Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 7-10)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي لقد كان في قصتهم علامات دالة على عظيم قدرة الله وبديع صنعه { لّلسَّائِلِينَ } من الناس عنها ، وقرأ أهل مكة " آية " على التوحيد ، وقرأ الباقون على الجمع ، واختار قراءة الجمع أبو عبيد . وقال النحاس و " آية " ها هنا قراءة حسنة . وقيل المعنى لقد كان في يوسف وإخوته آيات دالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم للسائلين له من اليهود ، فإنه روى أنه قال له جماعة من اليهود وهو بمكة أخبرنا عن رجل من الأنبياء كان بالشام أخرج ابنه إلى مصر فبكى عليه حتى عمي ، ولم يكن بمكة أحد من أهل الكتاب ، ولا من يعرف خبر الأنبياء ، وإنما وجهوا إليه من أهل المدينة من يسأله عن هذا ، فأنزل الله سورة يوسف جملة واحدة كما في التوراة . وقيل معنى { آيات للسائلين } عجب لهم ، وقيل بصيرة ، وقيل عبرة . قال القرطبي وأسماؤهم يعني إخوة يوسف روبيل ، وهو أكبرهم ، وشمعون ، ولاوى ، ويهوذا ، وريالون ، ويشجر ، وأمهم ليا بنت ليان وهي بنت خال يعقوب ، وولد له من سريتين أربعة ، وهم دان ، ونفتالى ، وجاد ، وآشر ، ثم ماتت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف ، وبنيامين وقال السهيلي إن أم يوسف اسمها وقفا ، وراحيل ماتت من نفاس بنيامين ، وهو أكبر من يوسف . { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ } أي وقت قالوا ، والظرف متعلق بكان { أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا } والمراد بقوله { وَأَخُوهُ } هو بنيامين ، وخصوه بكونه أخاه مع أنهم جميعاً إخوته ، لأنه أخوه لأبويه كما تقدم ، ووحد الخبر فقال { أحب } مع تعدد المبتدأ لأن أفعل التفضيل يستوي فيه الواحد وما فوقه إذا لم يعرّف ، واللام في { ليوسف } هي الموطئة للقسم ، وإنما قالوا هذه لأنه بلغهم خبر الرؤيا فأجمع رأيهم على كيده ، وجملة { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } في محل نصب على الحال ، والعصبة الجماعة ، قيل وهي ما بين الواحد إلى العشرة . وقيل إلى الخمسة عشر ، وقيل من العشرة إلى الأربعين ، ولا واحد لها من لفظها ، بل هي كالنفر والرهط ، وقد كانوا عشرة ، { إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلٰلٍ مُّبِينٍ } أي لفي ذهاب عن وجه التدبير بالترجيح لهما علينا ، وإيثارهما دوننا مع استوائنا في الانتساب إليه ، ولا يصح أن يكون مرادهم أنه في دينه في ضلال مبين . { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا } أي قالوا افعلوا به أحد الأمرين إما القتل ، أو الطرح في أرض ، أو المشير بالقتل بعضه والمشير بالطرح البعض الآخر ، أو كان المتكلم بذلك واحد منهم فوافقه الباقون ، فكانوا كالقائل في نسبة هذا المقول إليهم ، وانتصاب { أرضاً } على الظرفية ، والتنكير للإبهام أي أرضاً مجهولة ، وجواب الأمر { يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } أي يصف ويخلص فيقبل عليكم ويحبكم حباً كاملاً { وَتَكُونُواْ } معطوف على { يخل } ، ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار أن { مِن بَعْدِهِ } أي من بعد يوسف ، والمراد بعد الفراغ من قتله أو طرحه ، وقيل من بعد الذنب الذي اقترفوه في يوسف { قَوْمًا صَـٰلِحِينَ } في أمور دينكم وطاعة أبيكم ، أو صالحين في أمور دنياكم ، لذهاب ما كان يشغلكم عن ذلك ، وهو الحسد ليوسف وتكدّر خواطركم بتأثيره عليكم هو وأخوه ، أو المراد بالصالحين التائبون من الذنب . { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ } أي من الإخوة ، قيل هو يهوذا ، وقيل روبيل ، وقيل شمعون { لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِى غَيَابَةِ ٱلْجُبّ } قيل ووجه الإظهار في { لا تقتلوا يوسف } استجلاب شفقتهم عليه . قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة وأهل الشام { في غيابة الجب } بالإفراد ، وقرأ أهل المدينة في غيابات بالجمع ، واختار أبو عبيد الإفراد وأنكر الجمع ، لأن الموضع الذي ألقوه فيه واحد . قال النحاس وهذا تضييق في اللغة ، و " غيابات " على الجمع تجوز ، والغيابة كل شيء غيب عنك شيئاً . وقيل للقبر غيابة ، والمراد به هنا غور البئر الذي لا يقع البصر عليه ، أو طاقة فيه ، قال الشاعر @ ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث إلى ذا كما قد غيبتني غيابيا @@ والجب البئر التي لم تطو ، ويقال لها قبل الطيّ ركية ، فإذا طويت قيل لها بئر ، سميت جباً ، لأنها قطعت في الأرض قطعاً ، وجمع الجب جيب وجياب ، وأجباب ، وجمع بين الغيابة والجبّ مبالغة في أن يلقوه في مكان من الجبّ شديد الظلمة حتى لا يدركه نظر الناظرين ، قيل وهذه البئر ببيت المقدس . وقيل بالأردن ، وجواب الأمر { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } قرأ مجاهد ، وأبو رجاء ، والحسن ، وقتادة تلتقطه بالمثناة الفوقية ، ووجهه أن بعض السيارة سيارة ، وحكي عن سيبويه سقطت بعض أصابعه . ومنه قول الشاعر @ أرى مرّ السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال @@ وقرأ الباقون " تلتقطه " بالتحتية . والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق ، والالتقاط هو أخذ شيء مشرف على الضياع ، وكأنهم أرادوا أن بعض السيارة إذا التقطه حمله إلى مكان بعيد ، بحيث يخض عن أبيه ومن يعرفه ، ولا يحتاجون إلى الحركة بأنفسهم إلى المكان البعيد ، فربما أن والدهم لا يأذن لهم بذلك ، ومعنى { إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ } إن كنتم عاملين بما أشرت به عليكم في أمره ، كأنه لم يجزم بالأمر ، بل وكله إلى ما يجمعون عليه ، كما يفعله المشير مع من استشاره . وفي هذا دليل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء ، فإن الأنبياء لا يجوز عليهم التواطؤ على القتل لمسلم ظلماً وبغياً . وقيل كانوا أنبياء ، وكان ذلك منهم زلة قدم ، وأوقعهم فيها التهاب نار الحسد في صدورهم واضطرام جمرات الغيظ في قلوبهم . وردّ بأن الأنبياء معصومون عن مثل هذه المعصية الكبيرة المتبالغة في الكبر ، مع ما في ذلك من قطع الرحم وعقوق الوالد وافتراء الكذب . وقيل إنهم لم يكونوا في ذلك الوقت أنبياء ، بل صاروا أنبياء من بعد . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { آيات للسائلين } قال عبرة . وأخرج أيضاً عن قتادة في الآية يقول من سأل عن ذلك فهو هكذا ما قصّ الله عليكم وأنبأكم به . وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك نحوه . وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق قال إنما قصّ الله على محمد صلى الله عليه وسلم خبر يوسف وبغي إخوته عليه ، وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بغي قومه عليه وحسدهم إياه حين أكرمه الله بنبوّته ليأتسى به . وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ } يعني بنيامين هو أخوه لأبيه وأمه ، وفي قوله { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } قال العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، وأبو الشيخ عن ابن زيد قال العصبة الجماعة ، { إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلٰلٍ مُّبِينٍ } قال لفي خطأ من رأيه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ في قوله { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ } قال قاله كبيرهم الذي تخلف ، قال والجبّ بئر بالشام { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } قال التقطه ناس من الأعراب . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله { وَأَلْقُوهُ فِى غَيَابَةِ ٱلْجُبّ } يعني الركية . وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال الجبّ البئر . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ قال هي بئر ببيت المقدس ، يقول في بعض نواحيها . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال الجبّ بحذاء طبرية بينه وبينها أميال .