Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 41-42)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا هو بيان ما طلباه منه من تعبير رؤياهما . والمراد بقوله { أَمَّا أَحَدُكُمَا } هو الساقي ، وإنما أبهمه لكونه مفهوماً أو لكراهة التصريح للخباز بأنه الذي سيصلب { فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا } أي مالكه ، وهي عهدته التي كان قائماً بها في خدمة الملك ، فكأنه قال أما أنت أيها الساقي فستعود إلى ما كنت عليه ويدعو بك الملك ويطلقك من الحبس { وَأَمَّا ٱلآخَرُ } وهو الخباز { فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ } تعبيراً لما رآه من أنه يحمل فوق رأسه خبزاً فتأكل الطير منه { قُضِىَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } وهو ما رأياه وقصاه عليه ، يقال استفتاه إذا طلب منه بيان حكم شيء سأله عنه مما أشكل عليه ، وهما قد سألاه تعبير ما أشكل عليهما من الرؤيا . { وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا } أي قال يوسف ، والظان هو أيضاً يوسف . والمراد بالظنّ العلم لأنه قد علم من الرؤيا نجاة الشرابي وهلاك الخباز ، هكذا قال جمهور المفسرين . وقيل الظاهر على معناه لأن عابر الرؤيا إنما يظن ظناً ، والأوّل أولى وأنسب بحال الأنبياء . ولا سيما وقد أخبر عن نفسه عليه السلام بأنه قد أطلعه الله على شيء من علم الغيب كما في قوله { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } الآية ، وجملة { ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبّكَ } هي مقول القول ، أمره بأن يذكره عند سيده ، ويصفه بما شاهده منه من جودة التعبير والاطلاع على شيء من علم الغيب ، وكانت هذه المقالة منه عليه السلام صادرة عن ذهول ونسيان عن ذكر الله بسبب الشيطان ، فيكون ضمير المفعول في أنساه عائداً إلى يوسف ، هكذا قال بعض المفسرين ويكون المراد بربه في قوله { ذِكْرَ رَبّهِ } وهو الله سبحانه ، أي إنساء الشيطان يوسف ذكر الله تعالى في تلك الحال . { وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا } يذكره عند سيده ليكون ذلك سبباً لانتباهه على ما أوقعه من الظلم البين عليه بسجنه بعد أن رأى من الآيات ما يدل على براءته . وذهب كثير من المفسرين إلى أن الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو الذي نجا من الغلامين ، وهو الشرابي ، والمعنى إنساء لشيطان الشرابي ذكر سيده ، أي ذكره لسيده فلم يبلغ إليه ما أوصاه به يوسف من ذكره عند سيده ، ويكون المعنى فأنساه الشيطان ذكر إخباره بما أمره به يوسف مع خلوصه من السجن ، ورجوعه إلى ما كان عليه من القيام بسقي الملك ، وقد رجح هذا بكون الشيطان لا سبيل له على الأنبياء . وأجيب بأن النسيان وقع من يوسف ، ونسبته إلى الشيطان على طريق المجاز ، والأنبياء غير معصومين عن النسيان إلاّ فيما يخبرون به عن الله سبحانه ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنما أنا بشر مثلكم ، أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني " ورجح أيضاً بأن النسيان ليس بذنب ، فلو كان الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو يوسف لم يستحق العقوبة على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين ، وأجيب بأن النسيان هنا بمعنى الترك ، وأنه عوقب بسبب استعانته بغير الله سبحانه ، ويؤيد رجوع الضمير إلى يوسف ما بعده من قوله { فَلَبِثَ فِى ٱلسّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } ويؤيد رجوعه إلى الذي نجا من الغلامين قوله فيما سيأتي { وَقَالَ ٱلَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } يوسف 45 سنة . { فَلَبِثَ } أي يوسف { فِى ٱلسّجْنِ } بسبب ذلك القول الذي قاله للذي نجا من الغلامين ، أو بسبب ذلك الإنساء { بِضْعَ سِنِينَ } البضع ما بين الثلاث إلى التسع كما حكاه الهروي عن العرب ، وحكي عن أبي عبيدة أن البضع ما دون نصف العقد ، يعني ما بين واحد إلى أربعة . وقيل ما بين ثلاث إلى سبع ، حكاه قطرب . وحكى الزجاج أنه ما بين الثلاث إلى الخمس . وقد اختلف في تعيين قدر المدة التي لبث فيها يوسف في السجن ، فقيل سبع سنين . وقيل اثنتا عشرة سنة . وقيل أربع عشرة سنة ، وقيل خمس سنين . وقد أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { أَمَّا أَحَدُكُمَا } قال أتاه فقال رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبلة من عنب فنبتت ، فخرج فيه عناقيد فعصرتهنّ ثم سقيتهنّ الملك فقال تمكث في السجن ثلاثة أيام ، ثم تخرج فتسقيه خمراً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال ما رأى صاحبا يوسف شيئاً ، إنما تحالما ليجرّبا علمه . فلما أوّل رؤياهما قالا إنما كنا نلعب ، ولم نرَ شيئاً ، فقال { قُضِىَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } يقول وقعت العبارة فصار الأمر على ما عبر يوسف . وأخرج أبو عبيد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال كان أحد اللذين قصا على يوسف الرؤيا كاذباً . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ عن ابن ساباط { وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبّكَ } قال عند ملك الأرض . وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات ، وابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو لم يقل يوسف الكلمة التي قال ، ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله " وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة مرفوعاً نحوه ، وهو مرسل ، وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه . وأخرج أحمد في الزهد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن الحسن مرفوعاً نحوه . وهو مرسل . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ عن قتادة فذكر نحوه ، وهو مرسل أيضاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن أنس قال أوحي إلى يوسف من استنقذك من القتل حين همّ إخوتك أن يقتلوك ؟ قال أنت يا ربّ ، قال فمن استنقذك من الجبّ إذ ألقوك فيه ؟ قال أنت يا ربّ ، قال فمن استنقذك من المرأة إذ همت بك ؟ قال أنت يا ربّ ، قال فما لك نسيتني ، وذكرت آدمياً ؟ قال جزعاً ، وكلمة تكلم بها لساني ، قال فوعزتي لأخلدنك في السجن بضع سنين ، فلبث فيه سبع سنين ، وقد اختلف السلف في تقدير مدّة لبثه في السجن على حسب ما قدّمنا ذكره ، فلم نشتغل ها هنا بذكر من قال بذلك ومن خرّجه .