Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 1-8)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { الر } إن كان مسروداً على سبيل التعديد كما في سائر فواتح السور فلا محل له ، وإن كان اسماً للسورة فهو في محل رفع على أنه مبتدأ خبره ما بعده أو خبر مبتدأ محذوف ، و { كِتَابٌ } يكون على هذا الوجه خبراً لمبتدأ محذوف أي هذا كتاب ، وكذا على تقدير أن { الر } لا محل له ، ويجوز أن يكون { الر } في محل نصب بتقدير فعل يناسب المقام نحو اذكر ، أو اقرأ ، فيكون { كتاب } على هذا الوجه خبر مبتدأ محذوف ، والإشارة في المبتدأ المقدّر إما إلى بعض القرآن أو إلى مجموع القرآن ، ومعنى { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُه } صارت محكمة متقنة ، لا نقص فيها ولا نقض لها كالبناء المحكم ، وقيل معناه إنها لم تنسخ بخلاف التوراة والإنجيل ، وعلى هذا فيكون هذا الوصف للكتاب باعتبار الغالب ، وهو المحكم الذي لم ينسخ وقيل معناه أحكمت آياته بالأمر والنهي ، ثم فصلت بالوعد والوعيد ، والثواب والعقاب . وقيل أحكمها الله من الباطل ، ثم فصلها بالحلال والحرام . وقيل أحكمت جملته ، ثم فصلت آياته . وقيل جمعت في اللوح المحفوظ ، ثم فصلت بالوحي . وقيل أيّدت بالحجج القاطعة الدالة على كونها من عند الله وقيل معنى إحكامها أن لا فساد فيها ، أخذاً من قولهم أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح ، و { ثُمَّ فُصّلَتْ } معطوف على { أحكمت } ، ومعناه ما تقدّم ، والتراخي المستفاد من " ثم " إما زماني إن فسر التفصيل بالتنجيم على حسب المصالح ، وإما رتبيّ إن فسر بغيره مما تقدّم ، والجمل في محل رفع على أنها صفة لكتاب ، أو خبر آخر للمبتدأ أو خبر لمبتدأ محذوف ، وفي قوله { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } لف ونشر ، لأن المعنى أحكمها حكيم ، وفصلها خبير عالم بمواقع الأمور . قوله { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } مفعول له حذف منه اللام كذا في الكشاف ، وفيه أنه ليس بفعل لفاعل الفعل المعلل . وقيل " أن " هي المفسرة لما في التفصيل من معنى القول . وقيل هو كلام مبتدأ منقطع عما قبله ، محكياً على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال الكسائي والفراء التقدير أحكمت بأن لا تعبدوا إلا الله . وقال الزجاج أحكمت ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله ، ثم أخبرهم رسول الله بأنه نذير وبشير ، فقال { إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } أي ينذرهم ويخوّفهم من عذابه لمن عصاه ، ويبشرهم بالجنة والرضوان لمن أطاعه ، والضمير في { منه } راجع إلى الله سبحانه . أي إنني لكم نذير وبشير من جهة الله سبحانه وقيل هو من كلام الله سبحانه كقوله { وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } آل عمران 28 . قوله { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } معطوف على ألا تعبدوا ، والكلام في أن هذه كالكلام في التي قبلها . وقوله { ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } معطوف على { استغفروا } ، وقدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة ، لكونه وسيلة إليها . وقيل إن التوبة من متممات الاستغفار وقيل معنى { استغفروا } توبوا . ومعنى { توبوا } أخلصوا التوبة واستقيموا عليها . وقيل استغفروا من سالف الذنوب ، ثم توبوا من لاحقها . وقيل استغفروا من الشرك ، ثم ارجعوا إليه بالطاعة . قال الفراء " ثم " هاهنا بمعنى الواو أي وتوبوا إليه ، لأن الاستغفار هو التوبة ، والتوبة هي الاستغفار وقيل إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب ، والتوبة . هي السبب إليها ، وما كان آخراً في الحصول ، كان أوّلاً في الطلب . وقيل استغفروا في الصغائر ، وتوبوا إليه في الكبائر ثم رتب على ما تقدّم أمرين الأول { يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا } أصل الإمتاع الإطالة ، ومنه أمتع الله بك فمعنى الآية يطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية من سعة الرزق ورغد العيش { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } إلى وقت مقدّر عند الله ، وهو الموت وقيل القيامة وقيل دخول الجنة والأوّل أولى . والأمر الثاني قوله { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أي يعط كل ذي فضل في الطاعة والعمل فضله أي جزاء فضله ، إما في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما جميعاً ، والضمير في { فضله } راجع إلى كل ذي فضل . وقيل راجع إلى الله سبحانه على معنى أن الله يعطي كل من فضلت حسناته فضله الذي يتفضل به على عباده . ثم توعدهم على مخالفة الأمر فقال { وَإِن تَوَلَّوْاْ } أي تتولوا وتعرضوا عن الإخلاص في العبادة ، والاستغفار ، والتوبة { فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } وهو يوم القيامة ، ووصفه بالكبر ، لما فيه