Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 77-82)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { قَالُواْ إِن يَسْرِقْ } أي بنيامين { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } يعنون يوسف . وقد اختلف المفسرون في هذه السرقة التي نسبوها إلى يوسف ما هي ؟ فقيل إنه كان ليوسف عمة هي أكبر من يعقوب ، وكانت عندها منطقة إسحاق لكونها أسنّ أولاده وكانوا يتوارثونها فيأخذها الأكبر سناً ، من ذكر أو أنثى ، وكانت قد حضنت يوسف وأحبته حباً شديداً ، فلما ترعرع قال لها يعقوب سلِّمي يوسف إليّ فأشفقت من فراقه ، واحتالت في بقائه لديها ، فجعلت المنطقة تحت ثيابه وحزمته بها ، ثم قالت قد سرقت منطقة إسحاق فانظروا من سرقها ، فبحثوا عنها فوجدوها مع يوسف فأخذته عندها كما هو شرع الأنبياء في ذلك الوقت من آل إبراهيم . وقد سبق بيان شريعتهم في السرقة ، وقيل إن يوسف أخذ صنماً كان لجدّه - أبي أمه - فكسره وألقاه على الطريق تغييراً للمنكر . وحكي عن الزجاج أنه كان صنماً من ذهب . وحكى الواحدي عن الزجاج أنه قال الله أعلم ، أسرق أخ له أم لا ؟ وحكى القرطبي في تفسيره عن الزجاج أنه قال كذبوا عليه فيما نسبوه إليه ، قلت وهذا أولى ، فما هذه الكذبة بأوّل كذباتهم ، وقد قدّمنا ما يدفع قول من قال إنهم قد كانوا أنبياء عند صدور هذه الأمور منهم . قوله { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ } قال الزجاج وغيره الضمير في أسرّها يعود إلى الكلمة أو الجملة ، كأنه قيل فأسرّ الجملة في نفسه { وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } ثم فسرها بقوله { قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } وقد ردّ أبو عليّ الفارسي هذا فقال إن هذا النوع من الإضمار على شريطة التفسير غير مستعمل . وقيل الضمير عائد إلى الإجابة ، أي أسرّ يوسف إجابتهم في ذلك الوقت إلى وقت آخر ، وقيل أسرّ في نفسه قولهم { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } . وهذا هو الأولى ، ويكون معنى { وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } أنه لم يبد لهم هذه المقالة التي أسرّها في نفسه بأن يذكر لهم صحتها ، أو بطلانها ، وجملة { قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } مفسرة على القول الأوّل ، ومستأنفة على القولين الآخرين ، كأنه قيل فماذا قال يوسف لما قالوا هذه المقالة ؟ أي { أنتم شرّ مكانا } أي موضعاً ومنزلاً ممن نسبتموه إلى السرقة وهو بريء ، فإنكم قد فعلتم ما فعلتم من إلقاء يوسف إلى الجبّ ، والكذب على أبيكم وغير ذلك من أفاعيلكم ، ثم قال { وَٱللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } من الباطل بنسبة السرقة إلى يوسف ، وأنه لا حقيقة لذلك . ثم أرادوا أن يستعطفوه ليطلق له أخاهم بنيامين يكون معهم يرجعون به إلى أبيهم لما تقدّم من أخذه الميثاق عليهم بأن يردّوه إليه ، فقالوا { يأيها ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا } أي إن لبنيامين هذا أباً متصفاً بهذه الصفة ، وهي كونه شيخاً كبيراً لا يستطيع فراقه ولا يصبر عنه ، ولا يقدر على الوصول إليه { فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ } يبقى لديك ، فإن له منزلة في قلب أبيه ليست لواحد منا فلا يتضرّر بفراق أحدنا كما لا يتضرّر بفراق بنيامين ، ثم عللوا ذلك بقوله { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } إلى الناس كافة ، وإلينا خاصة ، فنعم إحسانك إلنيا بإجابتنا إلى هذا المطلب ، فأجاب يوسف عليهم بقوله { مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَـٰعَنَا عِندَهُ } أي نعوذ بالله معاذاً ، فهو مصدر منصوب بفعل محذوف ، والمستعيذ بالله هو المعتصم به ، وأن نأخذ منصوب بنزع الخافض ، والأصل من أن نأخذ إلاّ من وجدنا متاعنا عنده ، وهو بنيامين لأنه الذي وجد الصواع في رحله فقد حلّ لنا استعباده بفتواكم التي أفتيتموها بقولكم { جَزاؤُهُ مَن وُجِدَ فِى رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ } . { إِنَّـا إِذًا لَّظَـٰلِمُونَ } أي إنا إذا أخذنا غير من وجدنا متاعنا عنده لظالمون في دينكم وما تقتضيه فتواكم . { فَلَمَّا استيأسوا منه } أي يئسوا من يوسف وإسعافهم منه إلى مطلبهم الذي طلبوه ، والسين والتاء للمبالغة { خَلَصُواْ نَجِيّا } أي انفردوا حال كونهم متناجين فيما بينهم ، وهو مصدر يقع على الواحد والجمع كما في قوله { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } مريم 52 . قال الزجاج معناه انفردوا وليس معهم أخوهم متناجين فيما يعملون به في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم { قَالَ كَبِيرُهُمْ } ، قيل هو " روبيل " لأنه الأسنّ ، وقيل " يهوذا " لأنه الأوفر عقلاً ، وقيل " شمعون " لأنه رئيسهم { أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقًا مّنَ ٱللَّهِ } أي عهداً من الله في حفظ ابنه وردّه إليه ، ومعنى كونه من الله أنه بإذنه { وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِى يُوسُفَ } معطوف على ما قبله . والتقدير ألم تعلموا أن أباكم وتعلموا تفريطكم في يوسف ، ذكر هذا النحاس وغيره ، و { من قبل } متعلقة بـ { تعلموا } أي وتعلموا