Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 9-17)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللام في { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ } هي الموطئة للقسم ، والإنسان الجنس ، فيشمل المؤمن والكافر ، ويدل على ذلك الاستثناء بقوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } وقيل المراد جنس الكفار ، ويؤيده أن اليأس والكفران والفرح والفخر ، هي أوصاف أهل الكفر لا أهل الإسلام في الغالب . وقيل المراد بالإنسان الوليد بن المغيرة . وقيل عبد الله بن أمية المخزومي . والمراد بالرحمة هنا النعمة من توفير الرزق والصحة والسلامة من المحن { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } أن سلبناه إياها { إِنَّهُ لَيَئُوسٌ } أي آيس من الرحمة ، شديد القنوط من عودها ، وأمثالها ، والكفور عظيم الكفران ، وهو الجحود بها قاله ابن الأعرابي وفي إيراد صيغتي المبالغة في { لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } ما يدلّ على أن الإنسان كثير اليأس ، وكثير الجحد عند أن يسلبه الله بعض نعمه ، فلا يرجو عودها ، ولا يشكر ما قد سلف له منها . وفي التعبير بالذوق ما يدل على أنه يكون منه ذلك عند سلب أدنى نعمة ينعم الله بها عليه ، لأن الإذاقة والذوق أقلّ ما يوجد به الطعم ، والنعماء إنعام يظهر أثره على صاحبه ، والضرّاء ظهور أثر الإضرار على من أصيب به . والمعنى أنه إن أذاق الله سبحانه العبد نعماءه من الصحة والسلامة ، والغنى بعد أن كان في ضرّ من فقر أو مرض أو خوف ، لم يقابل ذلك بما يليق به من الشكر لله سبحانه ، بل يقول ذهب السيئات أي المصائب التي ساءته من الضرّ والفقر والخوف والمرض عنه وزال أثرها ، غير شاكر لله ، ولا مثن عليه بنعمه { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } أي كثير الفرح بطراً وأشراً ، كثير الفخر على الناس ، والتطاول عليهم بما يتفضل الله به عليه من النعم ، وفي التعبير عن ملابسة الضرّ له بالمس مناسبة للتعبير في جانب النعماء بالإذاقة ، فإن كلاهما لأدنى ما يطلق عليه اسم الملاقاة ، كما تقدّم { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } فإن عادتهم الصبر عند نزول المحن ، والشكر عند حصول الممن . قال الأخفش هو استثناء ليس من الأوّل أي ولكن الذين صبروا وعملوا الصالحات في حالتي النعمة والمحنة . وقال الفراء هو استثناء من لئن أذقناه أي من الإنسان ، فإن الإنسان بمعنى الناس ، والناس يشمل الكافر والمؤمن ، فهو استثناء متصل ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى الموصول باعتبار اتصافه بالصبر وعمل الصالحات { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } لذنوبهم { وَأَجْرٌ } يؤجرون به لأعمالهم الحسنة { كَبِيرٌ } متناه في الكبر . ثم سلَّى الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } أي فلعلك لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب ، واقتراح الآيات التي يقترحونها عليه على حسب هواهم ، وتعنتهم تارك بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمرك بتبليغه ، مما يشق عليهم سماعه أو يستشقون العمل به ، كسبّ آلهتهم وأمرهم بالإيمان بالله وحده . قيل وهذا الكلام خارج مخرج الاستفهام أي هل أنت تارك ؟ وقيل هو في معنى النفي مع الاستبعاد أي لا يكون منك ذلك ، بل تبلغهم جميع ما أنزل الله عليك ، أحبوا ذلك أم كرهوه ، شاءوا أم أبوا { وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } معطوف على { تارك } ، والضمير في " به " راجع إلى " ما " أو إلى { بعض } ، وعبر بضائق دون ضيق لأن اسم الفاعل فيه معنى الحدوث والعروض والصفة المشبهة فيها معنى اللزوم { أَن يَقُولُواْ } أي كراهة أن يقولوا ، أو مخافة أن يقولوا أو لئلا يقولوا { لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ } أي هلا أنزل عليه كنز أي مال مكنوز مخزون ينتفع به { أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ } يصدّقه ويبين لنا صحة رسالته . ثم بيّن سبحانه أن حاله صلى الله عليه وسلم مقصور على النذارة ، فقال { إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ } ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك ، وليس عليك حصول مطلوبهم وإيجاد مقترحاتهم { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء وَكِيلٌ } يحفظ ما يقولون ، وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل . قوله { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } " أم " هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة ، وأضرب عما تقدّم من تهاونهم بالوحي ، وعدم قنوعهم بما جاء به من المعجزات الظاهرة ، وشرع في ذكر ارتكابهم لما هو أشدّ من ذلك ، وهو افتراؤهم عليه بأنه افتراه ، والاستفهام للتوبيخ والتقريع ، والضمير المستتر في { افتراه } للنبي صلى الله عليه وسلم ، والبارز إلى ما يوحى . ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بما يقطعهم ويبين كذبهم ويظهر به عجزهم ، فقال { قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ } أي مماثلة له في البلاغة ، وحسن النظم ، وجزالة اللفظ ، وفخامة المعاني . ووصف السور بما يوصف به المفرد ، فقال مثله ، ولم يقل أمثاله ، لأن المراد مماثلة كل واحد من السور ، أو لقصد الإيماء إلى وجه الشبه ، ومداره المماثلة في شيء واحد ، وهو البلاغة البالغة إلى حدّ الإعجاز ، وهذا إنما هو على القول بأن المطابقة في الجمع والتثنية ، والإفراد شرط ، ثم وصف السور بصفة أخرى ، فقال { مُفْتَرَيَاتٍ وَٱدْعُواْ } للاستظهار على المعارضة بالعشر السور { مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } دعاءه ، وقدرتم على الاستعانة به ، من هذا النوع الإنساني ، وممن تعبدونه وتجعلونه شريكاً لله سبحانه . وقوله { مِن دُونِ ٱللَّهِ } متعلق بـ { ادعوا } أي ادعوا من استطعتم متجاوزين الله تعالى { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } فيما تزعمون من افترائي له . { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } أي فإن لم يفعلوا ما طلبته منهم ، وتحدّيتهم به من الإتيان بعشر سور مثله ، ولا استجابوا إلى المعارضة المطلوبة منهم ، ويكون الضمير في " لكم " لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، أو للنبي صلى الله عليه وسلم وحده ، وجمع تعظيماً وتفخيماً { فَٱعْلَمُواْ } أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين أو للرسول صلى الله عليه وسلم وحده على التأويل الذي سلف قريباً . ومعنى أمرهم بالعلم ، أمرهم بالثبات عليه لأنهم عالمون بذلك من قبل عجز الكفار عن الإتيان بعشر سور مثله ، أو المراد بالأمر بالعلم الأمر بالازدياد منه ، إلى حدّ لا يشوبه شك ، ولا تخالطه شبهة ، وهو علم اليقين . والأوّل أولى . ومعنى { أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ ٱللَّهِ } أنه أنزل متلبساً بعلم الله المختص به ، الذي لا تطلع على كنهه العقول ، ولا تستوضح معناه الأفهام ، لما اشتمل عليه من الإعجاز الخارج عن طوق البشر { وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي واعلموا أن الله هو المتفرد بالألوهية لا شريك له ، ولا يقدره غيره على ما يقدر عليه . ثم ختم الآية بقوله { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي ثابتون على الإسلام ، مخلصون له ، مزدادون من الطاعات ، لأنه قد حصل لكم بعجز الكفار عن الإتيان بمثل عشر سور من هذا الكتاب طمأنينة فوق ما كنتم عليه ، وبصيرة زائدة ، وإن كنتم مسلمين من قبل هذا فإن الثبوت عليه وزيادة البصيرة فيه والطمأنينة به مطلوب منكم . وقيل إن الضمير في { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ } للموصول في { من استطعتم } ، وضمير { لكم } ، للكفار ، الذين تحدّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك ضمير { فاعلموا } والمعنى فإن لم يستجب لكم من دعوتموهم للمعاضدة والمناصرة على الإتيان بعشر سور من سائر الكفار ومن يعبدونهم ، ويزعمون أنهم يضرّون وينفعون ، فاعلموا أن هذا القرآن الذي أنزله الله على هذا الرسول ، خارج عن قدرة غيره سبحانه وتعالى ، لما اشتمل عليه من الإعجاز الذي تتقاصر دونه قوّة المخلوقين ، وأنه أنزل بعلم الله الذي لا تحيط به العقول ، ولا تبلغه الأفهام ، واعلموا أنه المنفرد بالألوهية لا شريك له ، فهل أنتم بعد هذا مسلمون ؟ أي داخلون في الإسلام ، متبعون لأحكامه ، مقتدون بشرائعه . وهذا الوجه أقوى من الوجه الأوّل من جهة ، وأضعف منه من جهة ، فأما جهة قوّته . فلا تساق الضمائر وتناسبها ، وعدم احتياج بعضها إلى تأويل ، وأما ضعفه ، فَلِما في ترتيب الأمر بالعلم على عدم الاستجابة ممن دعوهم واستعانوا بهم من الخفاء واحتياجه إلى تكلف ، وهو أن يقال إن عدم استجابة من دعوهم واستعانوا بهم من الكفار والآلهة مع حرصهم على نصرهم ، ومعاضدتهم ، ومبالغتهم في عدم إيمانهم واستمرارهم على الكفر ، يقيد حصول العلم لهؤلاء الكفار ، بأن هذا القرآن من عند الله ، وأن الله سبحانه هو الإلٰه وحده لا شريك له ، وذلك يوجب دخولهم في الإسلام ، واعلم أنه قد اختلف التحدّي للكفار بمعارضة القرآن ، فتارة وقع بمجموع القرآن ، كقوله { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } الإسراء 88 وبعشر سور كما في هذه الآية ، وذلك لأن العشرة أوّل عقد من العقود ، وبسورة منه كما تقدّم ، وذلك لأن السورة أقلّ طائفة منه . ثم إن الله سبحانه توعد من كان مقصور الهمة على الدنيا لا يطلب غيرها ولا يريد سواها ، فقال { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } قال الفراء إن { كان } هذه زائدة ، ولهذا جزم الجواب . وقال الزجاج { من كان } في موضع جزم بالشرط ، وجوابه { نوفّ إليهم } أي من يكن يريد . واختلف أهل التفسير في هذه الآية ، فقال الضحاك نزلت في الكفار ، واختاره النحاس بدليل الآية التي بعدها { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ } . وقيل الآية واردة في الناس على العموم ، كافرهم ومسلمهم . والمعنى أن من كان يريد بعمله حظّ الدنيا يكافأ بذلك ، والمراد بزينتها ما يزينها ويحسنها من الصحة والأمن ، والسعة في الرزق ، وارتفاع الحظّ ، ونفاذ القول ، ونحو ذلك . وإدخال { كان } في الآية يفيد أنهم مستمرّون على إرادة الدنيا بأعمالهم ، لا يكادون يريدون الآخرة ، ولهذا قيل إنهم مع إعطائهم حظوظ الدنيا يعذّبون في الآخرة ، لأنهم جرّدوا قصدهم إلى الدنيا ، ولم يعملوا للآخرة . وظاهر قوله { نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } أن من أراد بعمله الدنيا حصل له الجزاء الدنيوي ولا محالة ، ولكن الواقع في الخارج يخالف ذلك ، فليس كل متمنّ ينال من الدنيا أمنيته ، وإن عمل لها وأرادها ، فلا بد من تقييد ذلك بمشيئة الله سبحانه . قال القرطبي ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة ، وكذلك الآية التي في الشورى { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } الشورى 20 . وكذلك { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } آل عمران 145 قيدتها وفسرتها التي في سبحان { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـٰجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ } الإسراء 18 قوله { وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } أي وهؤلاء المريدون بأعمالهم الدنيا هم فيها أي في الدنيا لا يبخسون أي لا ينقصون من جزائهم فيها بحسب أعمالهم لها ، وذلك في الغالب ، وليس بمطرد ، بل إن قضت به مشيئته سبحانه ، ورجحته حكمته البالغة . وقال القاضي معنى الآية من كان يريد بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها ، نوفّ إليهم أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا ، وهو ما ينالون من الصحة والكفاف ، وسائر اللذات والمنافع ، فخصّ الجزاء بمثل ما ذكره ، وهو حاصل لكل عامل للدنيا ، ولو كان قليلاً يسيراً . قوله { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ } الإشارة إلى المريدين المذكورين ، ولا بدّ من تقييد هذا بأنهم لم يريدوا الآخرة بشيء من الأعمال المعتدّ بها ، الموجبة للجزاء الحسن في الدار الآخرة ، أو تكون الآية خاصة بالكفار ، كما تقدّم { وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ } أي ظهر في الدار الآخرة حبوط ما صنعوه من الأعمال التي كانت صورتها صورة الطاعات الموجبة للجزاء الأخروي ، لولا أنهم أفسدوها بفساد مقاصدهم ، وعدم الخلوص ، وإرادة ما عند الله في دار الجزاء ، بل قصروا ذلك على الدنيا وزينتها ثم حكم سبحانه ببطلان عملهم فقال { وَبَـٰطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي أنه كان عملهم في