من الأهوال . وقيل اليوم الكبير يوم بدر . ثم بين سبحانه عذاب اليوم الكبير بقوله { إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ } أي رجوعكم إليه بالموت ، ثم البعث ، ثم الجزاء ، لا إلى غيره { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } ومن جملة ذلك عذابكم على عدم الامتثال ، وهذه الجملة مقرّرة لما قبلها . ثم أخبر الله سبحانه بأن هذا الإنذار والتحذير والتوعد لم ينجع فيهم ، ولا لانت له قلوبهم ، بل هم مصرّون على العناد مصممون على الكفر ، فقال مصدراً لهذا الإخبار بكلمة التنبيه الدالة على التعجب من حالهم ، وأنه أمر ينبغي أن يتنبه له العقلاء ويفهموه { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } يقال ثني صدره عن الشيء إذا ازورّ عنه وانحرف منه ، فيكون في الكلام كناية عن الإعراض لأن من أعرض عن الشيء ثنى عنه صدره ، وطوى عنه كشحه . وقيل معناه يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق ، فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكفر ، كما كان دأب المنافقين . والوجه الثاني أولى ، ويؤيده قوله { لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } أي ليستخفوا من الله ، فلا يطلع عليه رسوله والمؤمنين ، أو ليستخفوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كرّر كلمة التنبيه مبيناً للوقت الذي يثنون فيه صدورهم ، فقال { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } أي يستخفون في وقت استغشاء الثياب ، وهو التغطي بها ، وقد كانوا يقولون إذا أغلقنا أبوابنا ، واستغشينا ثيابنا ، وثنينا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا ؟ وقيل معنى { حين يستغشون } حين يأوون إلى فراشهم ، ويتدثرون بثيابهم . وقيل إنه حقيقة وذلك أن بعض الكفار كان إذا مرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثنى صدره ، وولى ظهره ، واستغشى ثيابه ، لئلا يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجملة { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء لأن الله سبحانه يعلم ما يسرّونه في أنفسهم ، أو في ذات بينهم وما يظهرونه فالظاهر والباطن عنده سواء ، والسرّ والجهر سيان ، وجملة { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } تعليل لما قبلها وتقرير له ، و { ذات الصدور } هي الضمائر التي تشتمل عليها الصدور . وقيل هي القلوب ، والمعنى إنه عليم بجميع الضمائر ، أو عليم بالقلوب وأحوالها في الإسرار والإظهار ، فلا يخفى عليه شيء من ذلك . ثم أكد كونه عالماً بكل المعلومات بما فيه غاية الامتنان ، ونهاية الإحسان ، فقال { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } أي الرزق الذي تحتاج إليه من الغذاء اللائق بالحيوان ، على اختلاف أنواعه تفضلاً منه وإحساناً ، وإنما جيء به على طريق الوجوب ، كما تشعر به كلمة « على » اعتباراً بسبق الوعد به منه ، و " من " زائدة للتأكيد ، ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله أن الله سبحانه لما كان لا يغفل عن كل حيوان باعتبار ما قسمه له من الرزق ، فكيف يغفل عن أحواله ، وأقواله ، وأفعاله . والدابة كل حيوان يدب { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } أي محل استقرارها في الأرض ، أو محل قرارها في الأصلاب { وَمُسْتَوْدَعَهَا } موضعها في الأرحام ، وما يجري مجراها كالبيضة ونحوها . وقال الفراء مستقرها حيث تأوي إليه ليلاً ونهاراً ، ومستودعها موضعها الذي تموت فيه ، وقد مرّ تمام الأقوال في سورة الأنعام ، ووجه تقدّم المستقر على المستودع على قول الفراء ظاهر . وأما على القول الأوّل فلعل وجه ذلك أن المستقر أنسب باعتبار ما هي عليه حال كونها دابة . والمعنى وما من دابة في الأرض إلا يرزقها الله حيث كانت من أماكنها بعد كونها دابة ، وقبل كونها دابة ، وذلك حيث تكون في الرحم ونحوه . ثم ختم الآية بقوله { كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي كل من ما تقدّم ذكره من الدوّاب ، ومستقرّها ومستودعها ، ورزقها في كتاب مبين ، وهو اللوح المحفوظ أي مثبت فيه . ثم أكد دلائل قدرته بالتعرّض لذكر خلق السموات والأرض ، وكيف كان الحال قبل خلقها فقال { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } قد تقدّم بيان هذا في الأعراف ، قيل والمراد بالأيام الأوقات أي في ستة أوقات ، كما في قوله { وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } الأنفال 16 وقيل مقدار ستة أيام ، ولا يستقيم أن يكون المراد بالأيام هنا الأيام هنا الأيام المعروفة ، وهي المقابلة لليالي ، لأنه لم يكن حينئذ لا أرض ولا سماء ، وليس اليوم إلا عبارة عن مدّة كون الشمس فوق الأرض ، وكان خلق السموات في يومين ، والأرضين في يومين ، وما عليهما من أنواع الحيوان والنبات والجماد ، في يومين ، كما سيأتي في حم السجدة . قوله { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَاء } أي كان قبل خلقهما عرشه على الماء ، وفيه بيان تقدّم خلق العرش والماء على السموات والأرضين . قوله { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } اللام متعلقة بخلق أي خلق هذه المخلوقات ليبتلي عباده بالاعتبار والتفكر والاستدلال ، على كمال قدرته ، وعلى البعث والجزاء أيهم أحسن عملاً فيما أمر به ونهى عنه ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، ويوفر الجزاء لمن كان أحسن عملاً من غيره ، ويدخل في العمل الاعتقاد ، لأنه من أعمال القلب . وقيل المراد بالأحسن عملاً الأتمّ عقلاً ، وقيل الأزهد في الدنيا . وقيل الأكثر شكراً ، وقيل الأتقى لله . قوله { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ثم لما كان الابتلاء يتضمن حديث البعث أتبع ذلك بذكره ، والمعنى لئن قلت لهم يا محمد على ما توجبه قضية الابتلاء ، إنكم مبعوثون من بعد الموت ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، ليقولن الذين كفروا من الناس إن هذا الذي تقوله يا محمد إلا باطل كبطلان السحر ، وخدع كخدعه . ويجوز أن تكون الإشارة بـ { هذا } إلى القرآن لأنه المشتمل على الإخبار بالبعث . وقرأ حمزة والكسائي " إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سَـٰحِرٌ " يعنون النبي صلى الله عليه وسلم ، وكسرت " إنّ " من قوله { إِنَّكُمْ } لأنها بعد القول . وحكى سيبويه الفتح على تضمين { قلت } معنى ذكرت ، أو على " أن " بمعنى علّ أي ولئن قلت لعلكم مبعوثون ، على أن الرجاء باعتبار باعتبار حال المخاطبين أي توقعوا ذلك ، ولا تبتوا القول بإنكاره . { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُم ٱلْعَذَابَ } أي الذي تقدّم ذكره في قوله { عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } وقيل عذاب يوم القيامة وما بعده ، وقيل يوم بدر { إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } أي إلى طائفة من الأيام قليلة لأن ما يحصره العدّ قليل ، والأمة اشتقاقها من الأم وهو القصد ، وأراد بها الوقت المقصود لإيقاع العذاب . وقيل هي في الأصل الجماعة من الناس ، وقد يسمى الحين باسم مايحصل فيه ، كقولك كنت عند فلان صلاة العصر أي في ذلك الحين ، فالمراد على هذا إلى حين تنقضى أمة معدودة من الناس { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } أي أيّ شيء يمنعه من النزول استعجالا له على جهة الاستهزاء والتكذيب ، فأجابهم الله بقوله { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم } أي ليس محبوساً عنهم ، بل واقع بهم لا محالة ، و { يوم } منصوب بـ { مصروفاً } { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } أي أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه استهزاء منهم ، ووضع يستهزءون مكان يستعجلون ، لأن استعجالهم كان استهزاء منهم ، وعبر بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه ، فكأنه قد حاق بهم . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد ، أنه قرأ { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ } قال هي كلها محكمة ، يعني سورة هود { ثُمَّ فُصّلَتْ } قال ثم ذكر محمداً صلى الله عليه وسلم ، فحكم فيها بينه وبين من خالفه ، وقرأ { مثل الفريقين … } الآية كلها هود 24 ، ثم ذكر قوم نوح ثم هود ، فكان هذا تفصيل ذلك ، وكان أوّله محكماً قال وكان أبي يقول ذلك ، يعني زيد بن أسلم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن ، في قوله { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ } قال أحكمت بالأمر والنهي ، وفصلت بالوعد والوعيد ، وأخرج هؤلاء عن مجاهد { فُصّلَتْ } قال فسرت . وأخرج هؤلاء أيضاً عن قتادة في الآية قال أحكمها الله من الباطل ، ثم فصلها بعلمه ، فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته ، وفي قوله { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ } يعني من عند حكيم ، وفي قوله { يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا } قال فأنتم في ذلك المتاع ، فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه ، فإن الله منعم يحبّ الشاكرين ، وأهل الشكر في مزيد من الله ، وذلك قضاؤه الذي قضاه . وفي قوله { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } يعني الموت ، وفي قوله { يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أي في الآخرة . وأخرج هؤلاء أيضاً عن مجاهد في قوله { يؤت كل ذي فضل فضله } أي في الآخرة . وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن قال يؤت كل ذي فضل في الإسلام فضل الدرجات في الآخرة . وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود ، في قوله { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } قال من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات ، فإن عوقب بالسيئة التي عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات ، وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة ، وبقيت له تسع حسنات ، ثم يقول هلك من غلب آحاده أعشاره . وأخرج البخاري وغيره ، عن ابن عباس ، في قوله { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } الآية قال كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء ، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ، فنزل ذلك فيهم . قال البخاري ، وعن ابن عباس { يَسْتَغْشُونَ } يغطون رؤوسهم . وروى البخاري أيضاً عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ، يعني به الشك في الله ، وعمل السيئات ، وكذا روي عن مجاهد والحسن وغيرهما أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئاً أو عملوه ، فيظنون أنهم يستخفون من الله بذلك ، فأعلمهم سبحانه أنه حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } من القول { وَمَا يُعْلِنُونَ } . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، في قوله { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } قال كان المنافقون إذا مرّ أحدهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ثنى صدره ، وتغشى ثوبه ، لكيلا يراه ، فنزلت . وأخرج ابن جرير ، عن الحسن ، في قوله { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } قال في ظلمة الليل في أجواف بيوتهم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي رزين في الآية قال كان أحدهم يحني ظهره ويستغشى بثوبه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في الآية قال كانوا يخبون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله ، قال تعالى { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا أحنى ظهره ، واستغشى بثوبه ، وأضمر همه في نفسه ، فإن الله لا يخفى عليه ذلك . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال في الآية يكتمون ما في قلوبهم ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما عملوا بالليل والنهار . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { وَمَا مِن دَابَّةٍ } الآية قال يعني كل دابة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { وَمَا مِن دَابَّةٍ } الآية قال يعني ما جاءها من رزق فمن الله ، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعاً ، ولكن ما كان لها من رزق لها فمن الله . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } قال حيث تأوى ، و { مستودعها } قال حيث تموت . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } قال يأتيها رزقها حيث كانت . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن ابن مسعود ، قال مستقرّها في الأرحام ، ومستودعها حيث تموت . ويؤيد هذا التفسير الذي ذكره ابن مسعود ما أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان أجل أحدكم بأرض أتيحت له إليها حاجة ، حتى إذا بلغ أقصى أثره منها فيقبض ، فتقول الأرض يوم القيامة هذا ما استودعتني " . وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، والفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس ، أنه سئل عن قوله { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَاء } على أيّ شيء كان الماء ؟ قال على متن الريح . وقد وردت أحاديث كثيرة في صفة العرش ، وفي كيفية خلق السموات والأرض ليس هذا موضع ذكرها . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم في التاريخ ، وابن مردويه ، عن ابن عمر ، قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } فقال ما معنى ذلك يا رسول الله ؟ قال " ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً " ، ثم قال " وأحسنكم عقلاً أورعكم عن محارم الله ، وأعملكم بطاعة الله " وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة ، قال إنكم أتمّ عقلاً . وأخرج أيضاً عن سفيان قال أزهدكم في الدنيا . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ، قال لما نزلت { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ } الأنبياء 1 قال ناس إن الساعة قد اقتربت فتناهوا ، فتناهى القوم قليلاً ثم عادوا إلى أعمالهم أعمال السوء ، فأنزل الله { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } النحل 1 فقال ناس من أهل الضلال هذا أمر الله قد أتى ، فتناهى القوم ثم عادوا إلى مكرهم ، مكر السوء ، فأنزل الله هذه الآية { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس ، في قوله { إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } قال إلى أجل معدود . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } يعني أهل النفاق . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السديّ ، في قوله { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } يقول وقع بهم العذاب الذي استهزءوا به .