تفريطكم في يوسف من قبل ، على أن " ما " مصدرية ، ويجوز أن تكون زائدة ، وقيل { ما فرّطتم } مرفوع المحل على الابتداء ، وخبره { من قبل } وقيل إن " ما " موصولة ، أو موصوفة ، وكلاهما في محل النصب أو الرفع ، وما ذكرناه هو الأولى ، ومعنى { فرطتم } قصرتم في شأنه ، ولم تحفظوا عهد أبيكم فيه { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ } . يقال برح براحاً وبروحاً ، أي زال ، فإذا دخله النفي صار مثبتاً أي لن أبرح من الأرض ، بل ألزمها ولا أزال مقيماً فيها { حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِى أَبِى } في مفارقتها والخروج منها ، وإنما قال ذلك لأنه يستحي من أبيه أن يأتي إليه بغير ولده الذي أخذ عليهم الموثق بإرجاعه إليه إلاّ أن يحاط بهم كما تقدّم ، { أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِى } بمفارقتها والخروج منها ، وقيل المعنى أو يحكم الله لي بخلاص أخي من الأسر حتى يعود إلى أبي وأعود معه ، وقيل المعنى أو يحكم الله لي بالنصر على من أخذ أخي فأحاربه وآخذ أخي منه ، أو أعجز فأنصرف بعد ذلك { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَـٰكِمِينَ } لأن أحكامه لا تجري إلاّ على ما يوافق الحق ، ويطابق الصواب . ثم قال كبيرهم مخاطباً لهم { ٱرْجِعُواْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ } قرأ الجمهور { سرق } على البناء للفاعل ، وذلك لأنهم قد شاهدوا استخراج الصواع من وعائه . وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو رزين على البناء للمفعول ، وروى ذلك النحاس عن الكسائي . قال الزجاج إنّ سرق يحتمل معنيين أحدهما علم منه السرق ، والآخر اتهم بالسرق { وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا } من استخراج الصواع من وعائه ، وقيل المعنى ما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترق إلا بما علمنا من شريعتك وشريعة آبائك { وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَـٰفِظِينَ } حتى يتضح لنا هل الأمر على ما شاهدناه أو على خلافه ؟ وقيل المعنى ما كنا وقت أخذنا له منك ليخرجا معنا إلى مصر للغيب حافظين بأنه سيقع منه السرق الذي افتضحنا به . وقيل الغيب هو الليل ، ومرادهم أنه سرق وهم نيام ، وقيل مرادهم أنه فعل ذلك وهو غائب عنهم ، فخفي عليهم فعله . { وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِى كُنَّا فِيهَا } هذا من تمام قول كبيرهم لهم أي قولوا لأبيكم أسأل القرية التي كنا فيها أي مصر ، والمراد أهلها أي أسأل أهل القرية وقيل هي قرية من قرى مصر نزلوا فيها وامتاروا منها . وقيل المعنى واسأل القرية نفسها وإن كانت جماداً فإنك نبيّ الله ، والله سبحانه سينطقها فتجيبك . ومما يؤيد هذا أنه قال سيبويه لا يجوز كلم هنداً وأنت تريد غلام هند { وَٱلّعِيْرَ ٱلَّتِى أَقْبَلْنَا فِيهَا } أي وقولوا لأبيكم اسأل العير التي أقبلنا فيها أي أصحابها وكانوا قوماً معروفين من جيران يعقوب { وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } فيما قلنا . جاءوا بهذه الجملة مؤكدة هذا التأكيد ، لأن ما قد تقدّم منهم مع أبيهم يعقوب يوجب كمال الريبة في خبرهم هذا عند السامع . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } قال يعنون يوسف . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال سرق مكحلة لخالته ، يعني يوسف . وأخرج أبو الشيخ عن عطية قال سرق في صباه ميلين من ذهب . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سرق يوسف صنماً لجدّه - أبى أمه - من ذهب وفضة فكسره وألقاه على الطريق فعيره بذلك إخوته " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير مثله غير مرفوع ، وقد روى نحوه عن جماعة من التابعين . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ } قال أسرّ في نفسه قوله { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن قتادة مثله . وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق في قوله { فلما استيأسوا منه } قال أيسوا منه ، ورأوا شدّته في أمره . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { خَلَصُواْ نَجِيّا } قال وحدهم . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { قَالَ كَبِيرُهُمْ } قال " شمعون " الذي تخلف ، أكبرهم عقلاً ، وأكبر منه في الميلاد " روبيل " . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن قتادة قال كبيرهم هو " روبيل " ، وهو الذي كان نهاهم عن قتله ، وكان أكبر القوم . وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله { أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِى } قال أقاتل بسيفي حتى أقتل . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ عن أبي صالح نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن عكرمة { وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَـٰفِظِينَ } قال ما كنا نعلم أن ابنك يسرق . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن قتادة نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } قال يعنون مصر . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن قتادة مثله .