نفسه باطلاً غير معتدّ به ، لأنه لم يعمل لوجه صحيح يوجب الجزاء ، ويترتب عليه ما يترتب على العمل الصحيح . قوله { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ } بيّن سبحانه أن بين من كان طالباً للدنيا فقط ، ومن كان طالباً للآخرة تفاوتاً عظيماً ، وتبايناً بعيداً . والمعنى أفمن كان على بينة من ربه في اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بالله ، كغيره ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها . وقيل المراد بمن كان على بينة من ربه النبي صلى الله عليه وسلم أي أفمن كان معه بيان من الله ، ومعجزة كالقرآن ، ومعه شاهد كجبريل ، وقد بشرت به الكتب السالفة ، كمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها . ومعنى البينة البرهان الذي يدلّ على الحق ، والضمير في قوله { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ } راجع إلى البينة باعتبار تأويلها بالبرهان ، والضمير في منه راجع إلى القرآن ، لأن قد تقدّم ذكره في قوله { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } يونس 38 أو راجع إلى الله تعالى . والمعنى ويتلو البرهان الذي هو البينة شاهد يشهد بصحته من القرآن ، أو من الله سبحانه . والشاهد هو الإعجاز الكائن في القرآن ، أو المعجزات التي ظهرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك من الشواهد التابعة للقرآن . وقال الفراء قال بعضهم { ويتلوه شاهد منه } الإنجيل ، وإن كان قبله فهو يتلو القرآن في التصديق ، والهاء في { منه } لله عزّ وجلّ وقيل المراد بمن كان على بينة من ربه هم مؤمنو أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام ، وأضرابه . قوله { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ } معطوف على { شاهد } . والتقدير ويتلو الشاهد شاهد آخر من قبله هو كتاب موسى ، فهو وإن كان متقدّماً في النزول ، فهو يتلو الشاهد في الشهادة ، وإنما قدم الشاهد على كتاب موسى ، مع كونه متأخراً في الوجود ، لكونه وصفاً لازماً غير مفارق ، فكان أغرق في الوصفية من كتاب موسى . ومعنى شهادة كتاب موسى ، وهو التوراة أنه بشّر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأخبر بأنه رسول من الله . قال الزجاج والمعنى ويتلوه من قبله كتاب موسى ، لأن النبي موصوف في كتاب موسى ، يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل . وحكى أبو حاتم ، عن بعضهم ، أنه قرأ " ومن قبله كتاب موسى " بالنصب ، وحكاه المهدوي ، عن الكلبي ، فيكون معطوفاً على الهاء في { يتلوه } . والمعنى ويتلو كتاب موسى جبريل ، وانتصاب { إماماً ورحمة } على الحال . والإمام هو الذي يؤتمّ به في الدين ويقتدى به ، والرحمة النعمة العظيمة التي أنعم الله بها على من أنزله عليهم ، وعلى من بعدهم باعتبار ما اشتمل عليه من الأحكام الشرعية الموافقة لحكم القرآن ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى المتصفين بتلك الصفة الفاضلة ، وهو الكون على البينة من الله . واسم الإشارة مبتدأ وخبره { يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي يصدّقون بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، أو بالقرآن { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ } أي بالنبيّ أو بالقرآن . والأحزاب المتحزّبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة وغيرهم ، أو المتحزّبون من أهل الأديان كلها { فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } أي هو من أهل النار لا محالة ، وفي جعل النار موعداً إشعار بأن فيها ما لا يحيط به الوصف من أفانين العذاب ، ومثله قول حسان @ أوردتموها حياض الموت صاحية فالنار موعدها والموت لاقيها @@ { فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ مّنْهُ } أي لا تك في شك من القرآن ، وفيه تعريض بغيره صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم عن الشك في القرآن ، أو من الموعد { إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ } فلا مدخل للشك فيه بحال من الأحوال { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } بذلك مع وجوب الإيمان به ، وظهور الدلائل الموجبة له ، ولكنهم يعاندون مع علمهم بكونه حقاً ، أو قد طبع على قلوبهم فلا يفهمون أنه الحق أصلاً . وقد أخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } قال لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أنس ، في قوله { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } قال نزلت في اليهود والنصارى . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن معبد ، قال قام رجل إلى عليّ فقال أخبرنا عن هذه الآية { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } إلى قوله { وَبَـٰطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قال ويحك ، ذاك من كان يريد الدنيا لا يريد الآخرة . وأخرج النحاس عن ابن عباس { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } أي ثوابها { وَزِينَتَهَا } مالها { نُوَفّ إِلَيْهِمْ } نوفر لهم بالصحة والسرور في الأهل ، والمال ، والولد { وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } لا ينقصون . ثم نسخها { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـٰجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء } الإسراء 18 الآية . وأخرج أبو الشيخ ، عن السديّ ، مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في الآية قال من عمل صالحاً التماس الدنيا صوماً أو صلاة ، أو تهجداً بالليل ، لا يعمله إلا التماس الدنيا ، يقول الله أو فيه الذي التمس في الدنيا وحبط عمله الذي كان يعمل ، وهو في الآخرة من الخاسرين . وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك ، قال نزلت هذه الآية في أهل الشرك . وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن ، في قوله { نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ } قال طيباتهم . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن جريج ، نحوه . وأخرج أبو الشيخ ، عن السديّ ، في قوله { وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا } قال حبط ما عملوا من خير ، وبطل في الآخرة ، ليس لهم فيها جزاء . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في الآية ، قال هم أهل الرياء . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن ، فقال له رجل ما نزل فيك ؟ قال أما تقرأ سورة هود { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ } رسول الله صلى الله عليه وسلم بينة من ربه ، وأنا شاهد منه . وأخرج ابن عساكر ، وابن مردويه من وجه آخر ، عنه ، قال قال رسول الله " أفمن كان على بينة من ربه أنا ، ويتلوه شاهد منه عليّ " وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي العالية ، في قوله { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ } قال ذاك محمد صلى الله عليه وسلم . وأخرج أبو الشيخ ، عن إبراهيم ، نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن عليّ بن أبي طالب ، قال قلت لأبي إن الناس يزعمون في قول الله سبحانه { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ } أنك أنت التالي ، قال وددت أني أنا هو ، ولكنه لسان محمد صلى الله عليه وسلم . وأخرج أبو الشيخ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن الشاهد جبريل ووافقه سعيد بن جبير . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه من طرق ، عن ابن عباس ، قال جبريل فهو شاهد من الله بالذي يتلوه من كتاب الله الذي أنزل على محمد { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ } قال ومن قبله التوراة على لسان موسى ، كما تلا القرآن على لسان محمد . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن عساكر ، عن الحسن بن عليّ ، في قوله { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ } قال محمد هو الشاهد من الله . وأخرج أبو الشيخ ، عن إبراهيم { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ } قال ومن قبله جاء الكتاب إلى موسى . وأخرج عبد الرزاق ، وأبو الشيخ ، عن قتادة { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ } قال الكفار أحزاب كلهم على الكفر . وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة ، قال { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ } قال من اليهود والنصارى .