Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 43-49)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المراد بالملك هنا هو الملك الأكبر ، وهو الريان بن الوليد الذي كان العزيز وزيراً له ، رأى في نومه لما دنا فرج يوسف عليه السلام أنه خرج من نهر يابس { سَبْعَ بَقَرٰتٍ سِمَانٍ } جمع سمين وسمينة ، في إثرهن سبع عجاف أي مهازيل ، وقد أقبلت العجاف على السمان فأكلتهنّ . والمعنى إني رأيت ، ولكنه عبر بالمضارع لاستحضار الصورة ، وكذلك قوله { يَأْكُلُهُنَّ } عبر بالمضارع للاستحضار ، والعجاف جمع عجفاء ، وقياس جمعه عجف لأن فعلاء وأفعل لا تجمع على فعال ، ولكنه عدل عن القياس حملاً على سمان { وَسَبْعَ سُنْبُلَـٰتٍ } معطوف على سبع بقرات . والمراد بقوله { خُضْرٍ } أنه قد انعقد حبها ، واليابسات قد أدركت الخضر والتوت عليها حتى غلبتها ، ولعل عدم التعرّض لذكر هذا في النظم القرآني للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات . { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأ } خطاب للأشراف من قومه { أَفْتُونِى فِى رُؤْيَـٰىَ } أي أخبروني بحكم هذه الرؤيا { إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } أي تعلمون عبارة الرؤيا ، وأصل العبارة مشتقة من عبور النهر ، فمعنى عبرت النهر بلغت شاطئه ، فعابر الرؤيا يخبر بما يئول إليه أمرها . قال الزجاج اللام في { للرؤيا } للتبيين ، أي إن كنتم تعبرون . ثم بين فقال { للرؤيا } وقيل هو للتقوية ، وتأخير الفعل العامل فيه لرعاية الفواصل . وجملة { قَالُواْ أَضْغَـٰثُ أَحْلاَمٍ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والأضغاث جمع ضغث ، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما ، والمعنى أخاليط أحلام ، والأحلام جمع حلم وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها كما يكون من حديث النفس ووسواس الشيطان ، والإضافة بمعنى من ، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلاّ رؤيا واحدة مبالغة منهم في بالبطلان ، ويجوز أن يكون رأى مع هذه الرؤيا غيرها مما لم يقصه الله علينا { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلاْحْلَـٰمِ بِعَـٰلِمِينَ } قال الزجاج المعنى بتأويل الأحلام المختلطة ، نفوا عن أنفسهم علم ما لا تأويل له ، لا مطلق العلم بالتأويل . وقيل إنهم نفوا عن أنفسهم علم التعبير مطلقاً ، ولم يدّعوا أنه لا تأويل لهذه الرؤيا . وقيل إنهم قصدوا محوها من صدر الملك حتى لا يشتغل بها ، ولم يكن ما ذكروه من نفي العلم حقيقة . { وَقَالَ ٱلَّذِى نَجَا مِنْهُمَا } أي من الغلامين ، وهو الساقي الذي قال له يوسف { ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبّكَ } { وادّكر بعد أمة } بالدال المهملة على قراءة الجمهور ، وهي القراءة الفصيحة ، أي تذكر الساقي يوسف وما شاهده منه من العلم بتعبير الرؤيا ، وقرىء بالمعجمة ، ومعنى { بَعْدَ أُمَّةٍ } بعد حين ، ومنه { إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } هود 8 أي إلى وقت ، قال ابن درستويه والأمة لا تكون على الحين إلاّ على حذف مضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه ، كأنه قال والله أعلم وادكر بعد حين أمة أو بعد زمن أمة ، والأمة الجماعة الكثيرة من الناس . قال الأخفش هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع ، وكل جنس من الحيوان أمة . وقرأ ابن عباس وعكرمة " بعد أمة " بفتح الهمزة وتخفيف الميم ، أي بعد نسيان ، ومنه قول الشاعر @ أمِهتُ وكنت لا أنسى حديثا كذاك الدهر يودي بالعقول @@ ويقال أمه يأمه أمها إذا نسي . وقرأ الأشهب العقيلي { بعد إمَّة } بكسر الهمزة ، أي بعد نعمة ، وهي نعمة النجاة . { أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } أي أخبركم به بسؤالي عنه من له علم بتأويله ، وهو يوسف . { فَأَرْسِلُونِ } خاطب الملك بلفظ التعظيم ، أو خاطبه ومن كان عنده من الملأ ، طلب منهم أن يرسلوه إلى يوسف ليقصّ عليه رؤيا الملك حتى يخبره بتأويلها فيعود بذلك إلى الملك . { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصّدِيقُ أَفْتِنَا } أي يا يوسف ، وفي الكلام حذف ، والتقدير فأرسلوه إلى يوسف فسار إليه ، فقال له { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصّدِيقُ } إلى آخر الكلام ، والمعنى أخبرنا في رؤيا من رأى سبع بقرات إلخ ، وترك ذكر ذلك اكتفاء بما هو واثق به من فهم يوسف بأن ذلك رؤيا ، وأن المطلوب منه تعبيرها { لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ } أي إلى الملك ومن عنده من الملأ { لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } ما تأتي به من تأويل هذه الرؤيا ، أو يعلمون فضلك ومعرفتك لفنّ التعبير . وجملة { قَالَ تَزْرَعُونَ } إلخ مستأنفة جواب سؤال مقدّر كغيرها مما يرد هذا المورد { سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا } أي متوالية متتابعة ، وهو مصدر . وقيل هو حال ، أي دائبين ، وقيل صفة لسبع ، أي دائبة . وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه قرأ " دأبا " بتحريك الهمزة ، وكذا روى حفص عن عاصم وهما لغتان قال الفراء حرك لأن فيه حرفاً من حروف الحلق ، وكذلك كل حرف فتح أوّله وسكن ثانيه فتثقيله جائز في كلمات معروفة . فعبر يوسف عليه السلام السبع البقرات السمان بسبع سنين فيها خصب ، والعجاف بسبع سنين فيها جدب ، وهكذا