Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 1-1)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل العلم هل هي آية مستقلة في أول كل سورة كتبت في أولها ، أو هي كذلك في الفاتحة فقط دون غيرها ، أو أنها ليست بآية في الجميع وإنما كتبت للفصل ؟ والأقوال وأدلتها مبسوطة في موضع الكلام على ذلك . وقد اتفقوا على أنها بعض آية في سورة النمل . وقد جزم قرّاء مكة ، والكوفة بأنها آية من الفاتحة ومن كل سورة . وخالفهم قّراء المدينة ، والبصرة ، والشام ، فلم يجعلوها آية لا من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، قالوا وإنما كتبت للفصل والتبرّك . وقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه { بسم الله الرحمٰن الرحيم } . وأخرجه الحاكم في المستدرك . وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وغيرها آية » . وفي إسناده عمرو بن هارون البلخي ، وفيه ضعف ، وروى نحوه الدارقطني مرفوعاً عن أبي هريرة . وكما وقع الخلاف في إثباتها وقع الخلاف في الجهر بها في الصلاة . وقد أخرج النسائي في سننه ، وابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة « أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، وقال بعد أن فرغ إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم » ، وصححه الدارقطني ، والخطيب ، والبيهقي ، وغيرهم . وروى أبو داود ، والترمذي عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بـ { بسم الله الرحمن الرحيم } قال الترمذي وليس إسناده بذلك . وقد أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بلفظ « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ { بسم الله الرحمٰن الرحيم } ، ثم قال صحيح . وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كانت قراءتُه مدّاً ، ثم قرأ { بسم الله الرحمٰن الرحيم } يمدّ بسم الله ، ويمدّ الرحمٰن ، ويمدّ الرحيِّم . وأخرج أحمد في المسند ، وأبو داود في السنن ، وابن خزيمة في صحيحه ، والحاكم في مستدركه عن أم سلمة أنها قالت « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته { بسم الله الرحمٰن الرحيِّم الحمد لله ربّ العالمين . الرحمٰن الرحيِّم . مالك يوم الدين } وقال الدارقطني إسناده صحيح . واحتجّ من قال بأنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة بما في صحيح مسلم عن عائشة قالت « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بـ { الحمد لله ربّ العالمين } . وفي الصحيحين عن أنس قال « صليت خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فكانوا يستفتحون بـ { الحمد لله ربّ العالمين } . ولمسلم لا يذكرون { بسم الله الرحمن الرحيم } في أول قراءة ، ولا في آخرها . وأخرج أهل السنن نحوه عن عبد الله بن مُغَفّل . وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة ، وجماعة من الصحابة . وأحاديث الترك ، وإن كانت أصح ، ولكن الإثبات أرجح مع كونه خارجاً من مخرج صحيح ، فالأخذ به أولى ، ولا سيما مع إمكان تأويل الترك ، وهذا يقتضي الإثبات الذاتي ، أعني كونها قرآناً والوصفي أعني الجهر بها عند الجهر بقراءة ما يفتتح بها من السور في الصلاة . ولتنقيح البحث ، والكلام على أطرافه استدلالاً ، وردّاً ، وتعقُّباً ، ودفعاً ، ورواية ، ودراية موضعٌ غير هذا . ومتعلق " الباء " محذوف ، وهو أقرأ ، أو أتلو لأنه المناسب لما جعلت البسملة مبدأ له ، فمن قَدَّره متقدماً كان غرضه الدلالة بتقديمه على الاهتمام بشأن الفعل ، ومن قدره متأخراً كان غرضه الدلالة بتأخيره على الاختصاص ، مع ما يحصل في ضمن ذلك من العناية بشأن الاسم ، والإشارة إلى أن البداية به أهمّ ، لكون التبرّك حصل به ، وبهذا يظهر رجحان تقدير الفعل متأخراً في مثل هذا المقام ، ولا يعارضه قوله تعالى { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ } العلق 1 لأن ذلك المقام مقام القراءة ، فكان الأمر بها أهمّ ، وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسماً أو فعلاً فلا يتعلق بذلك كثير فائدة . و " الباء " للاستعانة أو للمصاحبة ، ورجح الثاني الزمخشري . واسم أصله سمو ، حذفت لامه ، ولما كان من الأسماء التي بنوا أوائلها على السكون زادوا في أوّله الهمزة إذا نطقوا به لئلا يقع الابتداء بالساكن ، وهو اللفظ الدَّالُّ على المسمَّى ومن زعم أن الاسم هو المسمى كما قاله أبو عبيدة ، وسيبويه ، والباقلاني ، وابن فورك ، وحكاه الرازي عن الحشوية والكَّرامية والأشعرية ، فقد غلط غلطاً بيَّناً ، وجاء بما لا يعقل ، مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب ، ولا من السنة ، ولا من لغة العرب ، بل العلم الضروري حاصل بأن الاسم