حق لمخلوق . { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } فيه ستة أقوال : أحدها : وجدك ضالاً عن معرفة الشريعة فهداك إليها ، فالضلال عبارة عن التوقيف في أمر الدين حتى جاءه الحق من عند الله ، فهو كقوله : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] وهذا هو الأظهر وهو الذي اختاره ابن عطية وغيره ومعناه أنه لم يكن يعرف تفصيل الشريعة وفروعها حتى بعثه الله ، ولكنه ما كفر بالله ولا أشرك به لأنه كان معصوماً من ذلك قبل النبوة وبعدها . والثاني : وجدك في قوم ضلاّل ، فكأنك واحد منهم ، وإن لم تكن تعبد ما يعبدون ، وهذا قريب من الأول . والثالث : وجدك ضالاً عن الهجرة فهداك إليها ، وهذا ضعيف ، لأن السورة نزلت قبل الهجرة . الرابع : وجدك حامل الذكر لا تعرف فهدى الناس إليك وهداهم بك ، وهذا بعيد عن المعنى المقصود . الخامس : أنه من الضلال عن الطريق ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم ضلّ في بعض شعب مكة ، وهو صغير فردّه الله إلى جده ، وقيل : بل ضلّ من مرضعته حليمة فرده الله إليها ، وقيل : بل ضل في طريق الشام حين خرج إليها مع أبي طالب . السادس : أنه بمعنى الضلال من المحبة أي وجدك محباً لله فهداك إليه ومنه قول إخوة يوسف لأبيهم ، { تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [ يوسف : 95 ] محبتك ليوسف ، وبهذا كان يقول شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } العائل : الفقير يقال : عال الرجل فهو عائل إذا كان محتاجاً ، وأعال فهو معيل إذا كثر عياله وهذا الفقر والغنى هو في المال ، وغناؤه صلى الله عليه وسلم هو أن أعطاه الله الكفاف ، وقيل : هو رضاه بما أعطاه الله ، وقيل : المعنى وجدك فقيراً إليه فأغناك به { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } أي لا تغلبه على ماله وحقه لأجل ضعفه أو لا تقهره بالمنع من مصالحه ووجوه القهر كثيرة والنهي يعمّ جميعها { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } النهر هو الانتهار والزجر ، والنهي عنه أمر بالقول الحسن والدعاء للسائل كما قال تعالى : { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } [ الإسراء : 28 ] ويحتمل السائل أن يريد به سائل الطعام والمال ، وهذا هو الأظهر والسائل عن العلم والدين . وفي قوله تقهر وتنهر لزوم ما لا يلزم من التزام الهاء قبل الراء . { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } قيل : معناه بثّ القرآن وبلغ الرسالة والصحيح أنه عموم جميع النعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التحدث بالنعم شكر " ولذلك كان بعض السلف يقول : لقد أعطاني الله كذا ولقد صليت البارحة كذا ، وهذا إنما يجوز إذا كان على وجه الشكر أو ليقتدى به ، فأما على وجه الفخر والرياء فلا يجوز ، وانظر كيف ذكر الله في هذه السورة ثلاث نعم ، ثم ذكر في مقابلتها ثلاث وصايا فقابل قوله : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً } بقوله : { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } ، وقابل قوله : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ } بقوله : { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } ، على قول من قال إنه السائل عن العلم وقابله بقوله : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } على القول الآخر ، وقابل : قوله : { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } بقوله : { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } على القول الأظهر ، وقابله : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } على القول الآخر .