Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 2-7)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الإختياري ، وبقيد الاختيار فارق المدح ، فإنه يكون على الجميل ، وإن لم يكن الممدوحُ مختاراً كمدح الرجل على جماله ، وقوّته ، وشجاعته . وقال صاحب الكشاف إنهما أخوان ، والحمد أخصّ من الشكر مَورداً ، وأعمّ منه متعلقاً . فموردُ الحمدُ اللسان فقط ، ومتعلقه النعمةُ ، وغيرها ، ومورد الشكر اللسانُ ، والجَنَانُ ، والأركانُ ، ومتعلقه النعمة وقيل إن مورد الحمد كمورد الشكر ، لأن كلَّ ثناء باللسان لا يكون من صميم القلب مع موافقة الجوارح ليس بحمدٍ بل سخرية واستهزاء . وأجيب بأن اعتبار موافقة القلب ، والجوارح في الحمد لا يستلزم أن يكون مورداً له بل شرطاً . وفرّق بين الشرط ، والشطر ، وتعريفه لاستغراق أفراد الحمد ، وأنها مختصة بالربّ سبحانه وتعالى ، على معنى أنَّ حمد غيره لا اعتداد به ، لأن المنعم هو الله عزّ وجلّ ، أو على أن حمدَه هو الفرد الكامل ، فيكون الحصر ادّعائياً . ورجح صاحب الكشاف أن التعريف هنا هو تعريف الجنس لا الاستغراق ، والصواب ما ذكرناه . وقد جاء في الحديث " اللهمّ لك الحمد كله " وهو مرتفع بالابتداء وخبره الظرف وهو { لله } . وأصله النصب على المصدرية بإضمار فعله ، كسائر المصادر التي تنصبها العرب ، فعُدِل عنه إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام ، والثبات المستفاد من الجمل الاسمية دون الحدوث ، والتجدد اللذين تفيدهما الجمل الفعلية ، واللام الداخلة على الاسم الشريف هي لام الاختصاص . قال ابن جرير الحمد ثناء أثنى به على نفسه ، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه ، فكأنه قال قولوا الحمد لله ثم رجح اتحاد الحمد ، والشكر مستدلاً على ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد ، والشكر مكان الآخر . قال ابن كثير وفيه نظر لأنه اشتهر عند كثير من العلماء المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة ، والمتعدية . والشكر لا يكون إلا على المتعدية ويكون بالجنان ، واللسان ، والأركان ، انتهى . ولا يخفى أن المرجع في مثل هذا إلى معنى الحمد في لغة العرب لا إلى ما قاله جماعة من العلماء المتأخرين ، فإن ذلك لا يردّ على ابن جرير ، ولا تقوم به الحجة هذا إذا لم يثبت للحمد حقيقة شرعية ، فإن ثبتت وجب تقديمها . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال عمر قد عَلِمْنا سبحان الله ، ولا إلٰه إلا الله ، فما الحمد لله ؟ فقال عليٌّ كلمةٌ رضيها لنفسه . وروى ابن أبي حاتم أيضاً عن ابن عباس أنه قال الحمد لله كلمة الشكر ، وإذا قال العبد الحمد لله قال شكرني عبدي . وروى هو وابن جرير ، عن ابن عباس أيضاً أنه قال الحمد لله هو الشكر لله ، والاستخذاء له ، والإقرار له بنعمه ، وهدايته ، وابتدائه ، وغير ذلك . وروى ابن جرير عن الحكم بن عُمَيْر ، وكانت له صحبة ، قال قال النبيّ صلى الله عليه وسلم " إذا قلتَ الحمد لله ربّ العالمين ، فقد شكرتَ الله ، فزادك " وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والخطابي في الغريب ، والبيهقيّ في الأدب ، والديلميّ في مسند الفردوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده " وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي قال « الصلاة شكر والصيام شكر ، وكل خير تفعله شكر ، وأفضل الشكر الحمد » . وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النّوّاس بن سَمْعَان قال « سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لئن ردّها الله عليّ لأشكرنّ ربي فرجعت ، فلما رآها قال الحمد لله " فانتظروا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوماً أو صلاة ، فظنوا أنه نسي فقالوا يا رسول الله قد كنت قلت لئن ردّها الله عليّ لأشكرنّ ربي ، قال " ألم أقل الحمد لله ؟ " - وقد ورد في فضل الحمد أحاديث . منها ما أخرجه أحمد ، والنسائي ، والحاكم وصححه ، والبخاري في الأدب المفرد عن الأسود بن سَريع ، قال « قلت يا رسول الله ألا أنْشِدُك محامدَ حمدتُ بها ربي تبارك وتعالى ؟ فقال " أما إن ربك يحبّ الحمد " وأخرج الترمذي وحسَّنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله " وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند حسن عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنعم الله على عبد نعمةً فقال الحمد لله إلا كان الذي أعْطى أفضلَ مما أخذ " وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والقرطبي في تفسيره عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " لو أن الدنيا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ، ثم قال الحمد لله ، لكان الحمد أفضل من ذلك " قال القرطبي معناه لكان إلهامهُ الحمد أكبر نعمةٍ عليه من نعم الدنيا ، لأن ثواب الحمد لا يفنى ، ونعيم الدنيا لا يبقى . وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يُنْعَمُ عليه بنعمةٍ إلا كان الحمد أفضل منها " وأخرج عبد الرزاق في المصنف نحوه ، عن الحسن مرفوعاً . وأخرج مسلم والنسائي ، وأحمد عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الطهورُ شطرُ الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان " الحديث . وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، والترمذي وحسنه ، وابن مردويه عن رجل من بني سليم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " سبحان الله نصفُ الميزان ، والحمدُ لله تملأ الميزان ، والله أكبرُ تملأ ما بين السماء ، والأرض ، والطهورُ نصف الإيمان ، والصومُ نصف الصبر " وأخرج الحكيم الترمذي عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التسبيحُ نصف الميزان ، والحمدُ لله تملؤه ، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجابٌ حتى تخَلُص إليه " وأخرج البيهقي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التَّأني من الله ، والعجلةُ من الشيطان ، وما شيء أكثرُ معاذير من الله ، وما شيءٍ أحبّ إلى الله من الحمد " وأخرج ابن شاهين في السنة والديلمي عن أبان بن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التوحيدُ ثمن الجنة ، والحمد ثمن كل نعمة ، ويتقاسمون الجنة بأعمالهم " وأخرج أهل السنن وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل أمرٍ ذي بالٍ لا يُبْدَأُ فيه بحمد الله ، فهو أقطَع " وأخرج ابن ماجه في سننه عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّثهم " أنّ عبداً من عباد الله قال يا ربِّ لك الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك ، وعظيم سلطانك . فلم يَدرِ الملكان كيف يكتبانها ، فصعدا إلى السماء ، فقالا يا ربنا إنَّ عبداً قد قال مقالةً لا ندري كيف نكتبها ؟ قال الله وهو أعلم بما قال عبده ماذا قال عبدي ؟ قالا يا ربّ إنه قال لكَ الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك ، وعظيم سلطانك . فقال الله لهما اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني ، وأجزيه بها " . وأخرج مسلم عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة ، فيحمده عليها ، أو يشرب الشربة فيحمده عليها " { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال في الصحاح الرب اسم من أسماء الله تعالى ، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة . وقد قالوه في الجاهلية للملك . وقال في الكشاف الرب المالك . ومنه قول صفوان لأبي سفيان لأن يَرُبَّني رجلٌ من قريش أحبُّ إليّ من أن يَرُبَّني رجل من هوازن . ثم ذكر نحو كلام الصحاح . قال القرطبي في تفسيره والرب السيد ، ومنه قوله تعالى { اذكرني عند ربك } يوسف 42 ، وفي الحديث " أن تلد الأمة ربها " ، والرب المصلح ، والمدبر ، والجابر ، والقائم قال والرب المعبود . ومنه قول الشاعر @ أربٌ يَبُول الثَّعْلبَان بَرأسه لقد هَانَ من بَالت عَلَيه الثعالبُ @@ و { العالمين } جمع العالم ، وهو كل موجود سوى الله تعالى ، قاله قتادة . وقيل أهل كل زمان عالم ، قاله الحسين بن الفضل . وقال ابن عباس العالمون الجنّ ، والإنس ، وقال الفراء ، وأبو عبيد العالم عبارة عمن يعقل ، وهم أربعة أمم الإنس ، والجن ، والملائكة ، والشياطين . ولا يقال للبهائم عالم ، لأن هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل . حكى هذه الأقوال القرطبي في تفسيره ، وذكر أدلتها ، وقال إن القول الأول أصحّ هذه الأقوال لأنه شامل لكل مخلوق وموجود . دليله قوله تعالى { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * قَالَ رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } الشعراء 23 ، 24 وهو مأخوذ من العَلم ، والعلامة لأنه يدل على موجده ، كذا قال الزجَّاج وقال العالم كل ما خلقه الله في الدنيا ، والآخرة ، انتهى . وعلى هذا يكون جمعه على هذه الصيغة المختصة بالعقلاء تغليباً للعقلاء على غيرهم . وقال في الكشاف ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه ، وهي الدلالة على معنى العلم . وقد أخرج ما تقدم من قول ابن عباس عنه الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه . وأخرجه عبد بن حميد ، وابن جريح عن مجاهد . وأخرجه ابن جرير عن سعيد بن جُبير . وأخرج ابن جبير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى { رَبِّ العالمينَ } قال إله الخلق كله السموات كلهنّ ، ومن فيهنّ . والأرضون كلهنّ ، ومن فيهنّ ، ومن بينهنّ مما يعلم ومما لا يعلم . { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قد تقدم تفسيرهما . قال القرطبي وصف نفسه تعالى بعد ربّ العالمين بأنه الرحمٰن الرحيم ، لأنه لما كان في اتصافه بربّ العالمين ترهيب ، قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمن من الترغيب ، ليجمع في صفاته بين الرهبة منه والرغبة إليه ، فيكون أعون على طاعته ، وأمنع ، كما قال تعالى { نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلاْلِيمُ } الحجر 49 ، 50 وقال { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } غافر 3 . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد ، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قَنَط من جنته أحد " انتهى . وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال ما وصف من خلقه ، وفي قوله { الرحمن الرحيم } ، قال مدح نفسه . ثم ذكر بقية الفاتحة { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } قرىء " مِلك " ، و " مالك " ، و " ملْك " بسكون اللام ، و " مَلَكَ " بصيغة الفعل . وقد اختلف العلماء أيما أبلغ مِلك ، أو مالك ؟ فقيل إن ملكَ أعمّ ، وأبلغ من مالك ، إذ كل ملك مالك ، وليس كل مالك ملكاً ، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا يتصرّف إلا عن تدبير الملك ، قاله أبو عبيد ، والمبرّد ، ورجحه الزمحشري . وقيل مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس ، وغيرهم ، فالمالك أبلغ تصرفاً ، وأعظم . وقال أبو حاتم إن مالكاً أبلغ في مدح الخالق من ملك ، وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك ، لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك ، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً . واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي . والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع ، والهبة ، والعتق ، ونحوها ، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك ، وحياطته ، ورعاية مصالح الرعية ، فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور ، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور . والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه ، أن الملك صفة لذاته ، والمالك صفة لفعله . و { يوم الدين } ، يوم الجزاء من الرب سبحانه لعباده كما قال { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ * يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلاْمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } الإنفطار 17 ــ 19 وهذه الإضافة إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم يا سارق الليلة أهل الدار ، ويوم الدين وإن كان متأخراً فقد يضاف اسم الفاعل وما في معناه إلى المستقبل كقولك هذا ضارب زيداً غداً . وقد أخرج الترمذي عن أمّ سلمة « أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يقرأ ملك بغير ألف . وأخرج نحوه ابن الأنباري عن أنس . وأخرج أحمد والترمذي عن أنس أيضاً « أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان كانوا يقرءون مالك بالألف » . وأخرج نحوه سعيد بن منصور ، عن ابن عمر مرفوعاً ، وأخرج نحوه أيضاً وكيع في تفسيره وعبد بن حميد ، وأبو داود وعن الزهري يرفعه مرسلاً . وأخرجه أيضاً عبد الرزاق في تفسيره وعبد بن حميد ، وأبو داود عن