Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 7-10)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

شرع الله سبحانه في شرح أحوال من لا يؤمن بالمعاد ، ومن يؤمن به ، وقدّم الطائفة التي لم تؤمن ، لأن الكلام في هذه السورة مع الكفار الذين يعجبون مما لا عجب فيه ، ويهملون النظر والتفكر فيما لا ينبغي إهماله مما هو مشاهد لكل حيّ طول حياته ، فيتسبب عن إهمال النظر ، والتفكر الصادق عدم الإيمان بالمعاد ، ومعنى الرجاء هنا الخوف ، ومنه قول الشاعر @ إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوبٍ عواسلِ @@ وقيل { يرجون } يطمعون . ومنه قول الشاعر @ أترجو بني مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا @@ فالمعنى على الأوّل لا يخافون عقاباً . وعلى الثاني لا يطمعون في ثواب إذا لم يكن المراد باللقاء حقيقته ، فإن كان المراد به حقيقته كان المعنى لا يخافون رؤيتنا ، أو لا يطمعون في رؤيتنا . وقيل المراد بالرجاء هنا التوقع ، فيدخل تحته الخوف والطمع ، فيكون المعنى { لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } لا يتوقعون لقاءنا ، فهم لا يخافونه ، ولا يطمعون فيه { وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي رضوا بها عرضاً عن الآخرة ، فعملوا لها { وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } أي سكنت أنفسهم إليها ، وفرحوا بها { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءايَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ } لا يعتبرون بها ، ولا يتفكرون فيها { أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ } أي مثواهم ، ومكان إقامتهم النار ، والإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة من عدم الرجاء ، وحصول الرضا والاطمئنان ، والغفلة { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي بسبب ما كانوا يكسبون من الكفر والتكذيب بالمعاد فهذا حال الذين لا يؤمنون بالمعاد . وأما حال الذين يؤمنون به ، فقد بيّنه سبحانه بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي فعلوا الإيمان الذي طلبه الله منهم بسبب ما وقع منهم من التفكر والاعتبار ، فيما تقدّم ذكره من الآيات { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } التي يقتضيها الإيمان . وهي ما شرعه الله لعباده المؤمنين { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } أي يرزقهم الهداية بسبب هذا الإيمان المضموم إليه العمل الصالح ، فيصلون بذلك إلى الجنة ، وجملة { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ } مستأنفة ، أو خبر ثان ، أو في محل نصب على الحال . ومعنى { من تحتهم } من تحت بساتينهم ، أو من بين أيديهم لأنهم على سرر مرفوعة . وقوله { فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } متعلق بتجري أو بـ { يهديهم } ، أو خبر آخر أو حال من { الأنهار } . قوله { دَعْوَاهُمْ } أي دعاؤهم ونداؤهم ، وقيل الدعاء العبادة ، كقوله تعالى { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } مريم 48 وقيل معنى { دعواهم } هنا الادّعاء الكائن بين المتخاصمين ، والمعنى أن أهل الجنة يدعون في الدنيا والآخرة تنزيه الله سبحانه من المعايب والإقرار له بالإلٰهية . قال القفال أصله من الدعاء لأن الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما ، وقيل معناه طريقتهم وسيرتهم ، وذلك أن المدّعي للشيء مواظب عليه ، فيمكن أن تجعل الدعوى كناية عن الملازمة ، وإن لم يكن في قوله { سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ } دعوى ولا دعاء وقيل معناه تمنيهم كقوله { وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } يۤس 57 وكأن تمنيهم في الجنة ليس إلا تسبيح الله وتقديسه ، وهو مبتدأ وخبره { سبحانك اللهم } ، و { فِيهَا } أي في الجنة . والمعنى على القول الأوّل أن دعاءهم الذي يدعون به في الجنة هو تسبيح الله وتقديسه ، والمعنى نسبحك يا الله تسبيحاً . قوله { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } أي تحية بعضهم للبعض . فيكون المصدر مضافاً إلى الفاعل ، أو تحية الله أو الملائكة لهم ، فيكون من إضافة المصدر إلى المفعول . وقد مضى تفسير هذا في سورة النساء ، قوله { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح أن يقولوا الحمد لله رب العالمين . قال النحاس مذهب الخليل أن « أن » هذه مخففة من الثقيلة . والمعنى أنه الحمد لله . وقال محمد بن يزيد المبرد ويجوز أن تعملها خفيفة عملها ثقيلة . والرفع أقيس ، ولم يحك أبو عبيد إلا التخفيف . وقرأ ابن محيصن بتشديد أنّ ونصب الحمد . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في قوله { وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا } قال مثل قوله { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } هود 15 الآية . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، أيضاً في قوله { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } قال يكون لهم نور يمشون به . وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة ، مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في قوله { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } قال حدّثنا الحسن قال بلغنا أن رسول الله قال " إن المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة وريح طيبة ، فيقول له ما أنت ؟ فوالله إني لأراك عين امرىء صدق ، فيقول له أنا عملك ، فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة وأما الكافر ، فإذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة وريح منتنة ، فيقول له ما أنت ؟ فوالله إني لأراك عين امرىء سوء ، فيقول له أنا عملك ، فينطلق به حتى يدخله النار " ، وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج ، نحوه . وأخرج ابن مردويه ، عن أبيّ بن كعب ، قال قال رسول الله " إذا قالوا سبحانك اللهم أتاهم ما اشتهوا من الجنة من ربهم " وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي الهذيل ، قال الحمد أوّل الكلام وآخر الكلام ، ثم تلا { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } .