Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 101-109)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } لما بين سبحانه أن الإيمان لا يحصل إلا بمشيئة الله ، أمر بالنظر والاستدلال بالدلائل السماوية والأرضية ، والمراد بالنظر التفكر والاعتبار ، أي قل يا محمد للكفار تفكروا واعتبروا بما في السموات والأرض من المصنوعات الدالة على الصانع ووحدته ، وكمال قدرته . و { ماذا } مبتدأ ، وخبره { في السموات والأرض } . أو المبتدأ " ما " ، و " ذا " بمعنى الذي ، و { في السموات والأرض } صلته ، والموصول وصلته خبر المبتدأ ، أي أيّ شيء الذي في السموات والأرض ، وعلى التقديرين فالجملة في محل نصب بالفعل الذي قبلها . ثم ذكر سبحانه أن التفكر والتدبر في هذه الدلائل لا ينفع في حق من استحكمت شقاوته ، فقال { وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ } أي ما تنفع على أن ما نافية ، ويجوز أن تكون استفهامية أي أيّ شيء ينفع ، والآيات هي التي عبر عنها بقوله { مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } والنذر جمع نذير ، وهم الرسل أو جمع إنذار ، وهو المصدر { عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } في علم الله سبحانه والمعنى أن من كان هكذا لا يجدى فيه شيء ، ولا يدفعه عن الكفر دافع . قوله { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ } أي فهل ينتظر هؤلاء الكفار المعاصرون لمحمد صلى الله عليه وسلم إلا مثل وقائع الله سبحانه بالكفار الذين خلوا من قبل هؤلاء ، فقد كان الأنبياء المتقدّمون يتوعدون كفار زمانهم بأيام مشتملة على أنواع العذاب ، وهم يكذبونهم ويصممون على الكفر ، حتى ينزل الله عليهم عذابه ، ويحلّ بهم انتقامه ، ثم قال { قُلْ } يا محمد لهؤلاء الكفار المعاصرين لك { فَٱنتَظِرُواْ } أي تربصوا لوعد ربكم ، إني معكم من المتربصين لوعد ربي ، وفي هذا تهديد شديد ، ووعيد بالغ بأنه سينزل بهؤلاء ما نزل بأولئك من الإهلاك ، وثم في قوله { ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا } للعطف على مقدّر يدلّ عليه ما قبله ، كأنه قيل أهلكنا الأمم ثم نجينا رسلنا المرسلين إليهم . وقرأ يعقوب ثم « ننجى » مخففاً . وقرأ كذلك أيضاً في { حَقّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وروي كذلك عن الكسائي وحفص في الثانية . وقرأ الباقون بالتشديد ، وهما لغتان فصيحتان أنجى ينجى إنجاء ، ونجى ينجى تنجية بمعنى واحد { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } معطوف على رسلنا أي نجيناهم ونجينا الذين آمنوا ، والتعبير بلفظ الفعل المستقبل لاستحضار صورة الحال الماضية تهويلاً لأمرها { كَذَلِكَ حَقّا عَلَيْنَا } أي حق ذلك علينا حقاً ، أو إنجاء مثل ذلك الانجاء حقاً { نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من عذابنا للكفار ، والمراد بالمؤمنين الجنس ، فيدخل في ذلك الرسل وأتباعهم ، أو يكون خاصاً بالمؤمنين ، وهم أتباع الرسل لأن الرسل داخلون في ذلك بالأولى . قوله { قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى شَكّ مّن دِينِى } أمر سبحانه رسوله بأن يظهر التباين بين طريقته وطريقة المشركين ، مخاطباً لجميع الناس ، أو للكفار منهم ، أو لأهل مكة على الخصوص بقوله إن كنتم في شك من ديني الذي أنا عليه ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، ولم تعلموا بحقيقته ولا عرفتم صحته ، وأنه الدين الحق الذي لا دين غيره ، فاعلموا أني بريء من أديانكم التي أنتم عليها { فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } في حال من الأحوال { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّاكُمْ } أي أخصه بالعبادة ، لا أعبد غيره من معبوداتكم من الأصنام وغيرها ، وخصّ صفة المتوفى من بين الصفات لما في ذلك من التهديد لهم أي أعبد الله الذي يتوفاكم فيفعل بكم ما يفعل من العذاب الشديد ، ولكونه يدل على الخلق أوّلاً ، وعلى الإعادة ثانياً ، ولكونه أشدّ الأحوال مهابة في القلوب ، ولكونه قد تقدّم ذكر الإهلاك ، والوقائع النازلة بالكفار من الأمم السابقة ، فكأنه قال أعبد الله الذي وعدني بإهلاككم . ولما ذكر أنه لا يعبد إلا الله ، بين أنه مأمور بالإيمان فقال { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي بأن أكون من جنس من آمن بالله ، وأخلص له الدين . وجملة { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ } معطوفة على جملة { أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ولا يمنع من ذلك كون المعطوف بصيغة الأمر لأن المقصود من « أن » الدلالة على المصدر ، وذلك لا يختلف بالخبرية والإنشائية ، أو يكون المعطوف عليه في معنى الإنشاء كأنه قيل كن مؤمناً ثم أقم والمعنى أن الله سبحانه أمره بالاستقامة في الدين والثبات فيه ، وعدم التزلزل عنه بحال من الأحوال . وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء ، أو أمره باستقبال القبلة في الصلاة ، وعدم التحوّل عنها . و { حنيفاً } حال من الدين ، أو من الوجه أي مائلاً عن كل دين من الأديان إلى دين الإسلام . ثم أكد الأمر المتقدّم للنهي عن ضدّه ، فقال { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } وهو معطوف على { أقم } ، وهو من باب التعريض لغيره صلى الله عليه وسلم . قوله { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ } معطوف على { قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } غير داخل تحت الأمر ، وقيل معطوف على { ولا تكونن } أي لا تدع من دون الله على حال من الأحوال ما لا ينفعك ولا يضرّك بشيء من النفع والضرّ إن دعوته ، ودعاء من كان هكذا لا يجلب نفعاً ، ولا يقدر على ضرّ ضائع لا يفعله عاقل على تقدير أنه لا يوجد من يقدر على النفع والضرّ غيره ، فكيف إذا كان موجوداً ؟ فإن العدول عن دعاء القادر إلى دعاء غير القادر أقبح وأقبح { فَإِن فَعَلْتَ } أي فإن دعوت ، ولكنه كنى عن القول بالفعل { فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } هذا جزاء الشرط ، أي فإن دعوت من دون الله مالا ينفعك ولا يضرّك ، فإنك في عداد الظالمين لأنفسهم . والمقصود من هذا الخطاب التعريض لغيره صلى الله عليه وسلم . وجملة { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ } إلى آخرها مقرّرة لمضمون ما قبلها . والمعنى أن الله سبحانه هو الضار النافع . فإن أنزل بعبده ضراً لم يستطع أحد أن يكشفه كائناً من كان ، بل هو المختص بكشفه كما اختصّ بإنزاله { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } أيّ خير كان لم يستطع أحد أن يدفعه عنك ، ويحول بينك وبينه كائناً من كان ، وعبر بالفضل مكان الخير للإرشاد إلى أنه يتفضل على عباده بمالا يستحقونه بأعمالهم . قال الواحدي إن قوله { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } هو من القلب ، وأصله وإن يرد بك الخير ، ولكن لما تعلق كل واحد منهما بالآخر جاز أن يكون كل واحد منهما مكان لآخر . قال النيسابوري وفي تخصيص الإرادة بجانب الخير ، والمسّ بجانب الشرّ دليل على أن الخير يصدر عنه سبحانه بالذات ، والشرّ بالعرض . قلت وفي هذا نظر ، فإن المسّ هو أمر وراء الإرادة ، فهو مستلزم لها ، والضمير في { يصيب به } راجع إلى فضله أي يصيب بفضله من يشاء من عباده . وجملة { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } تذييلية . ثم ختم هذه السورة بما يستدل به على قضائه وقدره ، فقال { قُلْ ياأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ } أي القرآن { فَمَنُ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } أي منفعة اهتدائه مختصة به ، وضرر كفره مقصور عليه لا يتعدّاه ، وليس لله حاجة في شيء من ذلك ، ولا غرض يعود إليه { وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } أي بحفيظ يحفظ أموركم ، وتوكل إليه ، إنما أنا بشير ونذير . ثم أمره الله سبحانه أن يتبع ما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي التي يشرعها الله له ، ولأمته ، ثم أمره بالصبر على أذى الكفار ، وما يلاقيه من مشاقّ التبليغ ، وما يعانيه من تلوّن أخلاق المشركين وتعجرفهم ، وجعل ذلك الصبر ممتداً إلى غاية هي قوله { حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَـٰكِمِينَ } أي يحكم الله بينه وبينهم في الدنيا بالنصر له عليهم ، وفي الآخرة بعذابهم بالنار ، وهم يشاهدونه صلى الله عليه وسلم هو وأمته ، المتبعون له المؤمنون به ، العاملون بما يأمرهم به ، المنتهون عما ينهاهم عنه ، يتقلبون في نعيم الجنة الذي لا ينفد ، ولا يمكن وصفه ، ولا يوقف على أدنى مزاياه . وقد أخرج أبو الشيخ ، عن السديّ في قوله { وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ } يقول عند قوم { لاَ يُؤْمِنُونَ } نسخت قوله { حِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ فَمَا تُغْنِـى ٱلنُّذُرُ } القمر 5 . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ } قال وقائع الله في الذين خلوا من قبلهم ، قوم نوح ، وعاد ، وثمود . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن الربيع في الآية قال خوّفهم عذابه ونقمته وعقوبته ، ثم أخبرهم أنه إذا وقع من ذلك أمر نجى الله رسله والذين آمنوا ، فقال { ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الآية . وأخرج أبو الشيخ ، عن السديّ ، في قوله { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } يقول بعافية . وأخرج البيهقي في الشعب ، عن عامر بن قيس ، قال ثلاث آيات في كتاب الله اكتفيت بهنّ عن جميع الخلائق أوّلهنّ { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ } ، والثانية { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } فاطر 2 ، والثالثة { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } هود 6 . وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن ، نحوه . وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ } قال هو الحق المذكور في قوله { قَدْ جَاءكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، في قوله { وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ } قال هذا منسوخ ، أمره بجهادهم والغلظة عليهم .