ابن المسيب مرفوعاً مرسلاً . وقد روي هذا من طرق كثيرة ، فهو أرجح من الأوّل . وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة . « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مالك يوم الدين » وكذا رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود مرفوعاً . وأخرج ابن جرير ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة أنهم فسروا يوم الدين بيوم الحساب . وكذا رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة قال { يوم الدين } يوم يدين الله العباد بأعمالهم . { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قراءة السبعة ، وغيرهم بتشديد الياء ، وقرأ عمر بن فايد بتخفيفها مع الكسر وقرأ الفضل والرقاشي بفتح الهمزة ، وقرأ أبو السوار الغَنَوي « هَيَّاك » في الموضعين وهي لغة مشهورة . والضمير المنفصل هو « إيا » وما يلحقه من الكاف ، والهاء ، والياء هي حروف لبيان الخطاب ، والغيبة ، والتكلم ، ولا محل لها من الإعراب كما ذهب إليه الجمهور ، وتقديمه على الفعل لقصد الاختصاص ، وقيل للاهتمام ، والصواب أنه لهما ، ولا تزاحم بين المقتضيات . والمعنى نخصك بالعبادة ، ونخصك بالإستعانة لا نعبد غيرك ، ولا نستعينه ، والعبادة أقصى غايات الخضوع ، والتذلل ، قال ابن كثير وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة ، والخضوع ، والخوف ، وعدل عن الغيبة إلى الخطاب لقصد الالتفات ، لأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى آخر كان أحسن تَطريةً لنشاط السامع ، وأكثر إيقاظاً له كما تقرر في علم المعاني . والمجيء بالنون في الفعلين لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه ، وعن جنسه من العباد ، وقيل إن المقام لما كان عظيماً لم يستقلّ به الواحد استقصاراً لنفسه ، واستصغاراً لها ، فالمجىء بالنون لقصد التواضع ، لا لتعظيم النفس . وقدمت العبادة على الإستعانة لكون الأولى وسيلة إلى الثانية ، وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب ، وإطلاق الإستعانة لقصد التعميم . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إياك نَعْبُدُ } يعني إياك نوحد ونخاف يا ربنا لا غيرك ، { وإياك نستعين } على طاعتك وعلى أمورنا كلها . وحكى ابن كثير عن قتادة ، أنه قال في { إياك نعبد وإياك نستعين } يأمركم أن تخلصوا له العبادة ، وأن تستعينوه على أمركم . وفي صحيح مسلم من حديث المعلى بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، إذا قال { العبد الحمد لله رب العالمين } قال حمدني عبدي ، وإذا قال { الرحمن الرحيم } قال أثنى عليّ عبدي ، فإذا قال { مالك يوم الدين } قال مجدني عبدي ، فإذا قال { إياك نعبد ، وإياك نستعين } قال هذا بيني ، وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين } قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " وأخرج أبو القاسم البغوي ، والباوردي ، معاً في معرفة الصحابة ، والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك ، عن أبي طلحة قال « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلقي العدوّ فسمعته يقول " يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين " ، قال فلقد رأيت الرجال تُصرعُ فتضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها » . { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } قرأه الجمهور بالصاد ، وقرأ السراط بالسين ، والزراط بالزاي والهداية قد يتعدى فعلها بنفسه كما هنا ، وكقوله { وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ } البلد 10 وقد يتعدى بإلى كقوله { ٱجْتَبَـٰهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } النحل 121 ، { فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرٰطِ ٱلْجَحِيمِ } الصافات 23 ، { وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الشورى 52 وقد يتعدّى باللام كقوله { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا } الأعراف 43 { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } الإسراء 9 قال الزمخشري أصله أن يتعدّى باللام أو بإلى . انتهى . وهي الإرشاد ، أو التوفيق ، أو الإلهام ، أو الدلالة . وفرَّقَ كثيرٌ من المتأخرين بين معنى المتعدى