Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 65-70)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } نهى للنبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن من قول الكفار المتضمن للطعن عليه وتكذيبه ، والقدح في دينه . والمقصود التسلية له والتبشير . ثم استأنف سبحانه الكلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معللاً لما ذكره من النهي لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } أي الغلبة والقهر له في مملكته وسلطانه ، ليست لأحد من عباده ، وإذا كان ذلك كله له ، فكيف يقدرون عليك حتى تحزن لأقوالهم الكاذبة ، وهم لا يملكون من الغلبة شيئاً . وقرىء « يحزنك » من أحزنه . وقرىء « أن العزة » بفتح الهمزة على معنى ، لأن العزّة لله ، ولا ينافي ما في هذه الآية من جعل العزّة جميعها لله تعالى قوله سبحانه { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } المنافقون 8 لأن كل عزّة بالله ، فهي كلها لله . ومنه قوله { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } المجادلة 21 { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } غافر 51 . { أَلا إِنَّ للَّهِ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } ومن جملتهم هؤلاء المشركون المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كانوا في ملكه يتصرّف فيهم كيف يشاء ، فكيف يستطيعون أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يأذن الله به ، وغلب العقلاء على غيرهم لكونهم أشرف . وفي الآية نعي على عباد البشر ، والملائكة والجمادات لأنهم عبدوا المملوك ، وتركوا المالك ، وذلك مخالف لما يوجبه العقل ، ولهذا عقبه بقوله { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَاء } والمعنى أنهم وإن سموا معبوداتهم شركاء لله ، فليست شركاء له على الحقيقة ، لأن ذلك محال { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } الأنبياء 22 و " ما " في و { ما يتبع } نافية وشركاء مفعول يتبع ، وعلى هذا يكون مفعول يدعون محذوفاً ، والأصل وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء في الحقيقة إنما هي أسماء لا مسميات لها ، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه ، ويجوز أن يكون المذكور مفعول { يدعون } ، وحذف مفعول يتبع لدلالة المذكور عليه ، ويجوز أن تكون استفهامية بمعنى أيّ شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ، ويكون على هذا الوجه { شركاء } منصوباً بـ { يدعون } ، والكلام خارج مخرج التوبيخ لهم ، والإزراء عليهم . ويجوز أن تكون " ما " موصولة معطوفة على { من في السموات } أي لله من في السموات ، ومن في الأرض ، وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء والمعنى أن الله مالك لمعبوداتهم لكونها من جملة من في السموات ومن في الأرض . ثم زاد سبحانه في تأكيد الردّ عليهم ، والدفع لأقوالهم ، فقال { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي ما يتبعون يقيناً إنما يتبعون ظناً ، والظنّ لا يغني من الحق شيئاً { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي يقدرون أنهم شركاء تقديراً باطلاً ، وكذباً بحتاً ، وقد تقدّمت هذه الآية في الأنعام . ثم ذكر سبحانه طرفاً من آثار قدرته مع الامتنان على عباده ببعض نعمه ، فقال { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } أي جعل لعباده الزمان منقسماً إلى قسمين أحدهما مظلم وهو الليل لأجل يسكن العباد فيه عن الحركة والتعب ، ويريحون أنفسهم عن الكدّ والكسب . والآخر مبصر ، لأجل يسعون فيه بما يعود على نفعهم ، وتوفير معايشهم ، ويحصلون ما يحتاجون إليه في وقت مضيء منير ، لا يخفى عليهم فيه كبير ولا حقير ، وجعله سبحانه للنهار مبصراً مجاز . والمعنى أنه مبصر صاحبه كقولهم نهاره صائم ، والإشارة بقوله { إِنَّ فِى ذَلِكَ } إلى الجعل المذكور { لآيَاتٍ } عجيبة كثيرة { لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي يسمعون ما يتلى عليهم من الآيات التنزيلية المنبهة على الآيات التكوينية مما ذكره الله سبحانه هاهنا منها ، ومن غيرها مما لم يذكره ، فعند السماع منهم لذلك يتفكرون ويعتبرون ، فيكون ذلك من أعظم أسباب الإيمان . قوله { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } هذا نوع آخر من أباطيل المشركين التي كانوا يتكلمون بها ، وهو زعمهم بأن الله سبحانه اتخذ ولداً ، فردّ ذلك عليهم بقوله { سُبْحَـٰنَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } فتنزّه جل وعلا عما نسبوه إليه من هذا الباطل البين ، وبين أنه غنيّ عن ذلك ، وأن الولد إنما يطلب للحاجة . والغنيّ المطلق لا حاجة له حتى يكون له ولد يقضيها ، وإذا انتفت الحاجة انتفى الولد ، وأيضاً إنما يحتاج إلى الولد من يكون بصدد الانقراض ، ليقوم الولد مقامه ، والأزليّ القديم لا يفتقر إلى ذلك . وقد تقدّم تفسير الآية في البقرة . ثم بالغ في الردّ عليهم بما هو كالبرهان ، فقال { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، وإذا كان الكل له ، وفي ملكه ، فلا يصح أن يكون شيء مما فيهما ولداً له للمنافاة بين الملك والبنوّة والأبوّة . ثم زيف دعواهم الباطلة وبين أنها بلا دليل فقال { إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَا } أي ماعندكم من حجة وبرهان بهذا القول الذي تم لونه ، و « من » في { مّن سُلْطَـٰنٍ } زائدة للتأكيد ، والجار والمجرور في { بِهَـٰذَا } متعلق إما بسلطان ، لأنه بمعنى الحجة والبرهان ، أو متعلق بما عندكم لما فيه من معنى الاستقرار . ثم وبخهم على هذا القول العاطل عن الدليل الباطل عند العقلاء فقال { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْمَلُونَ } ، ويستفاد من هذا أن كل قول لا دليل عليه ، ليس هو من العلم في شيء ، بل من الجهل المحض . ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم قولاً يدلّ على أن ما قالوه كذب ، وأن من كذب على الله لا يفلح ، فقال { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } أي كل مفتر هذا شأنه ، ويدخل فيه هؤلاء دخولاً أوّلياً . وذكر الكذب مع الافتراء للتأكيد كما سبق في مواضع من الكتاب العزيز . والمعنى أن هؤلاء الذين يكذبون على ربهم لا يفوزون بمطلب من المطالب . ثم بين سبحانه أن هذا الافتراء وإن فاز صاحبه بشيء من المطالب العاجلة ، فهو متاع قليل في الدنيا ، ثم يتعقبه الموت والرجوع إلى الله ، فيعذب المفتري عذاباً مؤبّداً . فيكون { متاع } خبر مبتدأ محذوف ، والجملة مستأنفة لبيان أن ما يحصل للمفترى بافترائه ليس بفائدة يعتدّ بها ، بل هو متاع يسير في الدنيا ، يتعقبه العذاب الشديد بسبب الكفر الحاصل بأسباب من جملتها الكذب على الله . وقال الأخفش إن التقدير لهم متاع في الدنيا ، فيكون المحذوف على هذا هو الخبر . وقال الكسائي التقدير ذلك متاع أو هو متاع ، فيكون المحذوف على هذا هو المبتدأ . وقد أخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال في قوله تعالى { وَلاَ يَحْزُنكَ } لما لم ينتفعوا بما جاءهم من الله وأقاموا على كفرهم ، كبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه من الله فيما يعاتبه { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } يسمع ما يقولون ويعلمه ، فلو شاء بعزّته لانتصر منهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في قوله { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } قال منيراً . وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن ، في قوله { إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَا } يقول ما عندكم سلطان بهذا .