عبر السبع السنبلات الخضر ، والسبع السنبلات اليابسات ، واستدل بالسبع السنبلات الخضر على ما ذكره في التعبير من قوله { فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ } أي ما حصدتم في كل سنة من السنين المخصبة فذروا ذلك المحصود في سنبله ولا تفصلوه عنها لئلا يأكله السوس إلاّ قليلاً مما تأكلون في هذه السنين المخصبة ، فإنه لا بدّ لكم من فصله عن سنبله وإخراجه عنها . واقتصر على استثناء المأكول دون ما يحتاجون إليه من البذر الذي يبذرونه في أموالهم ، لأنه قد علم من قوله { تزرعون } { ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد السبع السنين المخصبة { سَبْعٌ شِدَادٌ } أي سبع سنين مجدبة يصعب أمرها على الناس { يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ } من تلك الحبوب المتروكة في سنابلها ، وإسناد الأكل إلى السنين مجاز ، والمعنى يأكل الناس فيهنّ ، أو يأكل أهلهنّ ما قدمتم لهنّ أي ما ادخرتم لأجلهنّ ، فهو من باب نهاره صائم ، ومنه قول الشاعر @ نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم @@ { إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تُحْصِنُونَ } أي مما تحبسون من الحب لتزرعوا به لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات . وقال أبو عبيدة معنى { تحصنون } تحرزون . وقيل تدّخرون ، والمعنى واحد . قوله { ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } أي من بعد السنين المجدبات ، فالإشارة إليها ، والعام السنة { فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ } من الإغاثة أو الغوث ، والغيث المطر ، وقد غاث الغيث بالأرض ، أي أصابها ، وغاث الله البلاد يغيثها غوثاً أمطرها ، فمعنى { يغاث الناس } يمطرون { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } أي يعصرون الأشياء التي تعصر كالعنب والسمسم والزيتون . وقيل أراد حلب الألبان . وقيل معنى { يعصرون } ينجون ، مأخوذ من العصرة وهي المنجاة . قال أبو عبيدة والعصر بالتحريك الملجأ والمنجاة ، ومنه قول الشاعر @ صاديا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود @@ واعتصرت بفلان التجأت به . وقرأ حمزة والكسائي { تعصرون } بتاء الخطاب ، وقرىء " يعصرون " بضم حرف المضارعة وفتح الصاد ، ومعناه يمطرون ، ومنه قوله تعالى { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً } النبأ 14 . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال قال يوسف للساقي أذكرني عند ربك ، أي الملك الأعظم ، ومظلمتي وحبسي في غير شيء ، فقال أفعل ، فلما خرج الساقي ردّ على ما كان عليه ، ورضي عنه صاحبه ، وأنساه الشيطان ذكر الملك الذي أمره يوسف أن يذكره له ، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين ، ثم إن الملك ريان بن الوليد رأى رؤياه التي أري فيها فهالته ، وعرف أنها رؤيا واقعة ، ولم يدر ما تأويلها ، فقال للملأ حوله من أهل مملكته { إِنّى أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَـٰتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَـٰتٍ } فلما سمع من الملك ما سمع منه ومسألته عن تأويلها ، ذكر يوسف ما كان عبَّر له ولصاحبه ، وما جاء من ذلك على ما قال ، فقال أنا أنبئكم بتأويله . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { أَضْغَـٰثُ أَحْلاَمٍ } يقول مشتبهة . وأخرج أبو يعلى ، وابن جرير عنه قال من الأحلام الكاذبة . وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله . وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } قال بعد حين . وأخرج ابن جرير عن مجاهد والحسن وعكرمة وعبد الله بن كثير والسدّي مثله . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال بعد سنين . وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال بعد أمة من الناس . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرٰتٍ } الآية ، قال أما السمان فسنون فيها خصب ، وأما العجاف فسنون مجدبة ، وسبع سنبلات خضر هي السنون المخاصيب ، تخرج الأرض نباتها وزرعها وثمارها ، وآخر يابسات المحول الجُدُوب لا تنبت شيئاً . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره ، والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى اشترطت عليهم أن يخرجوني ، ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول ، ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ، ولكنه أراد أن يكون له العذر " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تُحْصِنُونَ } يقول تخزنون ، وفي قوله { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } يقول الأعناب والدهن . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ } يقول يصيبهم فيه غيث { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } يقول يعصرون فيه العنب ، ويعصرون فيه الزبيب ، ويعصرون من كل الثمرات . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عنه أيضاً { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } قال يحتلبون . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ عنه أيضاً { ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ } قال أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه كأنّ الله قد علمه إياه فيه يغاث الناس بالمطر ، وفيه يعصرون السمسم دهناً ، والعنب خمراً والزيتون زيتاً .