بنفسه ، وغير المتعدى ، فقالوا معنى الأوّل الدلالة ، والثاني الإيصال . وطلب الهداية من المهتدي معناه طلب الزيادة كقوله تعالى { والذين اهتدوا زادهم هدى } محمد 17 { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت 69 والصراط الطريق ، قال ابن جرير أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه ، وهو كذلك في لغة جميع العرب . قال ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله فتصف المستقيم باستقامته ، والمُعوجَّ باعوجاجه . وقد أخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { اهدنا الصراط المستقيم } بالصاد » . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والبخاري في تاريخه عن ابن عباس « أنه قرأ الصراط بالسين » . وأخرج ابن الأنباري عن ابن كثير أنه كان يقرأ " السراط " بالسين . وأخرج أيضاً عن حمزة أ { اهدنا الصراط المستقيم } يقول ألهمنا دينك الحق . وأخرج ابن جرير عنه ، وابن المنذر نحوه . وأخرج وكيع ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله أنه قال « هو دين الإسلام ، وهو أوسع مما بين السماء ، والأرض » . وأخرج نحوه ابن جرير عن ابن عباس . وأخرج نحوه أيضاً عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة . وأخرج أحمد ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان عن النوّاس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ضرب اللهُ مثلاً صراطاً مستقيماً ، وعلى جنبي الصراط سوران فيهما أبوابٌ مُفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاةٌ ، وعلى باب الصراط داع يقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ، ولا تفرّقوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تَلجه ، فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم . " قال ابن كثير بعد إخراجه وهو إسناد حسن صحيح . وأخرج وكيع ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبو بكر بن الأنباري ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود أنه قال « هو كتاب الله » . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عدي ، وابن عساكر ، عن أبي العالية قال هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده . وأخرج الحاكم وصححه عن أبي العالية ، عن ابن عباس مثله . وروي القرطبي ، عن الفضيل بن عياض ، أنه قال الصراط المستقيم طريق الحج ، قال وهذا خاص ، والعموم أولى . انتهى . وجميع ما روي في تفسير هذه الآية ما عدا هذا المروي ، عن الفضيل يصدق بعضه على بعض ، فإن من اتبع الإسلام أو القرآن أو النبي ، فقد اتبع الحق . وقد ذكر ابن جرير نحو هذا ، فقال والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنياً به ، وفِّقنا للثبات على ما ارتضيته ، ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول ، وعمل ، وذلك هو الصراط المستقيم ، لأن من وفَق إليه ممن أنعم اللهُ عليه من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل ، والتمسك بالكتاب ، والعمل بما أمره الله به ، والانزجار عما زجره عنه ، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهاج الخلفاء الأربعة ، وكل عبد صالح ، وكل ذلك من الصراط المستقيم . انتهى . { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ } انتصب { صراط } على أنه بدل من الأوّل ، وفائدته التوكيد لما فيه من التثنية ، والتكرير ، ويجوز أن يكون عطف بيان ، وفائدته الإيضاح ، والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء حيث قال { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً * ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } النساء 69 ــ 70 وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام ، و { غير المغضوب عليهم } بدل من { الذين أنعمت عليهم } على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سَلِمُوا من غضب الله ، والضلال ، أو صفة له على معنى أنهم جمعوا بين النعمتين نعمة الإيمان ، والسلامةِ من ذلك ، وصحَّ جعله صفةً للمعرفة مع كون { غير } لاتتعرف بالإضافة إلى المعارف ، لما فيها من الإبهام ، لأنها هنا غير مبهمة لاشتهار المغايرة بين الجنسين . والغضب في اللغة قال القرطبي الشدة ، ورجل غضوب أي شديد الخلق ، والغضوب الحية الخبيثة لشدتها . قال ومعنى الغضب في صفة الله إرادة العقوبة ، فهو صفة ذاته ، أو نفس العقوبة ، ومنه الحديث " إن الصدقة لتطفىء غضب الرب " ، فهو صفة فعله . قال في الكشاف هو إرادة الانتقام من العصاة ، وإنزال العقوبة بهم ، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده ، والفرق بين { عليهم } الأولى ، و { عليهم } الثانية ، أن الأولى في محل نصب على المفعولية ، والثانية في محل رفع على النيابة عن الفاعل . و « لا » في قوله { ولا الضالين } تأكيد للنفي المفهوم من غير ، والضلال في لسان العرب قال القرطبي هو الذهاب عن سَنَن القصد ، وطريق الحق ، ومنه ضلَّ اللبن في الماء ، أي غاب ، ومنه { أَءذَا ضَلَلْنَا فِى ٱلأرْض } السجدة 10 أي غبنا بالموت ، وصرنا ترابا . وأخرج وكيع ، وأبو عبيد ، وسعيد بن منصور ، وعبد ابن حميد ، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ " صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ، وغير الضالين " وأخرج أبو عبيد ، وعبد بن حميد أن عبد الله بن الزبير قرأ كذلك . وأخرج الأنباري ، عن الحسن أنه كان يقرأ « عليهمي » بكسر الهاء ، والميم ، وإثبات الياء . وأخرج ابن الأنباري عن الأعرج ، أنه كان يقرأ « عليهمو » بضم الهاء ، والميم ، وإلحاق الواو . وأخرج أيضاً عن ابن كثير ، أنه كان يقرأ « عليهمو » بكسر الهاء ، وضم الميم مع إلحاق الواو . وأخرج أيضا عن أبي إسحاق ، أنه قرأ « عليهم » بضم الهاء ، والميم من غير إلحاق واو . وأخرج ابن داود عن عكرمة ، والأسود أنهما كانا يقرآن كقراءة عمر السابقة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } يقول طريق من أنعمت عليهم من الملائكة ، والنبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين الذين أطاعوك ، وعبدوك . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنهم المؤمنون . وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } قال النبيون { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } قال اليهود { وَلاَ ٱلضَّالّينَ } قال النصارى . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله . وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير مثله . وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد في مسنده ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والبغوي ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق قال أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى على فرسٍ له ، وسأله رجل من بني القين ، فقال من المغضوب عليهم يا رسول الله ؟ " قال اليهود " ، قال فمن الضالون ؟ قال " النصارى " . وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي ذرّ قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره . وأخرجه وكيع ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن عبد الله بن شقيق قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر أهل وادي القرى ، فقال له رجل إلى آخره ، ولم يذكر فيه أخبرني من سمع النبي كالأوّل ، وأخرجه البيهقي في الشعب عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل من بني القين ، عن ابن عمّ له أنه قال « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم » فذكره . وأخرجه سفيان بن عيينة ، في تفسيره ، وسعيد بن منصور ، عن إسماعيل بن أبي خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المغضوب عليهم اليهود ، والضالون النصارى " وأخرجه أحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي وحسنه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المغضوب عليهم هم اليهود ، وإن الضالين النصارى " وأخرج أحمد ، وأبو داود ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، والطبراني عن الشَّرِيدُ قال « مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا جالس هكذا ، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري ، واتكأت على ألية يدي فقال " أتقعُدُ قِعْدَة المغضوبِ عليهم ؟ " قال ابن كثير بعد ذكره لحديث عدي بن حاتم وقد روي حديث عدي هذا من طرق ، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها . انتهى . والمصير إلى هذا التفسير النبويّ مُتَعَيَّن ، وهو الذي أطبق عليه أئمة التفسير من السلف . قال ابن أبي حاتم لا أعلم خلافاً بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود ، والضالين بالنصارى . ويشهد لهذا التفسير النبويّ آيات من القرآن ، قال الله تعالى في خطابه لبني إسرائيل في سورة البقرة { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } البقرة 90 . وقال في المائدة { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } المائدة 60 وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه لما خرج هو ، وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف قال اليهود إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله ، فقال أنا من غضب الله أفّر ، وقالت له النصارى إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله ، فقال لا أستطيعه ، فاستمرّ على فطرته ، وجانب عبادة الأوثان . - فائدة في مشروعية التأمين بعد قراءة الفاتحة - اعلم أن السنة الصحيحة الصريحة الثابتة تواتراً ، قد دلت على ذلك ، فمن ذلك ما أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي عن وائل بن حُجر قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين } ، " فقال آمين مدّ بها صوته " ولأبي داود « رفع بها صوته » وقد حسَّنه الترمذي . وأخرجه أيضاً النسائي ، وابن أبي شيبة ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه ، وفي لفظ من حديثه أنه صلى الله عليه وسلم قال " رب اغفر لي آمين " أخرجه الطبراني ، والبيهقي . وفي لفظ أنه قال " آمين ثلاث مرات " أخرجه الطبراني . وأخرج وكيع ، وابن أبي شيبة ، عن أبي ميسرة قال « لما أقرأ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فبلغ ، ولا الضالين قال « قل آمين ، فقال آمين » . وأخرج ابن ماجه عن عليّ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ، " ولا الضالين قال آمين " وأخرج مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قرأ " يعني الإمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } " فقولوا آمين يحبكم الله " وأخرج البخاري ومسلم ، وأهل السنن ، وأحمد ، وابن أبي شيبة ، وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا ، فإن من وافق تأمينهُ تأمين الملائكة غفِر له ما تقدم من ذنبه " ، وأخرج أحمد ، وابن ماجه ، والبيهقي بسند قال السيوطي صحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام ، والتأمين " وأخرج ابن عدي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن اليهود قوم حسد ، حسدوكم على ثلاثة إفشاء السلام ، وإقامة الصف ، وآمين " وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث معاذ مثله . وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين ، فأكثروا من قول آمين " ووجه ضعفه أن في إسناده طلحة بن عمرو ، وهو ضعيف . وأخرج الديلمي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قال آمين لم يَبْقَ مقّرَّبٌ ملك في السماء إلا استغفر له " وأخرج أبو داود عن بلال ، أنه قال « يا رسول الله لا تسبقني بآمين » ، ومعنى آمين استجب . قال القرطبي في تفسيره معنى آمين عند أكثر أهل العلم اللهم استجب لنا ، وضع موضع الدعاء . وقال في الصحاح معنى آمين كذلك فليكن . وأخرج جُوَيبْر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس مثله . وأخرج وكيع ، وابن أبي شيبة في المصنف عن هلال بن يساف ، ومجاهد قالا آمين اسم من أسماء الله . وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير مثله . وقال الترمذي معناه لا تخيب رجاءنا . وفيه لغتان ، المد على وزن فاعيل كياسين . والقصر على وزن يمين ، قال الشاعر في المدّ @ يَا رَبُّ لا تسلبني حُبَّها أبداً وَيَرَحمُ اللهُ عَبْداً قَالَ آمِينَاً @@ وقال آخر @ آمين آمين لا أرضىَ بِوَاحَِدةٍ حَتَّى أبَلَّغها ألفَين آمِينَاً @@ قال الجوهري وتشديد الميم خطأ . وروي عن الحسن ، وجعفر الصادق ، والحسين بن فضل التشديد ، من أمّ إذا قصد أي نحن قاصدون نحوك ، حكى ذلك القرطبي . قال الجوهري وهو مبني على الفتح مثل أين ، وكيف لاجتماع الساكنين ، وتقول منه أمَّن فلان تأميناً . وقد اختلف أهل العلم في الجهر بها ، وفي أن الإمام يقولها أم لا ؟ وذلك مبين في مواطنه .