الذي هو أصوات مقطعة ، وحروف مؤلفة ، غير المسمى الذي هو مدلوله ، والبحث مبسوط في علم الكلام . وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة " إن لله تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة " ، وقال الله عزّ وجلّ { وَللَّهِ ٱلاسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } الأعراف 180 وقال تعالى { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَى } الإسراء 110 فله الأسماء الحسنى ــ . والله علم لذات الواجب الوجود لم يطلق على غيره ، وأصله إله حذفت الهمزة ، وعُوّضت عنها أداة التعريف ، فلزمت . وكان قبل الحذف من أسماء الأجناس ، يقع على كل معبود بحق ، أو باطل ، ثم غلب على المعبود بحق ، كالنجم ، والصعق ، فهو قبل الحذف من الأعلام الغالبة ، وبعده من الأعلام المختصة . { والرحمٰن الرحيم } اسمان مشتقان من الرحمة على طريق المبالغة ، ورحمٰن أشد مبالغة من رحيم . وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا ، ولذلك قالوا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا . وقد تقررّ أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى . وقال ابن الأنباري ، والزجّاج إن الرحمٰن عَبْرَاني ، والرحيِّم عربي . وخالفهما غيرهما . والرحمٰن من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عزّ وجل . وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمٰن اليمامة ، فقال في الكشاف إنه باب من تعنتهم في كفرهم . قال أبو عليّ الفارسيّ الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة ، يختص به الله تعالى ، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين ، قال الله تعالى { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } الأحزاب 43 وقد ورد في فضلها أحاديث . منها ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه ، وابن خزيمة في كتاب البسملة والبيهقي عن ابن عباس ، قال استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن { بسم الله الرحمٰن الرحيم } . وأخرج نحوه أبو عبيد ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضاً . وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كان جبريلُ إذا جاءني بالوحي أوّلُ ما يلقي عليّ { بسم الله الرحمٰن الرحيم } " . وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره ، والحاكم في المستدرك ، وصححه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أن عثمان بن عفان سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن { بسم الله الرحمٰن الرحيم } ، فقال " هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين ، وبياضها من القرب " . وأخرج ابن جرير وابن عديّ في الكامل ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، والثعلبي بسند ضعيف جداً عن أبي سعيد الخدري ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن عيسى ابن مريم أسلمته أمُّهُ إلى الكتاب لتعلِّمه ، فقال له المعلم اكتب { بسم الله الرحمٰن الرحيم } ، فقال له عيسى وما بسم الله الرحمٰن الرحيم ؟ قال المعلم لا أدري ، فقال له عيسى الباء بهاء الله ، والسين سناه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمٰن رحمٰن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرة " وفي إسناده إسماعيل بن يحيـى ، وهو كذاب . وقد أورد هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات . وأخرج ابن مردويه والثعلبي عن جابر قال لما نزلت { بسم الله الرحمٰن الرحيم } هرب الغَيْمُ إلى المشرق ، وسكنت الريحُ ، وهاج البحرُ ، وأصغت البهائمُ بآذانها ، ورُجِمَت الشياطينُ من السماء ، وحلفَ اللهُ بعزته وجلاله ألا تُسَمَّى على شيء إلا بارك فيه . وأخرج أبو نعيم ، والديلمي عن عائشة قالت لما نزلت { بسم الله الرحمٰن الرحيم } ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويَّها فقالوا سَحَرَ محمد الجبالَ ، فبعث الله دخاناً حتى أظل على أهل مكة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ { بسم الله الرحمٰن الرحيم } موقناً سبَّحت معه الجبالُ إلا أنه لا يُسْمَع ذلك منها " وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ، ومحا عنه أربعة آلاف سيئة ، ورفع له أربعة آلاف درجة " وأخرج الخطيب في الجامع عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { بسم الله الرحمن الرحيم } مفتاح كل كتاب " وهذه الأحاديث ينبغي البحث عن أسانيدها ، والكلام عنها بما يتبين بعد البحث إن شاء الله . وقد شرعت التسمية في مواطن كثيرة ، قد بينها الشارع منها عند الوضوء ، وعند الذبيحة ، وعند الأكل ، وعند الجماع وغير ذلك .